لا أظن ان هناك من بين النقابيين او من رجال التعليم من لا يعرف الشيخ الحسين قدور. ذلك انه على امتداد مسيرته الحيوية والنضالية كان كشعاع الشمس يضيء على الجميع. الى ان كون رصيدا مهما من المعارف والاصدقاء والزملاء والنقابيين حتى الذين كان يختلف معهم في الرأي والنظرة الى المستقبل كانوا يجلونه ويقدرونه. أصله قفصي ولذلك كان أحلى أوقات فراغه يقضيها بين كرومها ونحيلها. وبما انه تونسي كان يحس بمآسي مواطنيها وحيرة أهلها فتطوع للنضال من اجل استقلالها. كان عروبيا... ومن أجل ذلك خدم القومية العربية وشارك المشاركة الفعالة في الثورات التحررية في الجزائر وكان خير مدعم للثورة الفلسطينية وانتمى دون تردد للعطاء العروبي والقومي. ولد في قرية سيدي احمد زروق بمدينة قفصة هذه القرية التي عرف اهلها بالورع والتقى والذين كلهم يرجعون الى جذور الولي الصالح سيدي احمد زروق. بدأ فجر حياته في بيئة محيطها دين وتقوى. فتح حياته على طبيعة نقية جذورها متأصلة مدت انسانيته بالحيوية الدافقة وطبعه السوي بالايمان والوفاء والنبل والشجاعة والاعتزاز الموروث بالكرامة والشهامة، فكان صورة صادقة لبيئته وقد اتيح له من بعد ان يستجيب للحياة الجديدة في مرونة جادة وسعة أفق محتفظا بما رسب في طبعه من عوامل البيئة القروية الخالصة... والكرم... وسماحة النفس... والاعتزاز بالكرامة. في طفولته تمرن على الصعاب وتدرب على الاعتماد على النفس والعطاء غير المشروط والاستعداد للبذل خدمة المجموعة فكان يؤم مدرسته النائية وسط المدينة على القدمين وانتمى للحركة الكشفية ونهل عن طريقها معنى المواطنة والوطنية وتعرف على كيفية كسب خصال الرجولة والشجاعة والتضحية والاخلاص والصراحة وحماية الضعيف ومساعدة المحتاج إذ نشأ مميزا بين اترابه في الحي بالذكاء والاتزان ويبدي من الرأي ما يثير اعجاب رفاقه وزملائه وهم أكبر منه سنا وخبرة واقدم منه عهدا بملابسات الحياة. انهى تعلمه الابتدائي في المدرسة الابتدائية وفي جامع الزيتونة تحصل على شهادتي الاهلية والتحصيل ثم أنهى دراسته بدورة تكوينية بمدرسة ترشيح المعلمين بتونس وبعدها دخل معترك الحياة... وعالم التربية والتعليم والتسيير والمجتمع المدني والكفاح الوطني وبناء الدولة العصرية الى جانب المناضلين: احمد التليلي والسهيلي بلقاضي وحسن فتاح وحمادي نصرة والعربي ملايل وغيرهم. وبتأطير من احمد التليلي ساهم مساهمة فعالة في الثورة الجزائرية الى جانب اخوانه في مكتب جبهة التحرير الجزائريبقفصة بمقرها الذي وفره لهذا المناضل ابراهيم فتاح بقفصة الشيء الذي اكسبه خبرة اكثر وجعله يحظى بالتقدير والاحترام من لدن الجميع. وبحكم نشأته وتربيته ودراسته وتكوينه آمن بالفكر القومي وتأثر بروادها وخاصة جمال عبد الناصر. والذي حضر بمقر الاتحاد بشارع محمد علي بتونس يوم اقامة اربعينيته واستمع الى تدخلات الاتحاد العام التونسي للشغل والمنظمات الشغيلة بكل من الجزائر والمغرب وفلسطين يعرف دون شك قيمة المرحوم ودوره في الدفاع عن مصير العامل العربي والحريات والعروبة والقومية وحرية الانسان وكرامته. ومن اجل المحافظة على سلامة المنظمة الشغيلة في احلك الظروف التي مرت بها وايمانه بأهمية المسؤولية تحمل الصعاب والاتعاب ودخل صحبة رفاقه الى السجون وتعرض مثلهم الى الضرب والتعذيب والاهانة حتى خرج واهنا مصابا مريضا بمرض أودى به بعد صراع ومعاناة. وفي مجال التعليم كان حازما... جادا، ساهرا... وحارسا على ايجابية النتائج والنجاح والفوز... فكان في كل مدرسة ينتمي اليها بمناجم قفصة ولالة وبنقردان ومنزل بورقيبة ولافاييت بتونس وباب الجديد بتونس... تنتهي بنتائج مشرفة حتى ان الاهالي دون موجب قانوني كانوا يطلقون اسمه على المدرسة ويكفيه فخرا هنا انه كان اول مدير تونسي لمدرسة ابتدائية بجهة قفصة في بداية عهد الاستقلال. أهله تكوينه القاعدي ليستقطبه المرحوم احمد التليلي ويقربه منه ليصبح عضده في اول مكتب بلدي بقفصة زمن الاستقلال وكاتبا عاما لأعرق شعبة دستورية التي تكونت من عهد حزب الثعالبي نتيجة لصراحته وجديته وصدقه ضد كل زائغ ومغالط وأصولي وتأكد انتماؤه القومي ابعد من مسقط رأسه الى أقصى الجنوب التونسي ثم الى الشمال الشرقي فالعاصمة. وفي بداية السبعينيات دخل الشيخ الحسين عالم المسؤولية النقابية الوطنية بعد ان كان منخرطا ومحليا فقط... فكان الامين العام لنقابة التعليم الابتدائي وعضو المكتب التنفيذي وأمين مال الاتحاد العام فكان النقابي العامل الحازم الصامد الساعي دائما الى الاصلاح وزرع بذرة التآزر والتآخي، الجاد في ابراز حقوق المعلمين ونقاباتها حتى جاء الخلاف الكبير واحداث 26 جانفي 1978 ليزج به صحبة رفاقه في السجن ولا يخرح منه الا بعد سنوات معتلا... مريضا... مصابا ولكنه «شد الصحيح» وكافح من اجل سيادة المنظمة وتمتينها والعود بها الى سالف عصرها بعد المحاولة الفاشلة للقضاء عليها. هي خواطر أكتب فيها عن رجل عرفته منذ الصغر اي قرابة النصف قرن كإطار كشفي بقسم الجوالة صحبة القادة علي المدب احمد بالعجمي والنفطي بالساكر وصلاح الدين عبد الله وعضوية شعبة، اقدم شعبة دستورية بقفصة والتي كانت تأسست في عهد الحزب القديم (1926) ويشاركه في تسييرها المناضلون: احمد التليلي واحمد السنوسي والسهيلي بلقاضي وكيلاني مطوي وحمادي نصرة والعربي ملايل وابراهيم حفصية ومحمد جلول (شهر شكيوة) بالاضافة الى نشاطه الثقافي بجمعية شباب ابن منظور بقفصة التي اسسها سنة 1946 الاستاذ ابو القاسم كرو اطال الله في عمره وكان ذلك رفقة المرحومين الحسين بوزيان وعبد المجيد غلالة وعبد الرحمان كريد والنفطي بالساكر. وفي بداية النصف الثاني من التسعينيات وبعد معاناة مريرة وتعب مضن من جراء المرض العضال الذي بدأه وهو في غياهب السجن توفي المرحوم ودفن بمقبرة اجداده بمسقط رأسه... وكان يوما حاشدا بالمودعين، ساهمت فيه الطبيعة بغضبها ورياحها وزوابعها الرملية والعجاجية. بقي شيء ونحن هنا نتحدث عن شيخ معطاء ومناضل وحازم كان قد اعطى كل وقته وفراغه وصحته الى الاتحاد... والى خدمة البلاد والعباد... والسعي الى زرع بذرة الخير والود والمحبة لابد ان نشير الى ان جزاء الخالق سبحانه وتعالى له في الحياة قد هداه لمصاهرة بيت نضال عميدها «سيدي مهري» مبارك أحد رفاق الشهيد حشاد خلال الاربعينيات والخمسينيات فكانت الزوجة الوفية الصالحة والساهرة على تربية اطفالها متحملة كل الاتعاب والحرمان والفجائع.. حتى شبوا وتعلموا ونجحوا وتميزوا... وهم الآن في الساحة الوطنية كل منهم يواصل مسيرة الوالد بنجاح... وصدق متعها الله بالصحة ورحم الله الشيخ الحسين المعلم... والمربي... والنقابي... والتونسي... والعربي واسكنه فراديس جنانه. المنصف الشريف