حُلمنا أكبر من نملة تُغري سوسنة بأن تحمل حبّات لقاحها إلى عشيقها بسيقانها البضّة. حُلمنا أشهى من قُبلة شاذة تبصقها الشمس على خدود عشاقها. ياسادتي الفقهاء.. ياسادتي السفهاء.. ياسادتي البصّاصين والرجعيين... حُلمنا من ورقة التوت، أو أكبر من شهادة تقدير تُمنح للعصافير عند إتقان الطيران أو اصطياد دودة الأرض. .. كلب الحراسة فقط نُجازيه بعظم عند اتقانه الدور.. انتباه غريزيّ. {لسنا «بافلوف» ولسنا تلك الكلاب}. مع ذلك نُتقن إخضاع صهوة اللغة لئلا تكون انتباها غريزيا في الكل... عفوا في المعاني. على غفلة من رحم أمهاتنا وُلدنا، وفُطمنا علي معجم فقهيّ أو معجم قروسطيّ أو معجم النهد الشرقيّ.. وغالبا ما نُفطم عليها معا. فُطمنا على القتل، وقتلانا ليس شيئا آخر غير أجسادنا أو ربّما أصابعنا، نوهمها بالإنارة فتحترق قبل وصول الليل إلى حافة العمر. من يُنير ظلمتنا؟ وما حاجتنا إلى الإضاءة؟ والشمس توزّع شبقها على العابرين، إلى مدن الملح؟ هل تريدونني أن أجيب؟ إجابة على عهدنا بالإجابات الكلسيّة والقصائد الكلسيّة وكتب النقد الأكاديميّة المسطّحة، يتكرّش بها أصحابها في الندوات والملتقيات.. تراهم يقرؤون سورة الناس وأعوذ بربّ الخارجين عن صفّنا.. يقرؤونها على قبور الأموات والشهداء: {صبرك يا متنبي.. عفوك يا سياب... غفرانك يا شابي... و... قصيدتاه}. تُكرّرون عرض الدرس الأكاديميّ على صفحات الجرائد البلهاء والورقات الثقاسياسيّة، لنُصاب بغثيان أدرانكم... يا اااه «ما أوسخنا.. ما أوسخنا» وُنكابر. تدّعون جهلا أنكم تزرعون سنابل المدّ الحضاريّ من فوق المنصات والمنابر، ونحن نكرّر ما تلغّ به ألسنتكم من غثيان وقيح وعدميّة مقيتة. وهكذا يا سادتي تتْبعنا العصا والأدعية من المهد إلى القصيدة: عصا الرحم.. عصا القبيلة.. عصا آبائنا الأوّلين والمُحدثين.. عصا إشارات المرور.. عصا الفقهاء والسّفهاء والبصّاصين.. عصا رجال الأمن.. تتْبعنا العصا، فنفرّ من ظلالنا إلى ظلالنا لتحْتضننا دروسكم وعصيّ الأمر والنهي. نحلم.. نحلم... وتشاركنا كل الكائنات حلمنا.. تشاركنا الصراصير والنمل والمزاريب وشجر الخرنوب والقوارب. وحتى الغثيان والقيء والبذاءة أيضا. كلّهم يتشبّثون بجلباب قصائدنا وأهداب حروفنا، ويقتفون خط الرمل لدخول ممالكنا {وماهي بممالك} عفوا أكواخنا الحالمة، وأحلامنا البسيطة.
دعونا نعبر ولو تحت بصاقكم وشتائمكم وأعينكم المتربّصة تحت أثوابنا. دعونا نعبر للمجهول طائرين أو سابحين أو قافزين أو متزحلقين على ظهورنا كالخنافس.. ولس تُ خجولا، فقط أخجل منكم وأنتم تقبعون في الماء الآسن «كالجاموس الوطنيّ». نعدكم أن نترك لكم شهائد الشكر والتقدير والامتنان والفخر والشهائد الجامعيّة المضمّخة بالضحك على ذقوننا. سنقتل آباءنا كما قتل «نيتشه» ربّه ونشوّه كلّ المعلّقات واليافطات وصكوك العرفان... سنكْسر التماثيل المنتصبة بزهو في الساحات العامة، ونُشيّد عوضا عنها حرْفا أو جملة أو قصيدة أو حتى نقطة استفهام {.. ما أروع نقطة الاستفهام تنتصب في شارع رئيسيّ بالعاصمة}. أو ربّما نُشيّد «لاشيء» فحتى «اللاشيء» له معنى لو علم الغافلون. و»اللاشيء» هذا ليس «اللامعنى» وليس العدميّة... إنّه الفراغ الذي تعمّد الأوصياء أن ينْعتوه أو أن يُفرغوه أو يتجاهلوه كأن نتجاهل البياض في النصّ، أو الفراغ في المكان كفراغ منصب سياسيّ أو منصب فخريّ أو منصب ثقافيّ. إنّه «اللاشيء» المخيف. وأنتم فقط يا آباءنا الطيبين الي حدّ الخبث.. القانطين إلى حدّ الموت.. المجاملين إلى حدّ الانبطاح.. أنتم فقط تخشون «اللاشيء» هذا. تخشون الفراغ، كأنّه الغيلان الأمويّة. أمّا نحن.. وأمّا نحن.. فلاشيء يخيفنا غير النص. الخوف من المبدأ ومن الإبداع ومن اللغة... لأنّنا نخشى أن لا نفيها حقها أو نُهمل عناصر الكون والطبيعة والحياة والحقيقة. مهلا، فنحن لا نخشى الموت ولا نخشى أن تسير مواكب دفننا بلا مُشيّعين.. تكفينا ظلالنا وحبيباتنا والأصدقاء الخلّص كما يقول صديقي «إيكاروس».