مع ساعات الصباح الباكر بدأت ساحة محمد علي تفتح ارجاءها لاحتضان بناتها وأبنائها عاملات التنظيف وعمال الحراسة اللذين توافدوا بشكل متواتر، بدأت الجموع تتكون وتظهر في شكل حلقات صامتة، كانت الوجوه هائمة حائرة والهمسات صامتة وخجولة يستند اصحابها الى رايات الاتحاد العام التونسي للشغل وكأنهم يستمدون منها قوة وثباتا، ومع تمام الساعة العاشرة صباحا وبإمتلاء الساحة بالعمال والعاملات بدأت الحناجر تتحرر من خجلها وبدأ الحاضرون يرون في بعضهم البعض قوة هادرة يمكن ان تتوحد صرخاتها للمطالبة بالحقوق المشروعة، تلك الحقوق التي يدوسها بعض اصحاب شركات المناولة وبعض سماسرة عصر العولمة المتاجرين بقوة عمل الضعفاء. وزعت صفارات على الحاضرين والحاضرات وسرعان ما سرى بينهم حماس عجيب تماهى مع صراخ الصافرات لتنطلق الشعارات هادرة. صامدين صامدين، على الاتحاد معمّلين عاش الاتحاد عاش الاتحاد خبز وماء ومقاول لا... يا مسؤول يا مسؤول اتفاقية مهما يكون بدأت الحناجر تهتف والأكف تصفق وتماوجت جموع العاملات والعمال ترفع لافتات تشير الى تردي أوضاعهن: لا للتستر على السمسرة من اجل 8 ساعات عمل لعمال الحراسة نعم لتشريعات تحمى عاملات التنظيف الانخراط في النقابة ضمان للمستقبل الى متى؟ عمل مرهق وأجور مدنية التضامن النقابي واجب وضرورة. كان اعضاء وعضوة جامعة المهن والخدمات مع العمال والعاملات وبينهم كنت تراهم يتحدثون مع هؤلاء ويجيبون أولئك... كنت تلحظهم في كل ركن يحيطون بالحاضرات والحاضرين ويستحثون هممهم للدفاع عن حقوقهم ويؤطرون تحركهم. ومع الانغام الهادئة لبعض الاغاني الملتزمة تولى الاخ المنجي عبد الرحيم كاتب عام جامعة المهن والخدمات القاء كلمة أطّر فيها هذا التحرك مشيرا انه يندرج في اطار احياء اليوم العالمي للتضامن مع أعوان الحراسة واعوان التنظيف، وهو يوم يتم احياؤه في بعض البلدان بحضور نقابيي ونقابيات المؤسسات المستفيدة من خدمات عمال وعاملات الحراسة والتنظيف للتأكيد على التضامن النقابي بين الجميع، وقد شكر الاخ عبد الرحيم بهذه المناسبة كل النقابيين والنقابيات الذين تضامنوا مع هذه الفئة من الشغالين الذين يعيشون واقعا مترديا تسلب خلاله حقوقهم، ثم أكد ان هذه الفئة من العمال مصصمة على وقف استغلالها من خلال خوضها لسلسلة من النضالات لن تتوقف الا بوقف الاستغلال ونيل حقوقها... فكل يوم هناك مظالم ترتكب وللأسف لم يكن موقف بعض الوزارات والمؤسسات منصفا للعمال. لذلك علينا كما أكد الاخ عبد الرحيم ان نشير بالاصبع الى هذه الؤسسات التي تشغل العمال وتضرب بحقوقهم عرض الحائط فهي لا تحترم حتى مناشير الوزارة الاولى، ثم ان هناك بعض الوزارات تصدر مناشير ولا تحرص على متابعة تطبيقها، وهناك وزارات اخرى تغلق حتى باب الحوار في هذا الامر اذ النضال من اجل الحقوق مازال مستمرا كرر الاخ منجي عبد الرحيم لانه من غير الوارد القبول مثلا بإمضاء العامل في بعض الشركات المناولة على وثيقة تشير الى انه قد استلم كل حقوقه وهو لم يباشر العمل بعد... ولأن فلسفة الاتحاد العام التونسي للشغل تقوم على التصدي لكل اشكال الحيف فإننا سنواصل النضال برغم شراسة قوى الردة والجذب الى الخلف... ونحن وجدنا الدعم والمساندة من النقابات الشقيقة والصديقة في اطار احياء ذكرى هذا اليوم العالمي للتضامن مع عمال الحراسة وعاملات التنظيف، ووجدنا الدعم من قيادة الاتحاد العام التونسي للشغل وحضور الاخ حسين العباسي مسؤول قسم التشريع فعاليات هذا التحرك الاجتماعي هو علامة دعم ومساندة كبيرين، ثم ختم الاخ عبد الرحيم تدخله بشكر كل المدافعين عن حقوقهم وكل الجهات التي سعت لتأطير هذا القطاع نقابيا، كما دعا كل الاتحادات والجهات التي لم تتأطر فيها هذه الفئة نقابيا بالمسارعة الى مباشرة هذا الامر بأسرع وقت لأن التنظم وتنسيق النضالات هو سبيلنا لنيل المكاسب. ثم بعد هذه الكلمة التأطيرية للاخ منجي عبد الرحيم التي قوطعت اكثر من مرة بالتصفيق والشعارات دعي الى المنصة الاخ حسين العباسي الامين العام المساعد مسؤول قسم التشريع الذي اكد بدوره انه لا سبيل للتهاون بحقوق هذه الفئة من العمال والعاملات التي تسهر على راحة وحراسة وتنظيف كل مؤسسات البلاد ثم تتقاضى اقل الاجور، اذ لا تبلغ اجور البعض منها حتى ثلثي الاجر الادنى مما يضمن لها أقدمية الضمان الاجتماعي، وكما ناضلنا في الاتحاد العام التونسي للشغل من اجل ايجاد اتفاقية لأعوان الحراسة سنناضل من اجل اتفاقية لأعوان التنظيف، وذلك برغم يقيننا ان هناك خروقات لبنود هذه الاتفاقية ولكننا سنواصل بذل كل الجهد لاننا في الاتحاد نحرص على اقامة علاقة شغل مباشرة بين العامل والمشغل خاصة في حالات الشغل القار. ثم بعد هذه التدخلات التأطيرية تواصل تجمع العاملات والعمال بعض الوقت قبل ان يتفرقوا بهدوء عائدين وعائدات الى اعمالهم المرهقة. وقد حاولنا بمساعدة من الاخت حياة الطرابلسي عضوة جامعة المهن والخدمات ان نلتقي خلال هذا التجمع ببعض العاملات اللواتي كان الحديث يسبقهن إليّ لأن كل واحدة منهن حكاية ذات فصول مغرقة في الدراما. شهادات فحبيبة عمار تعمل منذ سنوات طويلة في شركة مناولة عاملة تنظيف وتعمل كل الايام ما يقرب من خمس ساعات عمل تنقسم بين منتصف النهار عند راحة الموظفين ثم بعد مغادرتهم للعمل مما يضطرها لقضاء ساعات طويلة في برد الشتاء وحرّ الصيف متسكعة في حديقة عمومية مجاورة، ولا تتقاضى الا 100 د أجرا وهي لا تتمتع بالتغطية الاجتماعية ولا تتحصل حتى على شهادة في الاجر. سعيدة الوهايبي هي الاخر حكاية معاناة اذ تعمل في شركة مناولة للتنظيف وتشتغل في تنظيف احد الشركات البنكية ويجبرها صاحب العمل على الانتقال يوميا بين وكالتين للبنك واحدة بشارع مصر في لافيات والاخرى بمنطقة البلفدير للتنظيف وهي تعمل ست ساعات يوميا ولا تتحصل الا على أجر شهري لا يتجاوز 128 د. انهالت عليّ الحكايات من كل صوب فهذه لها أم مصابة بمرض عقلي وتحتاج لعلاج، وهذه اخرى أخرجت ابنتها من المستشفى رغم مرضها لأن تكاليف التداوي باهضة ولان المشغل يمنعها من التغيب لزيارتها في المستشفى فتضطر لجلبها معها لمكان عملها رغم مرضها الشديد. فضيلة، صلوحة، سعيدة... وغيرهن من النساء يشتغلن منذ ساعات الفجر الاولى لتأمين مناخ عمل ملائم لغيرهن ولكنهن لا تنلن من ثمار هذا العمل الا فتات لا تكفي لسد أبسط مقومات العيش الكريم.