أعترف شخصيا أنني لا أعرف السبب الحقيقي الذي يقف وراء فتح باب الحوار مع الشباب. فلا أحد قاله لي ولا صادفته في مقال أو تحليل أو افتتاحية أو خطاب. وإذا كان صحيحا ما نبّهني إليه أحد الزملاء هنا من أنّ أحداث سليمان هي الدافع الرئيسي لهذا الحوار، فإنني بدوري أنّبه إلى أنّ الجميع «يتحاورون» خارج النص، بما أنّ مئات الشباب او آلافا «تحاوروا» عشية السبت الماضي بمناسبة مباراة كرة اليد بين النادي الافريقي والنجم الساحلي بالغناء تارة عن «جند أسامة بن لادن» وطورا بتمجيد «جيش الطالبان». الغريب في الأمر ان مسؤولي الفريقين، ومن بينهم من هو موظف سام في الدولة شجعوا ذلك الحوار، على الأقل، من خلال عدم نهي منظوريهم عن التراشق بتلك الفضائل (!). خطر حقيقي كنت قبل يومين رفقة مسؤولة نقابية دولية من أصل أمريكي في فسحة سياحية في مدينة سيدي بوسعيد. فما إن وصلتها ورأت جدرانها مطلية بالابيض وأبوابها بالازرق حتى انفجرت ضاحكة، مستغربة، متعجبة، سائلة، متسائلة. لما استفسرتها عن السبب، قالت ان ابنها خاطبها صباح وصولها الى تونس ليعلمها بفشله في الامتحان وعجزه عن ايجاد المبررات الكافية والمقنعة للاجابة عن سؤال الاستاذ. أمّا السؤال فكان: بماذا تفسّر أنّ عددا كبيرا من الناس يطلون أبواب منازلهم باللون الازرق. احتار الولد في السؤال وعجز عن ايجاد المبررات الكافية... فخاطب أمّه من هناك طالبا منها بعض المبررات إن كان لها منها، حتّى يقدّمها في اليوم الموالي الى استاذه علّه يسعفه بعدد. قالت: قلت له لا أتصوّر انّ هناك أعدادا كبيرة من الناس يفعلون ما تقول، وحتى ان وجدوا، فإنّني لا أجد للامر مبرّرا مقنعا. لذلك، لما وطأت قدماها مدينة سيدي بوسعيد لأوّل مرّة ورأت كل الابواب والشبابيك مطلية باللون الازرق، لم تتمالك عن الضحك والاستغراب والتعجب والسؤال والتساؤل ثم انتهت إلى استنتاج مفاده أنّ واضع السؤال ربّما جاء قبلها الى هنا ورأى ما رأى ولم يظفر بجواب فطرحه على شبّان صغار لعلهم «يستنطبون» له الجواب الذي يبحث عنه. طبعا التفتت إليّ وإلى صديقي المنجي تسألنا نفس السؤال فغرقنا في أجوبة فضفاضة تأكّد لنا أنّها لم تقنع السيدة. فهل تعرف أنت سبب طلاء جميع أبواب مدينة سيدي بوسعيد باللون الازرق؟ غيب الموت هذا الاسبوع، صديقنا الأسعد العلاقي وهو رجل من قطاع الاعلام والاتصال، تعرّفت إليه في لندن بمناسبة رحلة دراسية شاركت فيها مع عدد من الاعلاميين التونسيين، حيث وقع تكليفه بمهمّة ليست من اختصاصه. تألّم الرّجل شديد الألم لأنّه وجد نفسه في ورطة. وقد حرصت بشهادة الزملاء على تفهّم موقفه كامل التفهم فخرج من الورطة كاسبا نجاحه في المهمّة من جهة وربط صداقات جديدة من جهة أخرى. بعيدا عن كلّ هذا، وجدت في الأسعد العلاقي، ولدا كبيرا، يحبّ الحياة، يحبّ العمل، يحبّ عائلته، رجلا رقيقا، صاحب ذائقة فنية عالية، على خلق كبير وشهامة أوفر. آلمني أنّه فارق دون أن ألتقيه منذ مدّة. رحمه اللّه رحمة واسعة ورزق زوجته وبقية العائلة جميل الصبر والسلوان.