يحق لكل الناس وخاصّة المولعين بالرياضة التساؤل عن الدور الأساسي الذي تلعبه كرة القدم في حياة لاعبي هذه الرياضة والتي كانت في فترات متباعدة من الزمن منحصرة في فئة معيّنة من متساكني أحيائنا الشعبية سواء بالعاصمة أو داخل تراب الجمهورية. ولم يكن من السّهل إن لم أقل من المستحيل إقناع الوالدين بهذا التوجّه الذي يُعتبر فيه الكثير من المجازفة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار امكانية خطف هؤلاء الشبّان من دراستهم. هنا نسأل: ما ذنب هؤلاء الشبّان حتى يكون مصيرهم عدم النجاح في حياتهم المهنية والرياضية والدراسية؟ لكنّ لن أذيع سرّا اذا ما قلت بأنّ من بين هؤلاء المساكين إن صحّ التعبير يوجد لاعبين أحسن مستوى من بعض لاعبي الفرق الكبرى الاّ أنّ الخطر والقوانين التي كانت معمولا بها في الستينات والتي كانت تحرّم انتقال أي لاعب من فريق لآخر هي حكمت على هؤلاء «الضحايا» بمواصلة اللعب مع فرقهم «الفقيرة»؟! وقد شكّل انتقال كلّ من طارق ذياب من جمعية أريانة لفريق الترجي والهادي البياري من نفس الفريق الى النادي الافريقي ونجيب غميض ومحمد علي موسى ومحمد العياري الذين انتقلوا من شبيبة العمران نحو النادي الافريقي استثناء في ذلك العهد الذي تميّز بتخلّف مسؤولينا في جامعة الكرة عن ركب البلدان المتطورة كرويا طبعا. اليوم تغيّرت كل المعطيات وأصبحت لعبة كرة القدم قبلة كلّ التونسيين بمختلف الشرائح الإجتماعية خاصة تلك التي تعتبر من العائلات الميسورة وأصبحت لعبة كرة القدم الشغل الشاغل للأولياء قبل أبنائهم وانحصر الصراع بين الوالد والوالدة التي يظهر أنّها أخذت أسبقية هامة على زوجها الذي عادة ما يخيب في إقناع المدربين بخصال ابنه. ولكن رغم هذه النقلة النوعية والتغيير الجذري في طريقة اختيار براعمنا من قبل العاملين في نوادينا بما أنّها مطالبة بضمان مستقبل أبنائها الكروي تطل علينا من حين لآخر بعض الأخبار معلنة عن تنكر لاعبينا لفرقهم ولمسؤوليهم. هذه الكرة التي أبرزت عديد الوجوه والتي يطول مجال التوقف أمامهم. لذا لا تذهبوا بعيدا بأفكاركم للبحث عن أسباب نجاح لاعبي فريقنا الوطني لكرة اليد، وإخفاقات لاعبي فريقنا الوطني لكرة القدم المتكرّرة والمذلّة في نفس الوقت لأنّ المسألة مسألة عقلية أكثر منها تربصات وحوافز مادية خاصة مع مجموعة من العاطلين الذين ينشطون بفرق تعودت اللعب والتواجد في ذيل الترتيب ورغم تواضع مستويات الفرق التي ينتمي إليها بعض لاعبينا «المحترفين»، لم يتمكّن أي منهم الظفر بمركز أساسي بإستثناء جوهر المناري الذي له من المواصفات ما يخوّل له البروز بصفة خاصة، أمّا البقية فهي في إجازات طويلة المدى مع سابقية الإضمار والترصّد. فهل يحق لنا أن ننعت هؤلاء بذلك المثل التونسي الشهير الذي يؤكد على أنّ بعض الأعين «تعشق الدعماش»؟ خلاصة القول هو أنّ كل العائلات التونسية وغير التونسية والتي كانت في فترات سابقة «تُبخّر» برائحة أي رياضي وخاصة لاعبي كرة القدم، صارت اليوم تتزاحم على تزويج بناتها لهذه الفئة المعينة من اللاعبين حتى وإن كان معظمها يفتقر للحدّ الأدنى من المخزون العلمي والإجتماعي. المهم أن يكون المعني بالأمر لاعب كرة. اليوم يؤسفنا أن نرى نسبة هامة من لاعبينا القدامى والحاليين يتردّدون يوميا على قصر العدالة قصد إيجاد حلول مع زوجاتهم التي أدركت اليوم بأن تعلقهنّ بفارس أحلامهم في فترات سابقة طغى عليه الطمع والشهرة والسيارة الفاخرة والفيلا الفخمة، على حساب أشياء أخرى أهم بكثير من التي حلموا بها. الحقيقة أنّنا نحن من يقتل مواهبنا لأنّ الكرة أصبحت علما وثقافة لتكون الموهبة في آخر المطاف.