لأبي يوسف يعقوب بن اسحاق السكّيت العديد من الكتب في النحو والشعر والطرائف وإصلاح المنطق. ولعلّ خير ما قرأت لهذا الرجل قوله: يُصاب الفتى من عثرة بلسانه وليس يصاب المرْء من عثرة الرجل فعثرته بالقول تُذهب رأسه وعثرته بالرجل تبْرا على مهل إنّه الموقف من القول والخطاب والرأي... وهذا الشاعر الذي عاصر المتوكّل مات بالذي حذّر منه، أي استدعاه المتوكّل إلى مجلسه، وكان يعرف أنّ ابن السكّيت شيعيّا يميل في رأيه إلى تقديم عليّ ابن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين، وسأله: من أحبّ إليك ابنايَ هذان (المعتز والمؤيّد) أم الحسن والحسين؟ فأثنى ابن السكّيت على الحسن والحسين ولم يمدح المعتزّ والمؤيّد، فأمر المتوكّل الأتراك ليدوسوا بطنه حتّى الموت. إنّ الحديث عن يستوجب الحديث عن الحضور والإقصاء... الخفي والمتجلّي... المصرّح به والمعلن. يحيلك إلى المسكوت عنه في الحضارة العربيّة الإسلامية إلى يومنا الرّاهن. وهذا الإشكال يُخفي الكثير من الجدل المتعلّق بالسياسيّ والثقافيّ. إنّ هذه الأبيات لمّا يتعلّق الأمر بالإبداع أدركتْ خلودها، لأنّ موضوعها مازال ماثلا إلى الآن، بل تفاقمتْ وازدادتْ آليات المحاصرة والقمع فتْكا بالمثقّف. وهي خلافا لآلاف النصوص الشعريّة، التي لا تعدو أن تكون شمعة لا تضيء إلاّ ركنا بسيطا من أركان بيت الشاعر. إنّ امتداد هذه الأبيات في التاريخ، جاء قبل ابن السكّيت طبعا، وحتّى قبل طرفه ابن العبد، الذي هجا ملك الحيرة فكافأه بأنْ أرسل لعامله بالبحرين مكتوبا مع طرفة نفسه، جاء فيه: «باسمك اللّهم. من عمر بن هند إلى المكعبر: إذا أتاك كتابي هذا مع طرفة فاقطع يديه ورجليه، ثمّ ادفنه حيّا» ... وبالمثل حصل مع «غاليلي» الذي لم يكفّ لسانه عن أن يلغ «: إنّها تدور... إنّها تدور». ونفس ما حصل مع المذيع النيجيري الذي كذّب الأخبار التي كان يقرؤها مباشرة أمام ملايين النيجيريين .... وغيرهم كثير. ولأنّنا لا نتوفّر على قدر من الثقة، تُخوّل لنا مدّ ألسننا سنتيمترا واحدا، ترانا وبجهد مفرط فيه نُخفي هذا ونحافظ عليه ونتعهّده بالصيانة، مخافة أن يتعثّر... فيا ويل العاثر. ولمن غلبه لسانه، دقّ رجله في الحائط كي يستعيض بذلك عن الكلام. ولا خوف على عثرة الرّجل، لأنّها تبرؤ على مهل. أحدهم وبدهاء مفرط فيه، علّق على تلك الأبيات للسكّيت، بكونها لا تنطبق على عصر الأنترنات والأقمار الصناعية والصحف السيّارة ووكالات الأنباء التي لا تترك كبيرة ولا صغيرة إلاّ رصدتها ومرّرتها. وأنّ المثقّف والشاعر والصحفيّ لم يعد له ما يخاف منه، ولا شيء الآن يقلق السلطة والدول لأنّ الحقائق كلّها منشورة على حبال البوّابات الإلكترونية. غير أنّني وتحسّبا لما قد يحصل لم أنخرط معه في نقاش يدحض نظريّته تلك. فقط أشرت عليه أن (... قلتها له هامسا، مخافة أن يشهد شاهد على قولي، فأغدو نسيا منسيّا)، فبسمل وحوقل واعتبر إشارتي تلك لا تدخل في باب حريّة التعبير ولا ولا المعتقد. وأنّ كلامي ليس إلاّ تطرّفا فكريّا دفعتني إليه بعض الأطراف الخارجيّة أو ثلّة ضالّة لا تعترف بالقانون وبالدّستور. وحذّرني من العودة إلى مثل تلك الأفكار الهدّامة التي لا تقدّم شيئا لهذا الوطن. أكّدت له إخلاصي ووفائي للوطن، وأنّني مواطن أحمل بطاقة هويّة وتصلني بطاقة الانتخاب دون تعتيم. ........ غير أنّه بلغني أنّ السيد قام بمهمّته الاجتماعية كمواطن يخاف على وطنه من أمثالي الزنادقة، ووجدتني أحاكم بتهمة القذف وترويج الأخبار الزائفة.