عندما تسجل حرارة الصيف أعلى الدرجات، اي دافع يمكن ان يصرف جمهورا من الرجال والنساء من مختلف الاعمار عن التوجه الى البحر أو المكوث في البيت لاخذ نصيب من القيلولة ومتابعة فعاليات الالعاب الأولمبية مفضلين التوجه الى دار الاتحاد، هي رغبة لا تقاوم في حضور يوم تكريم شهداء فلسطين من شباب تونس الذي احيته النقابة العامة للتعليم الثانوي في الثاني عشر من الشهر الجاري واستقدمت فيه ممثلين من عائلات الشهداء؟ والاكيد أن الذين حضروا هذه التظاهرة التي بذلت فيها النقابة العامة جهدا كبيرا كانوا في غاية الرضى... كان جوا احتفاليا عزفت فيه فرق الموسيقى التي الفها المناضلون فأطربت وحضر الشعر فتفاعل معه الجمهور ولان تنظيم الاحتفال كان موفقا فقد كانت نجومه من عائلات الشهداء الذين شدوا كل الانظار... تكلم ممثلو عائلات الشهداء فأوجزوا وأفادوا، ثمنوا دور الاتحاد العام التونسي للشغل ونقابة التعليم الثانوي اثنوا على المقاومة اللبنانية وذكروا بوصية الشهداء من اجل مواصلة النضال حتى التحرير والاستقلال... لم يكن مهرجانا خطابيا ولكن الرسالة وصلت وبكل عفوية تحدث الضيوف في مسائل ومواضيع شتى، ذكروا الحضور بنضال الشعب التونسي في سبيل القضية الفلسطينية منذ 48، منهم من قال شعرا نظمه للمناسبة وهو الذي لم يقرض شعرا في حياته ومنهم من انضم الى احدى الفرق الموسيقية المشاركة في الاحتفال ليعزف ومنهم من لم يستطع ان يواصل الكلام لشدة التأثر ولكن الحضور استوعب ما أراد تبليغه... كانت كلمات عائلات الشهداء بليغة وعفوية وصادقة ولكن لم تكن أكثر تعبيرا من ملامح وجوههم التي تقرأ فيها علامات الرضى والسكينة والاطمئنان والاجلال... ولعل مرد هذه المشاعر التي ترجمتها وجوه الضيوف هو ارتياحهم لتحقيق اعتراف الناس بقيمة التضحية ونبل القضية التي استشهد في سبيلها الابطال.. وللاعتراف بالفضل للمناضلين فعل سحري خاصة في زمن طغى فيه الزعيق عن حلول النهايات (نهاية التاريخ، نهاية القوميات، نهاية الافكار الكبرى..) وقد يكون في تكريم الشهداء فعل الصدمة في واقعنا العربي خاصة ونحن نعيش ذكريات مرة وواقعا صعبا: ستون عاما مرت على النكبة احتلال أجزاء من الوطن العربي وغياب الارادة والاستراتيجيات للخروج من المأزق.. فهناك حقا حاجة إلى هذه الصدمات لانها تذكر بأن روح النضال والتضحية والفداء لم تخبو ويبقى على النخب ان تتعهدها وتوجهها من أجل إعادة الاعتبار لقيم عديدة اندثرت اوكادت... وقد يكون من المؤلم ان يحسب الكيان الصهيوني لروح المقاومة لدى الشباب العربي والمسلم الرافض لكل اشكال الاذلال والاهانة كل حساب وان يعلن جزء من قادته نذر الشؤم حول مستقبل كيانهم العنصري ولا ننزلها نحن المنزلة التي تستحق، المنزلة الرافعة لبناء اسباب القوة التي تقوي المناعة وتكسب العزة... سيعود اهالي الشهداء المكرمين من طرف النقابة العامة للتعليم الثانوي لمدنهم وقراهم منشرحين بعدان أزال عودة جثامين الشهداء عنهم الكابوس وسيبقى الحلم الذي راود الشهداء يدغدغهم حتى يروا على أرض الواقع بوادر تحققه... النظر في جوه اهالي الشهداء يدخل البهجة في النفوس ولكنه لا يعفي من النظر في المرآة.