يمثل قانون الشغل أحد المواد القانونية الأكثر إشكالا على الباحث حين يتناوله بالدراسة والتنقيب وذلك لأن قانون الشغل هو أحد الفروع القانونية الأكثر التصاقا بالواقع والتحاما بالتحولات السياسية والاقتصادية والاجتماعية. لكن الأمر لا يمكن أن يكون بهذا العسر، إذا كان الدارس لقانون الشغل حقوقيا و مواكبا للتحولات من الداخل بل وفاعلا فيها. هكذا بدا لي كتاب «مدخل إلى قانون الشغل التونسي» لمحمد الهادي بن عبد الله حين تصفحته. مؤلْف الكتاب حقوقي التكوين فهو الحاصل على الأستاذية في القانون الخاص من كلية الحقوق بتونس سنة1975 ، حاصل أيضا على شهادة الكفاءة لمهنة المحاماة . كما تحمل محمد الهادي بن عبد الله مسؤوليات مختفلة في وزارة الشؤون الاجتماعية وهو أحد أعضاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي وعضو مؤسس لجمعية القانون الاجتماعي. له عدة إصدارات في المجال القانوني أهمها «الخدمات الاجتماعية للمؤسسة» 1993، «التشريع التونسي للشغل»1994 ،»القانون الاجتماعي: المبادئ العامة» 2002، «نزاعات قانون الشغل والضمان الاجتماعي» 2003. وقد صدر الكتاب الجديد لمحمد الهادي بن عبد الله الموسوم ب»مدخل إلى قانون الشغل التونسي» في طبعة أنيقة عن مطبعة المركز الوطني البيداغوجي. قدم الكتاب الوزير السابق محمد الناصر الذي عرض مزايا هذه الدراسة القانونية حيث تعد «تحليلا عميقا ومحينا لقانون الشغل التونسي». احتوى الكتاب ثلاثمائة وتسعة وتسعون صفحة موزعة إلى مقدمة عامة عرّف فيها صاحب الكتاب قانون الشغل كالآتي : «قانون الشغل هو قانون متميز: إنه يعنى بالفئة الناشطة وينظّم العلاقات بين الشغالين والمشغلين، إنه إذا مجموعة النصوص التي، على اختلاف مصادرها، تمكن من تحديد حقوق وواجبات العمال والأعراف.». في المقدمة أيضا تطرق الباحث إلى خصائص قانون الشغل وإلى تحولاته الدائمة والمحايثة للتغيرات المجتمعية ، كما عدد بدقة مصادره المتنوعة والمختلفة بحيث كانت المقدمة دليلا قانونيا لكل باحث حول القوانين والمواثيق وغيرها من المصادر التي تزوّد قانون الشغل بمواده. احتوت هذه الدراسة على ثلاثة محاور قدم فيها محمد الهادي بن عبد الله العلاقات الفردية للشغل شارحا طبيعة عقد الشغل ومميزاته مقارنا بين عقد الشغل في تونس ونظيره في فرنسا ومدعما البحث بقرارات فقه القضاء، مراوحا في ذلك بين النص والتطبيق. في المحور الثاني تناول صاحب الكتاب العلاقات الجماعية للشغل منطلقا من تاريخية المفاوضات الاجتماعية التي دخلت المنظومة القانونية التونسية بأمر 4 أوت 1936 المفاوضات الاجتماعية مثلما شرح محمد الهادي بن عبد الله حيث أنها تختلف عن العقود وذلك لأنها تتدخل لتنظيم العلاقات الشغلية في قطاع ما. في العنوان الرابع من هذا المحور تطرق صاحب الكتاب من زاوية قانونية إلى آفة الشغل أي الطرد الجماعي. أما في المحور الثالث والأخير من كتاب مدخل إلى قانون الشغل التونسي فقد تعرض الكاتب إلى مراقبة تطبيق قانون الشغل والعقوبات، و في هذا المحور يعرض محمد الهادي بن عبد الله كافة الهياكل المسؤولة عن تطبيق قانون الشغل شارحا بأكثر تفصيل الخاصية الزجرية لهذا القانون معرجا على الحدود والثغرات. ويُعتبرُ هذا المحور دليلا تثقيفيا حول سبل جعل قانون الشغل واقعا ملموسا آمرا ونافذا وهي السمة الأساسية لكل مادة قانونية ، لذلك فإن الكتاب لا يمثل مرجعا للباحثين فحسب وإنما دليلا تفصيليا يشرح قانون الشغل لكل الشغالين والمشغلين. عنوان الكتاب مخاتل للغاية ف»مدخل إلى قانون الشغل التونسي» لا يمت إلى المداخل بشيء غير الاسم ذلك أنه يمثل دراسة مستفيضة ومعمقة لم تلتزم بحدود القانون وصرامته بل أضاءته بمفاتيح أخرى لعلّ أبرزها علم الاقتصاد وعلم الاجتماع خاصة وأنه مدعم بإحصائيات وأرقام وملاحق. في كتاب مدخل إلى قانون الشغل التونسي استطاع محمدالهادي بن عبد الله «بأسلوب بسيط ودقيق ... أن يهبنا لا فقط دراسة دقيقة ومعمقة لمجموعة النصوص القانونية المنظمة لقانون الشغل التونسي في القطاعين العام والخاص، وإنما أيضا مدّنا صاحب الكتاب بالمصادر والمراجع الهامة بالإضافة إلى قرارات فقه القضاء والقانون المقارن حتى يخول لنا موقعة القانون التونسي بالنسبة لتشريعات دول أخرى». ولئن اعرض ضمن هذه المساحة لمثل هذا الكتاب القيّم بشكل مجمل ومختصر فإن هذا المنجز القانوني الجديد له ما يكفي من متن دقيق ومنهج بسيط ما به يمكن ان يعتلي رفوف مكتبات المحامين والقضاة والمهتمين بالشأن القانون عموما.