اقترنت العودة المدرسية هذه السنة بأجواء رمضانية جمعت بين الفرحة بهذا الشهر الكريم وسهرات ثقافية اتخذت أشكالا مختلفة وأسماء متنوعة (مهرجان المدينة، ليالي رمضان، ليالي السمر) ويجمع هذه التظاهرات هدف واحد هو محاولة المراوحة بين الامتاع والمؤانسة والاقتراب من أحاسيس ووجدان الصائمين وأذواقهم قدر الامكان. دار الثقافة بطبربة تجاوزت هذه السنة طاحونة الشيء المعتاد فإلى جانب العروض السينمائية على مدى شهر الصيام حاولت ووفقت تماما في الخروج بالعروض الثقافية المختارة بدّقة إلى الأماكن العمومية والمؤسسات التربوية وفي هذا الاطار سجّل نجاح كبير من خلال عروض «الفداوي» الذي تجول بكل حرية وتلقائية بمقاهي طبربة التي كانت تعجّ بمئات الساهرين وقدم حكاياته المشوقة وأحاجيه الرائعة. لقد كان الفنان عماد الوسلاتي متمكّنا من نصّه التراثي ومحترفا في أداء دور «الفداوي» الشخصية التراثية. من ناحية أخرى وفي اطار برنامج ثري للشراكة بين معهد «حنبعل» الثانوي بطبربة ودار الثقافة بطبربة برمجت سهرة موسيقية تخلّلتها تدخلات رشيقة على غاية من الروعة للشاعر المنذر العيادي وقد أثث هذه السهرة الفنان نورالدين بن عائشة الذي قدّم وصلة أولى في مقام الراست ضمّت موشحات من التراث العربي ومواويل وأدوارا لمحمد عصمان ثم وصلة ثانية في مقام النهاود وأخرى ثالثة ضمّت طقاطيق وأغاني تونسية وعربية. كانت تدخلات الشاعر المنذر العيادي بين وصلة وأخرى على غاية من الاتقان وحسن الالقاء فنالت اعجاب الحاضرين من تلامذة وأسرة تربوية، تغنّى المنذر العيادي بأمّه «الشهباء» معدّدا مناقبها وأفضالها في قصيد جميل اختار له من العناوين «شهباتي الغالية» ثم ومن خلال قصيد «ومازال الحنين ينزف» تذكر الشاعر من خلالها الأقران والمدرسة والمؤدب وأحلام الطفولة العذبة، وفي الاطار نفسه تصفح من خلال قصيدة «شقاوة الصبيان» صفحات من عهد الطفولة، واثر ذلك شدّ المنذر العيادي الرحال إلى المدينة العربي ووقف على أطلال الذكريات من خلال «يادار جيت نزورك (باللهجة الدارجة). لقد كانت سهرة الفنان نورالدين بن عائشة والشاعر المنذر العيادي ناجحة بكل المقاييس، فقد تفاعل مع فقراتها المختاة بدقة التلامذة المقيمون بمعهد «حنبعل» الثانوي بطبربة الذين انسجموا مع الحفل الموجه إليهم دون غيرهم وهي بادرة أقدمت عليها دار الثقافة بطبربة والمندوبية الجهوية للثقافة والمحافظة على التراث بولاية منوبة هدفها اضفاء أجواء الترفيه والفرحة في قلوب تلامذة غادروا منذ أيّام قليلة أولياءهم وسهرات رمضان ببيوتهم. فقد أنسى هذا الحفل وحدتهم بالمبيت.