يوم الأحد 07 أكتوبر فقدت الأسرة التربوية و العائلة النقابية الزبير عمامي و هو مسؤول نقابي بدائرة رادس. لم يختطفه الموت لان الموت كان به يتربص منذ مدة. صارع الزبير الموت كما لم يصارعه احد و غالب الموت في عناد يشهد به كل الذين عايشوه فترة مرضه. كثر هم الذين التقى بهم الزبير في محطات استثنائية، حاد بهم الدرب أو حادوا هم عن الدرب عسرت عليهم القناعات أو استكانوا هم إلى يقين باهت هربا من أفق بدا لهم عسيرا و الزبير لم يبدل تبديلا و أنّى له أن يلبس جبة لم يألفها طوال رحلته مع الحياة و ظل يمجها. استبد به المرض فما ضعف وأحدق به الموت فما يئس بل عمدا إلى الإيغال في الحياة كأنه أراد أن ينحت في مخيله من عرفوه الصورة التي لرادها أن تبقى حتى لا نسال ذات يوم ماذا بقي من الزبير. رحل الزبير لان الموت أقوى و لكن الصورة لن تمحي: جند ذات خريف كان ذلك قبل حوالي 20 سنة و هو بعد طالب فتعلم و المحن خير معلم أن للحرية مهرا غاليا و لكنه جميل. بعض ممن قاسموه تلك التجربة عدوها طيش صبيان و البعض الآخر وظفها في بورصة القيم المنقولة. انخرط الزبير في الحياة العملية و كان قد تعلم أن الحلم يخبو و لكنه أبدا لا يموت رحلة العمر لأنها قصيرة فهي تملي علينا إيغالا في الحياة و تشبثا بأمل مهما بدا ضئيلا. فقد يجافيك الكل و قد يعاديك الكثيرون و لكن الكل يحسدك على ما أنت فيه من نعمة الانخراط في عناد حرون. فكيف تتعجب إذا اعترضك الزبير فلن يمهلك لحظة لتسأله عن صحته و عما فعل به المرض و جرك إلى السؤال عما اعتقدت أن الحديث فيه إثقال لكاهل الرجل؟ تخجل من نفسك فيبدد الزبير خجلك ترأف به حبا أو مجاملة فيضحك منك و يهون عليك أكثر مما تهون عليه فلا تجد بدا من مسايرته لتجادله في الحال و الأحوال و الثبات و الترحال. كان الزبير منذ مدة يموت كل يوم و لكن لا هو و لا احد من المحيطين به كان يريد أن يصدق إلى أن رحل. لم يخط الزبير وصية و لكنه ترك أجمل وصية: أدرك أن الموت منه قريب فليس إلا أن يسخر من الموت بان يعيش أعباء الحياة فيفنى فيها لتفنيه. و أدرك أن اكبر إذلال لامرأة هو أن يستبد الخوف برفيق دربها فحارب الخوف في زوجته و الوفية أكثر مما حاربه في نفسه فكان عظيما في صراعه مع المرض عظمة زوجته في تساميها عن الضعف زرعت فيه الأمل حيث لا أمل و أدركت أن الإنسان يضعف بمن حوله فأحاطته بعالم من الإصرار و التحدي و العناد. عرفت أن أكثر ما يهد الرجل في محنته هو أن يرى أما أو أختا أو زوجة تبكي فطلقت البكاء طلاقا بالثلاث فهل أرادت أن تعلن في صمت أن الزبير لا يستحق الإهانة ؟ و هل أرادت أن تنحت صورة هي اخر ما يراه الزبير قبل أن يودعها الوداع الأخير؟ للزبير كل الوفاء و احمل وفاء أن نعبد الحياة كما عبدها فيكون الموت عنا بعيدا و هو منا جد قريب. للزبير كل الوفاء و اكبر وفاء أن لا نترك لزوجته فرصة الإحساس باليتم و التغرب و الوحدة ولأصدقاء الزبير و رفاقه كل الصبر و التجلد. و لزوجته صديقتنا وسيلة و ذويه و ابنيه غسان و ندى كل العزاء.