لفتت انتباهي الكلمة التي كتبها الزميل محمد العروسي بن صالح في ركنه الأسبوعي «كنا للقمر جيران» بجريدة «الشعب» بتاريخ 12 أفريل 2008 وهي التالية: «منذ 70 عاما استشهد أكثر من 150 مواطنا تونسيا وجرح أكثر من 400 وسجن العشرات وشرّد المئات (من شعب يعد بالكاد مليوني نسمة) دفاعا عن الهوية التونسية والمطالبة بحكومة وطنية وبرلمان تونسي. بعد 70 عاما نحيي ذكرى هؤلاء الشهداء وغيرهم من شهداء الوطن، ونحن قاعدون مستريحون.. سامح الله من أنشأ هذه العادة التي تقضي باحياء الذكريات خلودا للراحة وتوقفا عن الانتاج..!! لفتت انتباهي هذه الأسطر ذات الكلمات القليلة والمعاني الكثيرة، ولطالما فكرت في الكتابة في هذا الموضوع.. موضوع العطل الكثيرة في بلادنا وهاهو الزميل محمد العروسي بن صالح يمنحني الفرصة. إنّ أول ما يقوم به التونسي في بداية كل سنة ادارية جديدة هو القاء نظرة على اليومية لتعداد العطل الرسمية، ويمنّي النفس أن يُصادف يوم العطلة نهاية الأسبوع لتصبح الراحة يومين أو ثلاثة، وكثيرا ما يسعفه الحظ في ذلك... قال لي صديقي المربّي ذات مرّة مازحا: «انّ العام الدراسي بمجرّد أن يبدأ ينتهي» قلت له: كيف ذلك؟ قال: عطلة الخريف وعطلة الشتاء وعطلة نصف السنة وعطلة الربيع والأسابيع المغلقة، وبضعة أيّام تغيب بمبرر ومن دونه أضف إلى ذلك عطلتين أو ثلاثا مرض وهو حق من حقوقي فهل على المريض حرج؟ وما أن يحلّ شهر ماي حتى تبدأ الامتحانات، أمّا شهر جوان مثلما تعلم فهو شهر النتائج.. أرأيت كيف أنّ العام الدراسي ينتهي بسرعة البرق؟! صديقي هذا يمزح ولكنّها الحقيقة ذلك أن تلامذتنا وطلبتنا يتمتعون بنصف سنة من العطل تقريبا اضافة الى العطل الرسمية الأخرى الوطنية منها والدينية. صحيح أنّ أعيادنا هي مناسبات عزيزة علينا لكن لماذا لا نستخلص منها العبرة دون الركون الى الراحة ونضاعف من الكد والجد والعمل ومزيد الانتاج؟ وصحيح أيضا أنّ لنا أعيادا مقدسة من الضروري الركون فيها للراحة حيث تجتمع العائلات كعيدي الفطر والاضحى، أمّا بقيّة الأعياد والمناسبات فلابد في رأيي من اعادة النظر فيها، اذ يكفي أن نعود للتاريخ لنستخلص العبرة ونحدث أبناءنا صحبة أفراد العائلة كافة عن معنى عيد الاستقلال ومغزاه والمولد النبوي الشريف، ورأس السنة الهجرية، وعيد الجمهورية فنزور مقابر الشهداء، ونطبخ «عصيدة الزوو» والملوخية، والقدّيد، ونتذكر الظروف التي استقلت فيها بلادنا، والتي أدّت بعد ذلك الى الغاء نظام الملكية.. كل ذلك ونحن نعمل، ويمكن لنا أيضا ان نستمتع بأكل الدجاج والمرطبات وتناول المشروبات بأنواعها ليلة رأس السنة دون الركون الى الراحة، ونشارك الآخرين الاحتفال بأعيادهم.. فهل يحتفل المسيحيون برأس السنة الهجرية؟ ان عطلنا كثيرة اضافة الى العمل بنصف الوقت في رمضان والصيف، وهاهم ينادون بالعمل به طيلة أيّام السنة، وعطل المرض وعطل الولادة Sauf complication.. فماذا تبقى من أيّام السنة للعمل؟.. هو عيد الشغل العالمي لكن كل عمّال وموظفي وأعوان المعمورة لا يشتغلون أليس ذلك غريبا؟ سامح الله من جعل من عيد الشغل هذا عيدا للراحة. أذكر أنّني طالعت مرّة أنّ العمّال في اليابان احتجوا على اضافة بضعة أيّام لعطلتهم السنوية القصيرة؟!!