كان من المفترض أن يؤدي التعيين الوفاقي لميشال سليمان رئيسا للجمهورية اللبنانية إلى تحسين الوضع العام في لبنان. لكن ما يجري على الأرض يؤكد عكس ذلك ويثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنّ المؤامرة ستظل ترفرف على أرض الأرز منعا لأي استقرار يمكن أن تشهده هذه الأرض التي تلطخت بما يكفي من الدماء التي تقف وراءها أياد صديقة أكثر منها عدوة!! ومعنى هذا ان الأحزاب السياسية في لبنان تحولت إلى كيانات مستقلة، لكل كيان شبر من الأرض يبني عليه دولته. فأضحت الحكومة حكومات، والدولة دويلات، وأطيح بالوفاق الذي تحوّل تبعا لذلك عند كل اللبنانيين إلى مجرد وهم وسراب! لذلك أضحى الخوف اليوم كل الخوف ان تجد اسرائيل في هذا التشرذم السياسي اللبناني وانقسامه الطائفي المتفجر هذه الأيام بؤرة تغري بتحريك الفتنة اللبنانية النائمة الى حين والتي لا تنتظر سوى عود كبريت حتى يغرق لبنان من جديد في الاقتتال الداخلي وينسف ملف المصالحة بين الرموز اللبنانية. هذا الملف الذي يراهن عليه الرئيس سليمان خصوصا بين تيار المستقبل وحزب اللّه أو بين الأكثرية الوهمية والأكثرية الشرعية!! يعتبر وفق التصور الاسرائيلي محرما يهوديا في المطلق لذلك لا تريد له اسرائيل أن يحدث خوفا من أن يؤدي ذلك الى تحصين الموقف السياسي اللبناني وتوحيده في وقت يراهن فيه الصهاينة دوما على «فتح اللعب» من قبل تيار 14 مارس بما يساعد من جهة على تمرير المشروع الاسرائيلي الأهم على أرض لبنان وهو التوطين واستغلال ذلك من جهة ثانية لمزيد تضييق الخناق على حزب اللّه بأجندة سياسية اسرائيلية التصور ولبنانية التطبيق!! وكلّ هذا من أجل غاية واحدة وهي صرف اللبنانيين عن بناء دولتهم التوافقية وحكومتهم الوفاقية وإبقاء الوضع على ماهو عليه بما يساعد العدو الاسرائيلي على اختراق الصف اللبناني في حال اندلعت حرب جديدة على شاكلة حرب تموز التي تكبد فيها هذا العدو هزيمة مدوية على يد المقاومة الباسلة لحزب اللّه كانت سببا مباشرا في أفول نجم أولمارت عسكريا وسياسيا واستعداده لترك الحلبة غير مأسوف عليه!! وفي هذا الاطار تتنزّل خطّة اسرائيل المستهدفة للجنوب اللبناني ومحاولة جر لبنان من خلاله الى حرب خاطفة قبل موعد الانتخابات النيابية المرتقبة وذلك خوفا من نتائجها التي من المنتظر أن تعيد تأسيس المشهد السياسي على قواعد جديدة حيث من المنتظر أن تميل الكفة في هذه الانتخابات الى الأقلية المعارضة وهو ما يعني ضمنيا تغييرا في الخارطة السياسية وفي موازين القوى التي ستدفع بحزب اللّه وحلفائه إلى موقع القرار الأمر الذي تعتبره اسرائيل كارثة بالنسبة لها وأعلنت مسبقا عدم استعدادها في المطلق للتعاطي معه. وسبب ذلك أنّها تدرك جيدا أن حزب اللّه اللبناني الذي مرغ أنفها في التراب ولم تقدر عليه وهو خارج السلطة لا يمكن أن تجاري مخططاته وتتصدّى لهوهو على رأسها وبيده مفاتيح اتخاذ القرار!! والمؤسف في هذا الاطار ان اسرائيل وجدت في بعض البيادق من الساسة اللبنانيين خير نصير لمخططاتها القائمة على التخلص من حزب اللّه واضعاف كل لبنان لإجباره على قبول مشروع التوطين الذي سبق أن بشّر به الشهيد رفيق الحريري ويواصل الآن نجله الشيخ سعد التفاوض سرّا من أجل تكريسه وتحويله الى حقيقة واقعة وليس مجرد اقتراح يرفضه الشقان اللبناني والفلسطيني على حد السواء انطلاقا من موقعه كزعيم وقتي لتيار الأكثرية. نعم لا يمكن للتاريخ ان يلغي في باب التواطؤ الداخلي الذي استهدف لبنان سابقا ويستهدفها هذه الأيام تصريح رئيس القوات سمير جعجع الذي برر مسبقا أي عدوان اسرائيلي قد يتعرّض له لبنان مادامت الدولة على حد قوله عاجزة عن وضع يدها على سلاح حزب الله أو تلميحه بعودةالمخابرات السورية لسابق عهدها في لبنان، وغيرها من التصريحات التي أراد من خلالها جعجع خدمة للأجندة الاسرائيلية تشويش الوضع السياسي في لبنان وضرب استقراره الذي بدأ يلوح في الأفق منعا لأي خطوة اصلاحية وتصالحية بين التيارات السياسية اللبنانية المتنازعة ايديولوجيا ومذهبيا وهو الهدف الأسمى والأعلى الذي يراهن عليه الرئيس ميشال سليمان. انّ محاولات قوى الأكثرية الحالية إيهام الرأي العام اللبناني برغبتها الحقيقية في المصالحة ومد يدها لكل الفرقاء تفندها وقائع الاغتيالات والمؤامرات التي استهدفت تيار 8 مارس من خلال اغتيال الشيخ صالح العريضي الشهيد الدرزي البطل الذي كان همزة الوصل بين حزب اللّه والزعيم الدرزي وليد جنبلاط كما كان يعتبر اليد اليمنى لزعيم الحزب الديمقراطي اللبناني طلال أرسلان. والمفارقة في هذا الاغتيال البشع أن الشهيد الشيخ صالح العريضي يعتبر أول شهيد يسقط منذ توقيع اتفاق الدوحة الذي نصّ صراحة على ضبط النفس وفتح أبواب الحوار وايقاف جريمة الاغتيالات ولكن جعجع وعصابته كان لهم رأي آخر وأصروا على تمرير رسالة سياسية بالغة الخطورة في هذه المرحلة الحساسة شعارها اشعال نار الفتيل والتهديد والوعيد واستهداف المهرولين الوطنيين الصادقين نحو المصالحة ومطالبتهم بالتريث حتى لا تسهل هرولتهم تلك في تنقية الأجواء داخليا وقيام الدولة في حين ان اسرائيل ومعها أقزامها في لبنان لا تريد ان تقوم قائمة لهذه الدولة أو هي بالأحرى تراهن على لبنان بلا دولة أو دولة دون حزب الله!!