يبقى دائما شخصيّة قيادية استثنائية مهما اختلفت الظروف المكانية وتغيّرت مواقعه في الحركة النقابية داخل تونس أو خارجها... فهو الرقم الصّعب الذي أربك خصومه في بعض الهياكل النقابية أو في شبه الدوائر الرسميّة أو في «المقاهي السياسية»... وهو أيضا الرجل اللّغز الذي دوّخ جل حلفائه لصبره عند الشّدائد وهدوئه أمام المخاطر فباتوا في حيرة من أمره وأمرهم باحثين عن سرّ هذا الهدوء فلم يفلحوا في الكشف عنه... وباستثناء «مريديه» بين العمّال المنتشرين في المصانع والضيعات والإدارات والمؤسّسات ممّن يعتبرونه الرّمز الوحيد الأوحد للتيّار العاشوري في الاتحاد العام التونسي للشغل، أو الكوادر النقابية الأخرى وبعض النخب والجامعيين وغيرهم والذين يصنّفونه على مختلف توجّهاتهم كعنصر من عناصر الإصلاح في المنظمة الشغيلة لخصاله النقابية الأصيلة ورفعة أخلاقه وخاصّة نظافة يده، فانّ علي رمضان بما له وما عليه يمثّل ظاهرة نقابية متميّزة يعسر على كل عاقل أو باحث تغافلها أو غض الطرف عنها سواء كان داعما لها أو معارضا ايّاها... ولأنّ علي رمضان هو الغائب/الحاضر في كل الأحاديث عن المؤتمر القادم للاتحاد والنواة الصلبة لكل التحالفات والتحالفات المضادة، والفاعل والمفعول به في كل السيناريوهات المحتملة، ارتأت «حقائق» في هذا العدد أن تكشف ولأوّل مرّة عن بعض الأسرار والألغاز في مسيرة علي رمضان: مواقفه من الدين والسياسة وعلاقته بالفنون والرياضة وطموحاته في تولّي الأمانة العامة لاتحاد الشغل... ينحدر علي رمضان من جزيرة قرقنة حيث ولد في الخمسينات صلب عائلة شعبية تقيم لحد اليوم بقرية العبّاسية التي أنجبت الشهيد الوطني فرحات حشاد والزعيم العمّالي الحبيب عاشور... وقد انضمّ في مطلع السبعينات للاتحاد العام التونسي للشغل حيث تولّى أوّل مسؤولية نقابية بوكالة التنقيب عن المياه بجهة بن عروس التي ظلّ عضوا بنقابتها الأساسية ولم يغادرها إلاّ بعد إقصائه في مؤتمر الكرم الأوّل. تدرّج علي رمضان في المسؤولية النقابية إذ صار عضوا بالفرع الجامعي للفلاحة ليبرز سنة 1976 أيّام الأزمة التي عاشها عمّال ديوان الأراضي الدولية لمّا رفض الكاتب العام لجامعة الفلاحة وهو في نفس الوقت ر.م.ع شركة ستيل الدّفاع آنذاك عن مطالبهم، الأمر الذي عجّل بحل الجامعة وتكوين لجنة لعب فيها علي رمضان دور المنسّق، وليصبح سنة 1977 كاتبا عاما للجامعة المعنية وعضوا في لجنة النظام الوطنية المنبثقة عن المؤتمر الرابع عشر، ويباشر أوّل ملف فيها يتعلّق بإحالة السيد أحمد الكحلاوي عليها كلجنة ويقوم علي رمضان بحفظه... وقبل التوقّف عند أبرز المحطّات في مسيرة هذا الرجل النقابية خلال أزمتي 1978 و 1985 وما بين مؤتمري الكرم وجربة ولإنارة الرأي العام فقط، بيعدا عن الحسابات الانتخابية التي تظل من مشمولات القاعدة العمّالية، وضمن سلسلة من المقالات حول عدّة شخصيات نقابية يتّجه السؤال في مقال الحال عن بعض الخفايا المتعلّقة بالتوجّهات الفكرية للسيد علي رمضان ومواقفه السياسية... مؤتمر سوسة: هل كان علي رمضان يمثّل حقّا الحساسية الإسلامية؟... قبيل مؤتمر سوسة كان الصّراع يحوم حول صبغة الحل بين أنصار الأمين العام سابقا الدكتور الطيب البكوش الذي ينادي ببعث لجنة محايدة تتولّى الإشراف على المؤتمر المنتظر آنذاك كمخرج لأزمة التمثيل النقابي، وجماعة المرحوم «الشيخ» حسين بن قدور الذي يدعو لتشكيل لجنة وطنية تضم مختلف الأطراف النقابية على غرار ما حصل في مؤتمر فصة... بعد تشكيل اللّجنة الوطنية، وتولّي السيد الحبيب طليبة رئاستها وعلاوة على السيد خير الدين الصالحي الذي يحظى بتزكية السيد الهادي البكوش الويزر الأوّل آنذاك كان علي رمضان الأوفر حظوظا في التأهّل للأمانة العامة للاتحاد نظرا للدور الذي لعبه ضمن الهياكل الشرعية بعد أزمة سنة 1985... لم يكن له من منافس جدّي آنذاك غير السيد خير الدين بوصلاح الذي أبعده حسين بن قدور من السباق نحو الأمانة العامة منذ البداية لاعتبارات لا مجال لذكرها في موضوع الحال (فاز خير الدين بوصلاح بالأغلبية الساحقة من الأصوات في مؤتمر سوسة...). كانت الخارطة النقابية متداخلة والحسابات الانتخابية غير واضحة سيما أنّ مرشّح بن قدور الرجل القوي في مؤتمر سوسة لم تكن حظوظه عند بداية الحلّ مطمئنة بسبب طعن بعض النقابيين في شرعيته... ومن موقع المحاصر، والخاضع للضغط من كل حدب وصوب، والواقع بين سندان بعض أجنحة السلطة ومطرقة لوبي الشيخ بن قدور «كان علي رمضان يقاوم في هدوئه المعتاد باحثا عن حلفاء انتخابيين سلاحه في ذلك الشرعية النقابية من جهة، ومن جهة أخرى كان يخضع لتأثيرات بعض المقرّبين منه في ظل ملابسات خطيرة منها: أ كانت السلطة آنذاك قد مكّنت التيّار الإسلامي من التوقيع على الميثاق الوطني، وسلمت تأشيرة اعتراف بالاتحاد التونسي للطلبة، وسمحت للإسلاميين بإصدار جريدة «الفجر» وتنظيم الاجتماعات وإقامة التظاهرات ضمن ما يسمّى خطّة سحب البساط، وكان لعلي رمضان قنوات اتّصال مع بعض دعاة هذا التمشّي في السلطة عبر بعض أصدقائه... ب بعد خروجه من السجن ورفع الإقامة الجبرية عنه، ورغم تحفّظه بشأن أطروحات الإسلاميين وبرامجهم، فانّ الزعيم الحبيب عاشور طوّر موقفه ذاتيا باتّجاه بعض هؤلاء كالإعجاب بصلابة بعضهم أيّام الأزمة النقابية وشجّع على توظيفهم كأرقام في المعركة الانتخابية على أسس «نقابية» لا فكرية أو سياسية الأمر الذي سهّل أيضا التقارب معهم خصوصا أنّ بعض هؤلاء كانوا أيضا على صلة خفيّة بالشق المنافس... ج انّ الحسابات الانتخابية تقتضي حسب بعض المراقبين نوعا من البراغماتية سيما أنّ الأطراف اليسارية أعلنت مساندتها اللاّمشروطة للقائمة المنافسة التي يتزعّمها السيد إسماعيل السحباني بعد حملة إعلامية شرسة على علي رمضان «كمرشّح مسنود من التيّار الإسلامي». إزاء ذلك وفي ظل تلك الملابسات تزعّم علي رمضان قائمة تضم بعض النقابيين من ذوي الميولات القومية والحساسية الإسلامية وبعض العناصر اليسارية دون نسيان بعض أعضاء المكتب التنفيذي (علي رمضان وكمال سعد وعبد النور المداحي والحبيب بسباس وزهير العيدودي وعبد الجليل البدوي ومختار بلحاج خليفة (إسلامي) وخير الدين بوصلاح وعبد السلام جراد (في القائمتين)... ويذكر الجميع كيف عمد مرشّحان إسلاميان من باجة ومدنين إضافة اسميهما لهذه القائمة وترويجها سرّا الأمر الذي عارضه جل أفرادها.. لقد تمّ قبل مؤتمر سوسة تهويل الحضور الإسلامي في إطار خطّة انتخابية إعلامية وهو الأمر الذي أضرّ علي رمضان، وكاد يحوّله لأحد «أنصار الإسلام السياسي» والحال أنّه ضد الدولة الدينية ومن أنصار القيم الجمهورية فإلى أين اتّجه علي رمضان بعد تصفيته في مؤتمر الكرم الأوّل ومغادرته الساحة النقابية؟. بعد مؤتمر الكرم: علي رمضان من نقابي إسلامي إلى معارض سياسي؟ ظلّت «تيكة» مؤتمر سوسة تلاحقه باطلا حتّى مؤتمر الكرم الأوّل حيث توفّرت الفرصة للتخلّص منه شأنه شأن عبد النور المداحي وكمال سعد ومحمد الطاهر الشايب، إذ جاءت نتائج المؤتمر مخالفة تماما لحقيقة الصندوق وهو الأمر الذي أصبح لا يخفى على أحد ولا يمكن أن يتكرّر مرّة أخرى في تاريخ الاتحاد... إزاء ما حصل وبعد أشهر من مؤتمر الكرم، وفي مطلع سنة 1994 وعلاوة على التحاقه بمعهد الهندسة بمجاز الباب لمواصلة دراسته فقد انضمّ علي رمضان إلى مجموعة من السياسيين الذين تحمّلوا مسؤوليات نقابية والنقابيين المنفتحين على الفضاءات السياسية ليوسّس رفقتهم «التكتّل الديمقراطي من أجل العمل والحرّيات» الذي يتزعّمه الدكتور مصطفى بن جعفر... وقد يكون علي رمضان يروم من الالتحاق بالتكتّل الاحتماء بهذا الحزب السياسي لإحساسه بأنّ خطرا ما بات يتهدّده، وللتخلّص من تهمة الإسلام السياسي التي ألصقت به، وللتعبير أيضا عن احتجاجه إزاء السلطة التي لازمت الصّمت بخصوص ما حصل في مؤتمر منظمة وطنية في حجم الاتحاد العام التونسي للشغل... ولسائل أن يقول اليوم ما هي المسؤولية التي يتولاّها علي رمضان في حزب التكتّل وهل يحق له أن يجمع بين المسؤولية السياسية والمسؤولية النقابية؟ في كل مناسبة وبلا مناسبة أيضا يؤكّد علي رمضان أنّه نقابي مستقل ولا ينتمي لأي حزب سياسي في المعارضة أو غيرها، وهو كذلك منذ مؤتمر جربة سنة 2002، بل أنّ تواجده ضمن التكتّل كان عرضيا وأنّ علاقته ببعض رموزه شخصية وهو يتقاطع مع كل الأفكار الاجتماعية المتقدّمة والنيّرة في هذا الحزب وغيره...». ويصرّ علي رمضان على أنّ العاشوريين يؤمنون باستقلالية الاتحاد العام التونسي للشغل عن الأحزاب مذكّرا والمقارنة لا تجوز باستقالة الزعيم الحبيب عاشور من الديوان السياسي للحزب الدستوري... وهو يكرّر في كل مرّة «على أنّ من يناضل في النقابة بجدّ لا يجد الوقت للسياسة»... وبعيدا عن التحزّب فإنّ علي رمضان من مريدي الزعيم العربي الخالد جمال عبد الناصر لا السيد قطب أو حسن البنّا وهو من عشّاق الزعيم نيلسون مانديلا رمزه في الصمود والمقاومة ويكاد لا يعرف إلاّ القليل عن تشي غي فارا دون نسيان علاقته المتينة بالفلسطينيين وتحديدا الرئيس الشهيد ياسر عرفات... أمّا عن الحياة الجمعياتيه فقد اختار علي رمضان أن يكون مناضلا من مناضلي رابطة حقوق الإنسان التي يأمل أن تجد حلاّ وفاقيا للأزمة التي تردّت فيها بعيدا عن عقلية الإستثناء أو الإقصاء وباعتماد أسلوب الحوار بين مختلف الأطراف لا التقاضي... إذن أين يقف علي رمضان بعد الكشف عن بعض توجّهاته الفكرية وخياراته السياسية؟ يعتقد علي رمضان أنّه يقف في صف اليسار النقابي لإيمانه الراسخ بأنّ العمل النقابي لا يمكن إلاّ أن يكون يساريا في مضمونه الاجتماعي لا العقائدي والياته الميدانيّة... علي رمضان كبير المفاوضين أم أمين عام؟ لئن بدا علي رمضان في بداية مشواره النقابي خلال أزمتي 1978 و 1985 كقائد ميداني في الاضرابات الكبيرة التي شنّها قطاع الفلاحة وعلى سبيل الذكر لا الحصر إضرابي 1978 و 1984 فإنّ علي رمضان وعلى تشدّده برهن في مسيرته النقابية على مرونة كبيرة أثناء التفاوض مع بقيّة الأطراف الإجتماعية وعلى نجاعة أسلوبه حتّى أصبح يلقّب بكبير المفاوضين... في هذا الصدد برز علي رمضان كمفاوض سنة 1985 لمّا قرّر المجلس الوطني إضراب 7 ماي احتجاجا عن تنكّر الحكومة آنذاك لاتّفاق 30 أفريل رغم نواقصه، وقد تواجد فيما بعد ضمن اللجنة المركزية للتفاوض منذ سنة 1990 وهو يتولّى تأطير العملية التفاوضية مع الأعراف ووزارة الشؤون الاجتماعية رفقة السيدين محمد السحيمي وعبد النور المداحي، دون نسيان اللجنة العليا للتفاوض فيما يخصّ الوظيفة العمومية إلى جانب بعض أعضاء القيادة النقابية كالسادة الناجي مسعود والهادي الغضباني ومحمد السحيمي وغيرهم.. وهو يرافق جلّ الوفود التفاوضية ويحضر كلّ النزاعات بشأنها للمساعدة على حلّها.. ولئن كان علي كذلك فلماذا لا يطمح للأمانة العامّة لاتحاد الشغل؟ أيّام اللّجنةالوطنية التي يرأسها السيد الحبيب طليبة قامت شخصيّة سياسيّة معروفة بعرض الأمانة العامة على علي رمضان إلاّ أنّه رفض لاعتقاده أنّ هذه المسألة من مشمولات المؤتمرين فقط.. وعلي رمضان وخلافا لأوهام البعض لا يطمح قط لمثل هذه المسؤولية لأنّها تتطلّب مقوّمات قد لا يملكها وتستلزم بعض الصفات التي لا يقوى عليها. وبغضّ النظر عن هذه الجوانب وطموحاته وبعيدا عن الدين والسياسة والأمانة العامّة كيف يبدو علي رمضان؟ الرياضي والفنان: أمينة فاخت نقابية... وكريم النفطي فنّان لعلي رمضان ثلاثة أبناء: علياء وهي موظفة وتعدّ شهادة عليا في تقنيات الاتّصال، ومنتصر وهو حاصل على إجازة ومرسّم بالمرحلة الثالثة، ومهدي وهو طالب بشعبة العلوم. أمّا زوجته فهي موظفة بمنظمة التربية والأسرة. وعلاوة على شغفه بالمسرح الذي يتابعه عن كثب حيث لا يخفي إعجابه بالفاضل الجعايبي ومختلف أعماله فإنّه مغرم بالفنان فريد الأطرش والفنانة فيروز. ولئن كان أيضا من عشّاق الأغنية الملتزمة كالشيخ إمام ومرسيل خليفة فإنّ علي رمضان لا يخفي إعجابه المفرط بصوت أمينة فاخت التي يقول إنّها نقابية ومن أنصار الاتحاد. ويذكر البعض أنّ علي رمضان كان على متن طائرة في طريق العودة من المشرق إلى تونس وكانت تجلس بالقرب منه الفنّانة الاستعراضية هيفاء وهبي حيث لم يتعرّف عليها بل أنّه احتار للعدد الكبير من المصوّرين والصحفيين الذين حضروا لاستقبالها. أمّا في الميدان الرياضي فإنّ علي رمضان شأنه شأن السادة عبد السلام جراد ومحمد الطرابلسي والناجي مسعود مغرم بالنادي الرياضي الصفاقسي وتحديدا حمادي العربي من القدامى وكريم النفطي من اللاعبين الحاليين ولعلّها نقطة اللّقاء الوحيدة التي تجمعهم خارج الفضاء النقابي. ذلك هو علي رمضان الآخر الذي يبقى رغم قلّة معرفته بتشي غي فارا وعدم تعرّفه على هيفاء وهبي رقما صعبا في الاتحاد العام التونسي للشغل.