اختتمت دار الثقافة بدار شعبان الفهري فعاليات ملتقى الحرفيين المبدعين وذلك بالتزامن مع الاختتام الوطني لتظاهرات شهر التراث حيث كانت أنشطة هذا الملتقى تحت اشراف ولاية نابل ومندوبية الثقافة وبالتعاون مع المندوبية الجهوية للصناعات التقليدية والمركز القطاعي لفنون اللهب والمكتب الجهوي للتربية الفنية بنابل. وقد تعدّدت المعارض بهذه المناسبة حيث ازدانت القاعة الكبرى لدار الثقافة بلوحات فنية تبرز مختلف المشاهد اليومية وتفاصيل الحياة إلى جانب الابداعات والابتكارات والحرف التي كانت تميّز البلاد التونسية خلال القرن الماضي وخاصة في فتراته الأولى وقد عبّرت هذه الصّور الفوتغرافية عن حضور الحرف والفنون والابتكارات بتونس من سنة 1900 إلى سنة 1950 وهي صور من البطاقات البريدية في تلك الحقية وهي لفنان فوتغرافي ضمن موقع مختصّ عنوانه تونس ميشال La tunisie de michel وقد سبق أن أُنجز معرض سابق متعلّق بالطوابع البريدية وقد ساهم هذا المعرض ضمن الملتقى في التعريف بالخصائص الحرفية لعدد من المبدعين بتونس. المعرض الآخر اهتم بالمنمنمات التراثية من خلال عدد من اللوحات التشكيلية وذلك الى جانب معرض الحرفيين المبدعين وقد تناسقت هذه المعارض في ابراز الصورة الخصوصية لتونس في مجالات الحرف والفنون والابتكارات. ورشات هذا الملتقى اهتمّت بالرسم الزيتي من خلال محور التّراث، وقد كانت المسابقة الخاصة بالملتقى متصلة بفن الرسم على الحجارة وهي خاصة بعدد من الحرفيين والمبتكرين في مجال النّقش على الحجارة وهذا الأمر يهدف إلى التأكيد على الجانب الحرفي للمدينة التي عرفت بحجارتها المنقوشة والمصقولة. كما كان هذا الملتقى مناسبة لتكريم عدد من الحرفيين المبدعين وخاصة في فن صناعة الدلو هذا الفن الذي يخشى عليه أهالي المدينة من الانقراض فصناعة الدلو من المهن والحرف التقليدية التي عرفت بها دار شعبان. الندوة العلمية لهذا الملتقى ترأس جلستها الأستاذ كمال مشماش وقدّم خلالها الأستاذ محمد الحبيب الخضراوي مداخلة بعنوان الأشكال الابداعية في استثمار التراث كما قدّم الأستاذ المنجي المبروكي مداخلة ثانية بعنوان الشباب والتراث والقدرة على التواصل مع الآخر وقد تمّ اعتماد وحدة سمعية بصرية حديثة بالتوازي مع تقديم المداخلتين وذلك لإبراز جانب مهم من الأرقام والاحصائيات والبيانات المتعلقة بموضوعي المداخلتين. مداخلة الأستاذ محمد الحبيب الخضراوي كانت وفق محاور تتعلّق بتحديد المفاهيم المتصلة بالتراث والشباب والاتصال كما اهتمّت بالاتجاهات الكبرى في التعامل مع التراث والتي تتوزّع على مظاهر مختلفة منها الاغراق في التراث وتجاهله والجانب الوسطي بينهما ورأى الأستاذ المبروكي انّ الجانب الوسطي مهمّ في تعزيز العلاقة مع التراث خصوصا لدى الشباب وخلّص للقول ان تلك مسؤولية الاعلام والسّلطة وبالتالي لا يمكن عزل التراث عن بنية التفكير في المجتمع فالأكلة السريعة والتفكير السّريع والانتاج السّريع لا تمثّل جميعها نظاما ما باتفاق الجميع في العالم فهناك مؤسسات في كندا وغيرها تناهض فكرة الفاست فود. انّ موجة العولمة وقوّة هجمتها لا يعنيان أنها صحيحة... الأستاذ المنجي المبروكي اهتم في مداخلته بالعناصر المهمة التي يرتكز عليها التراث والممارسات المشتركة عند المجموعة البشرية المادية منها وغير المادية والثقافة الشعبية التي ترتكز عبر السلوكيات والتي ظلّ حضورها مؤثّرا في واقع الحراك الاجتماعي. وأشار الى علاقة التراث بالمخيال الجمعي والذاكرة ومختلف التعريفات للتراث ومنها تعريف منظمة اليونسكو وخلص للقول ان التراث ممارسة وتصوّر وأشكال تعبير وابتكارات وابداعات وهوشكل أساسي للتنوع الانساني والثقافي. كما بيّن المحاضر مجالات التراث مثل التقاليد والاشكال التي عبّرت عبر التاريخ أنها جديرة بالبقاء بشكل من الأشكال وظلّت حاجة الناس إليها أكيدة. وتحدّث المحاضر عن الخصائص العمرية للشباب ضمن مرحلة التحولات في البنى النفسية والشّخصية التي تبحث عن الاستقرار وبين عبر جدول بعض الابداعات لدى موهوبين عالميين في سن الشباب مثل باسكال الذي اخترع الآلة الحاسبة وعمره 15 سنة وأرسطو وموزارت وبيتهوفن ورأى المحاضر انّ مرحلة الشباب أساسية لاكتساب المقومات المشكّلة للشخصية. رئيس الجلسة الأستاذ كمال مشماس عقب مركّزا على الجانب الثقافي في علاقة الشباب بالتراث في سياق المجهود البشري مبرزا ما طرحه المثقفون والمفكّرون بخصوص عقدة الانبهار وحضورها لدى الشباب ومسألة القيم لفهم الآخر والتّراث وجدلية العلاقة بين الشخصية وتفاعلاتها الحضارية. مدير الدار السيد نبيل الزوالي أبرز أهمية هذه الندوة في الملتقى حيث يلتقي الجانب الفني الابداعي بالجانب العلمي وقد ثمّن أهمية طرح أسئلة وقضايا التراث والشباب في سياق ما تشهده تونس من تحولات ثقافية وحضارية. وقد كرّمت هذه الفعالية الثقافية عددا من الحرفيين والمبدعين في مجال النقش وهي مبادرة لدعم المبتكرين والمجدّدين في ميدان حرفي يتطلّب الاستمرارية والحفاظ عليه.