أحيا مناضلو قفصة (نقابة وحزبا) الذكرى السابعة لوفاة المناضل «حسن فتاح» ويعتبر الفقيد الذي غيبه الموت عنّا في سن تناهز الثمانين من عمره... قضى اكثر من ثلثيها في الجهاد الوطني والكفاح النقابي. من خيرة الشبان المتحمسين لقضية بلاده وخاصة بعد اندماجه في بداية الاربعينات في صفوف العملة الكادحين بمنجم المظيلة وعيشه المباشر مع ابناء اهله في مواجهتهم للحرمان والمحسوبية. وقد أهله ذلك للتمتع باحترام الجميع وتقديرهم والبروز والريادة وحسن المعاملة حتى استقطبه المرحوم «احمد التليلي» ليكون ضمن المجموعة الاولى (الموسعة) لتأسيس الاتحاد الجهوي للشغل بقفصة صحبة ثلة من الشباب المتحمس والواعي ثم وفي سنة 1948 انتخب كاتبا عاما لنقابة عمال منجم المظيلة وهنا ارتوى من التكوين الوطني وتغذى بوازع الحق والصدق والجهاد فكان كالبلسم للجميع في شواغلهم الشخصية ومشاكلهم المهنية حتى حظي بثقة الجميع وتعلقهم به أخا ورائدا ومعينا. وفي عملية نقابية كبيرة وإثر اضراب عمال المناجم الاربعة سنة 1949 كان الفقيد صحبة رفاقه العمود الأساسي لإنجاح الاضراب العمالي بمنطقة عمله بالمظيلة والذي دام اكثر من ثلاثة أشهر وبرزت فيه قيمة الفقيد وما يحظى به وسط مدينة قفصة من تقدير واحترام حيث اوجد فرصة جو من التآزر والتعاون والتضامن ماليا وماديا ومعنويا الوقوف الى جانب اخوتهم المضربين فكون من بين الأهالي مجموعات استقبلت عائلات المضربين الفاقدين لجراياتهم. وعندما ظهرت بوادر الحوار بين الاتحاد وسلطة المستعمر اختاره المرحوم «التليلي» ليكون ضمن الفريق المكلف بالتفاوض مع المقيم العام حول المسائل النقابية بشركة المناجم ونظرا لكثافة العمل النقابي الذي اصبح يمثل خطر الجو المهني والأمن العمالي وضع الفقيد تحت المراقبة الادارية ثلاثة اشهر كاملة ثم اطرد نهائيا من عمله ونفي بمنطقة سيدي بوزيد. ولصدقه وأمانته وجديته واخلاصه لله والوطن واصل احمد التليلي استقطابه ليدخل صفوف الحزب والغوص والمقاومة الوطنية ضد المستعمر فكان اول من ربط صلة التعارف والتعاون بين «التليلي والازهر الشرايطي» ثم اختص باعتبار ما يعرفه عن خبايا المناجم في جلب المواد الكيمياوية لصنع المفرقعات وتنفيذ كل العمليات السرية والحساسة وتنفيذ تعليمات قائد المجموعة «احمد التليلي» فكان خير أداة للايصال والاتصال... ثم اصبح عضوا في مجموعة «اليد السوداء» برئاسة المرحوم «السهيلي بالقاضي» وللأمانة فإن الفقيد كان مسكونا بالعملين النقابي والحزبي والغوص عن طريقهما في ملحمة الكفاح الوطني وكانت مشاركته مع الهيكلين المذكورين بريادة احمد التليلي ومشاركة أحمد السنوسي والعربي ملايل وكمال ملايل والدكتور حمادي نصرة والكيلاني المطوي وحسونة اسماعيل وعثمان منسية وعلى بن محرز ومحمد بن ناصر وزهير بوترعة وابراهيم عيدودي والسهيلي بلقاضي ومحمد بن عمارة الزعبوطي وعلي القطاري ومحمد الصالح بالربح ومبروك خلف الله ومحمد الطاهر السوفي والسهيلي سوسي وطيب سوسي ومحمد الصالح زريقة ومحمد الصالح بن طيب وقليعي الراشدي.. وأحمد حذيري وغيرهم وعندما تكونت شعبة قفصة بعد عودة المساجين السياسيين الى ربوعهم هو أحد أفرادها مع احمد السنوسي والعربي ملايل ومحمد نصرة والسهيلي بلقاضي وابراهيم حفصية وعلي محرز. وشخصيا اذكر ذات يوم من صائفة 1975 وكنا معا على مائدة الغداء في ضيافة المناضل المرحوم «عمر قريمان» صحبة المناضلين محرز اسماعيل (اطال الله عمره) والمناضل المرحوم حسين بن قدور عندما حدثنا هذا الاخير عن تحركاته صحبة الفقيد والمرحوم «ابراهيم فتاح» مع الثورة الجزائرية وجبهة التحرير الوطني الجزائري.. مستعرضا بعض المغامرات والصعوبات التي تعرضوا لها أثناء واجبهم وخاصة عند القيام بنقل الأسلحة والذخيرة تحت جناح الليل الى الحدود عبر المسالك الصعبة والشائكة والنائية واذكر ايضا وإثر وفاته حدثني عنه المرحوم محمد علي القصري، بأنه يعتبر من خيرة الرجال الذين عرفوا بالصدق والامانة والنزاهة وانه كان يلتقي مع احمد التليلي في العديد من الخصال ومن ذلك: الشجاعة والفداء والبذل والعطاء والأنفة ونظافة اليد وأن عمله في بداية عهد الاستقلال كحافظ أمن كان مشرفا جدا... وكان همه الوحيد هو توجيه المواطن ورعايته وحماية الانسان والمحافظة على الكيان الوطني وانه شخصيا (محمد علي القصري) رغم اقدميته في العمل وخبرته الواسعة قد استفاد كثيرا من رصانته وخبرته الواسعة وحسن طويته. ويؤكد سي محمد القصري على أن الفقيد بقي منذ طرده من العمل سنة 1952 عاطلا عن العمل حتى سنة 1956 وبالرغم من قلة ذات اليد وفقدانه لأي دخل مالي خاص فإنه لم تظهر عليه الحاجة ولم يشتك لأحد ولم يتفوّه قطّ بما هو عليه من الفاقة والحاجة بل كان منغمسا في العمل السياسي والنقابي الميداني ضمن الهياكل المكافحة ضد الاستعمار وأثناء بناء أسس الدولة العصرية حتى ظهر عليه ذات يوم الاعياء والتعب وأصيب فجأة بالإغماء وهو على الميدان بعد تظاهرة وطنية بمناسبة الذكرى الأولى للاستقلال.. ولما عرف الوالي عن طريق محدثنا بحاله تدخل فورا وانتدب في سلك الأمن الوطني. وأخيرا يعرف الجميع بجهة قفصة وحتى في الصفوف العليا بإدارته ان المرحوم كان خلال مدة عمله الجديد يناضل بكل حب من أجل إشاعة الحق وساهرا على مصالح الأمن حاميا الانسان والوطن. شخصيا اردت تدوين هذا للنشر لاطلاع الشباب على رموزهم ووفاء مني لروحه الزكية واعترافا مني ايضا بالجميل لكل المناضلين الصادقين الذين أمنوا وعملوا مع المبادئ السامية والنزعة الوطنية الصادقة. رحم الله حسن فتاح الرجل الطيب والمناضل الصادق والوطني الأصيل واسكنه الله فراديس جنانه.