الداخل الى مقر جمعية صيانة جزيرة جربة بزاوية سيدي عبد القادر بمدينة حومة السوق، يلفت انتباهه قاعة على يمين باب المكان، تعمل فيها في صمت منذ مدة طويلة نسبيا، مجموعة من الفتيات، بصدد إنجاز تصاميم مصغرة ونماذج مجموعة من المساجد المحلية وملاحقها الهيكلية، في ورشة مجهزة ، و يندرج هذا العمل في نطاق مشروع توظيف جامع الباسي بمنطقة والغ الذي يدخل ضمن اهتمام الجمعية بالسياحة الثقافية انطلاقا من المقومات التراثية ، وإحداث مسك ثقافي وسياحي يشتمل على محطات تراثية متنوعة. دوافع الإنجاز يبدو أن ثلاثة دوافع مرتبطة بالواقع المعماري هي التي كانت وراء هذا المشروع أولها القيمة العددية للمساجد بجربة، إذ تعد الجزيرة، وفي إحصاء قام به الدكتور رياض المرابط في «مدونة مساجد جربة» (أطروحة) بإشراف الدكتورة منيرة شابوطو الرمادي تونس 2002 ، 621 صفحة، 254 معلما، إلا أن الثقافة التقليدية الشفوية تعطي للجزيرة أكثر من 360 مسجدا أو جامعا على عدد أيام السنة تقريبا!! موزعا على كامل جربة بصفة متوازية ومكثفة تدل على أنها لم تشيد بطريقة عشوائية وإنما كانت تستجيب لحاجيات كل حومة ولتخطيط مسبق يشمل كامل الجزيرة على مستوى التصميم والبناء. ثانيا : قيمة البناءات الفنية ، إذ يمتاز المسجد الجربي بالبساطة والتواضع، ويطغى اللون الابيض على كل المعالم، وهو وظيفي، وهنا تكمن جمالية المعمار، وهو يتميز بالصومعة التي تطبعه وتميزه عن غيره من مغالم جربة الأخرى، إضافة الى انصهار المعلم داخل بيئته فهو يكون مع مجموعة المنازل في الحي الواحد نسقا معماريا متواترا يحتل المسجد في أغلب الحالات وسط هذه الأحياء والتجمعات السكنية وهذا لا يمنع وجود مساجد داخل الغابات أو على السواحل ولكل واحدة منها دور مهم في الحياة الاجتماعية لدى الجربي قديما. ثالثها : الأخطار التي تهدد هذه العمارة بالتدهور بل حتى بالاضمحلال ، وقد اتضح أن العديد منها تآكلت جدرانه وتصدعت أسقفها، وبليت جوانبها، وغاب بريقها، وبعض العمارات الأخرى لم يبق قائما منها إلا بعض الحجارة التي نبتت فيها الأعشاب البحرية وغيرها . وهكذا إذن فإن هذا المشروع وببعث المتحف بالجامع المذكور سالفا توجد محاولة ورغبة للتعريف بالرصيد المعماري الثري المتميز لهذه المعالم مع مجموعة أخرى من الأهداف. هذا إضافة الى بقية المأثور المعماري في الجزيرة (بعض مئات من معاصر الزيتون تحت الأرض وفوقها، حوانيت الحياكة، الابراح، المواقع الأثرية، المنازل السكنية الأصيلة. الفساقي العمومية...). مكونات المتحف سيحتوي الجامع المتحف على قاعة للصلاة بكل ملاحقها الضرورية، وكتّاب، ومكتبة ومتحف للأشكال الهندسية لمساجد جربة وفيه قاعة عروض للمعلقات الحائطية، فضاء خاص بالنماذج والأشكال المصغرة لأهم مساجد الجزيرة، قاعة عروض على شاشات للصور الشفافة، فضاء خاص ببيع المراجع المكتوبة والمرئية والمسموعة، وبه أيضا قسم إداري وكتابة وفضاء استقبال و مركب صحي. وحاليا فالفتيات المذكورات أعلاه يقمن بإعداد النماذج للمعالم، على سلم 1/50 ثم إنجاز جامع تاجديت (فاتو) جامع سيدي ياتي (قلالة) بيت الصلاة بجامع تلاكين (غيزن) الجامع الكبير (الخشان) جامع السلاوتي جامع الشيخ (القشعين) ، وهنّ تقنيات ساميات متخرجات في معهد الفنون الجميلة بسوسة، كما تم صنع نماذج لجامع الباسي نفسه بمقاسات هي : 150 صم طولا ، و150 صم عرضا و50 صم ارتفاعا، أما الجامع الكبير فقد كان بالمقاسات التالية : الطول 170 صم ، العرض 150 صم ، والارتفاع 50 صم. وفي حديث مع الأخ عبدالمجيد قشقوش أمين سر الجمعية، والموظف القار بها، منذ سنوات، اتضح أن المسألة لا تبدو قريبة التجسيم في جامع الباسي ذاته وإنما قد تتطلب وقتا أطول حتى تكتمل كل عناصر البعث، كما أن التمويل يعوز الجميعة والموارد محدودة، هذا وللإفادة، نشير إلى أنه بمقر سيدي عبد القادر مركز توثيق غاية في الثراء المعرفي وفيه محتويات ومخزونات جد مهمة عن جزيرة جربة في كل أبعادها وهي حاليا محطة أنظار الباحثين الذين ينقبون عن أسرار قطعة الأرض هذه في الجنوب التونسي الراقدة في الجنوب الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، خاصة الأجانب منهم الذين التقينا بهم أكثر من مرة وهم مبهورون بهذه الدسامة والكثافة المعلوماتية والدقة والروعة التي تم تنظيم المركز بها، فمتى يتحقق هذا المطمح الثقافي؟!.