وفتيان الحي العتيق هنا على خاصرة الدهشة قابعون يدخنون السجائر و يستلذون بقتل أحلامهم على ضفاف الصمت كأني بأحفادهم لا يعرفون الهوان أتهرب عن يدك عنقود السقوط؟ حين ارتوى الطقس بماء الانتباه و الفتاة التي خفية غازلتك تمتد جسرا لعبور الظلال و الفتى المسكون بالصحوة الهادئة يستضيء بشمع الكلام الأنيق يكتب شهادته الأخيرة و يحتسي قهوته على عشب المدى هل يمنحني ضلعه المستميت لأشهر صمتي في وجوه الذين لم يعلنوا عشقهم لصدى الأغنيات هل بإمكان الفتى أن يكحل عيون النساء؟ قبل الغروب ... حيث تلامس ضحكتي الهازئه ورق العنب و يجيء الولد مجهشا بالأرق فتيان الضواحي جاؤوا هذا الصباح ذاهلين لمرأى انكسار العواصم و الجسد المهشم في جهة ما.... يومئ الجنين القابع في خلاياي: صبايا الحي ارتحلن و لم تبق غير بيروت تمعن النظر في وجوه الآتين من هناك ... ليس الحرير على مقاس الجسد و لا أثر لأقدام الفاتحين على أرض «الخليل» و هذا الطريق الطويل يسلكه الأولاد مثلما سلكته الشاحنات دفاعا عن الموت المغاير وحده دائما يفاجئهم بالكبرياء و كان اندهاش الورد ممزقا بين الضلوع و خلف خيوط النهوض اعتلى الهمس زوايا الأمكنة أين أصدقاء الطفوله؟ ذهبوا إلى حانة بلا قوارير... هو ذا الولد الذي أدهشته الأغاني والثالث من يناير لم يختف حينما رأى عطش الأقاليم كم شردته الكلمات وأغمضت جفنيها على ركبتيه فتاة الضاحيه الصحف أعلنت عن موت العناقيد بالأمس قال لي: لن تعبث الأغصان بالغد الآتي الماء دليل الطيور والضوء نقيض المقصله هنا كانوا ... قاب ذراعين من الزهر والجثث العائده أين اختفى صوت «ناجي» وتلك الرسوم التي كانت تصيح غدا تأتي أم المعارك وجاءت سريعا كأننا لم نكن نودع قبل حين «حنظلة» إلى أين الرحيل؟ إلى حيفا، حيث تمددت على خصرها قبعات الجنود الآتين من خيام الظلال دمها مسكوب على صدرها وصمتها ذائع الصيت للنوارس دموعا مثل تيه المحارب والقبائل المقطوعة الحناجر لم تضيع أسراها ولا قتلاها، لنمدح الحبر والبحر والحرب القادمة نحتسي كؤوس الشاي قبل انهزام الروم وانسحاب الذكرى من الذاكرة لا أحد أوقف الطوفان سوى الولد الخارج من رحم الفجيعه أكانوا جيشا من ورق؟ أم ماذا...؟ أنهكتنا السهرات و أضرم الفتيان النار في الذكريات والحدائق الأزهار تفتحت على قبر الجندي الغريب والفصول شاهدة على تيه الصدى ها قد قطفوا أحلامه الأولى حينما أفصح عن مكر الخديعه الأمراء و الصعاليك العاشقين لا يرون على وجهك غير الحباء والحياد المستحيل ... صمتك الآن موزع على جميع المرافئ وحبرك يخط الرسائل لمن أفنوا عقودا في الترحال لم ينسوا الغضب القابع في خلاياك والسؤال الذي رددته الحناجر: من أين يجيء الحنين؟ من الجنوب المتاخم للضياع لست وحدك هذا الصباح وكل الرجال مضوا ولم يشربوا الخمر بعد الغداء وحيدا عبرت طرقات المدينه ولا أحد أرقته الحادثه من يذكر بدء النزيف والذئاب تقترب من جدران القرى ليت النساء النائمات يعرفن تاريخ ميلاد السؤال وأولى الزغردات التي أطلقتها إحدى الحفيدات صبيحة الثالث من يناير تلال من الضوء و الحبر المخادع هنا كنا، قبل سنين، نرى الورد أحمر من دم الأسئله نحلم بالروح منفتحة على جسد البياض وبمحض إرادتنا نترك أسرانا قرب الشقراوات الذاهبات إلى عتبات النور ها قد تناسى الملوك خرير الدماء على أخاديد التراب طوبى لهم بما فعلوا وطوبى لأحفادنا بما سوف يفعلون فجأة جاء خبر سريع: ... أخيرا مات الولد الهزيل! كيف إذن نغرق في مياه الحنين ونرحل جماعات أو فرادى جنوبا أو شمالا باتجاه الجفاف المبعثر ها قد جاء العسكري الوسيم عاريا إلا من الحبر و ومضة الروح وتختفي أجنحة الارتباك عند مدخل الصوت المباغت: من زرع البنفسج في التراب الذي كان مقبرة للغزاة القدامى؟ مدن الضباب ... ماذا تريد؟ حفنة من آبار الذهب الأسود ... مفعم بالتوتر يجيء الولد يقرأ ورقة بعثرتها الرياح