مهما كانت النتائج الامنية والعسكرية للاحداث المؤلمة التي يشهدها لبنان الشقيق وخاصة مدينة بيروت وضاحيته الغربية فلا بديل عن التسوية السياسية للازمة التي طالت اكثر من اللازم بين ما يسمى قوى " الموالاة " وقوى "المعارضة". ويبدو أن اطرافا عديدة داخل لبنان وخارجه باتت مقتنعة منذ العقد الماضي بضرورة إعادة النظر في التوازنات السياسية الموروثة عن مرحلة الاستعمار الفرنسي والتي تعطي بناء على معطيات ديمغرافية تجاوزها الزمن للمارونيين ولممثلي البورجوازية السنية أغلبية المواقع السياسية في البلاد وبصفة خاصة رئاسة الدولة والحكومة. وبصرف النظرعن أخطاء مختلف الاطراف خلال مواجهات الايام الماضية لا سيما الاعتداء على الصحفيين والمؤسسات الاعلامية فان الازمة في جوهرها سياسية وبرزت بحدة منذ نهاية حرب صائفة 1986 ضد اسرائيل.. إذ أصبح "حزب الله" وحلفاؤه في " المعارضة " وخاصة حركة "أمل" يحرصون على اعادة توزيع الاوراق سياسيا ويطعنون في شرعية حكومة السيد فؤاد السنيورة والدور السياسي والامني لحلفائه سعد الحريري ووليد جنبلاط وسمير جعجع وهو ما يفسر الاعتصام الطويل حول مقر رئاسة الوزراء واستقالة وزراء المعارضة من الحكومة وشل السيد نبيه بري لعمل البرلمان واجهاض عملية تسليم رئاسة الجمهورية للرئيس الجديد. تحالف المعارضة اللبنانية ينوه بقوته واشعاعه شعبيا ووزنه الجديد ديمغرافيا وسياسيا وهو يضم بالاضافة الى "حزب الله" وحركة امل (بزعامة نبيه بري) والتيار الوطني الحر (بزعامة اللواء ميشيل عون) ، تيار المردة الذي يترأسه النائب السابق سليمان فرنجية وتيار التوحيد الذي يرأسه الوزير الدرزي السابق وئام وهاب والزعيم الدرزي رئيس الحزب الديمقراطي اللبناني طلال ارسلان، وقوى اخرى. ولا بديل اليوم عن التفاوض السياسي لتسوية الخلافات بين تيار الحريري جميل جعجع وحلفائهم من جهة وتيار نصر الله بري عون من جهة ثانية.. لان الخلل السياسي تعمق.. منذ انسحاب اسرائيل من جنوب لبنان عام 2000 تحت ضغط المقاومة الوطنية ، ومنذ اسندت جل قوى الموالاة والمعارضة الحالية الى "حزب الله" صفة "المقاومة التي حررت لبنان من الاحتلال الاسرائيلي".. ولئن بقي "حزب الله" خارج اللعبة السياسية الداخلية اللبنانية حتى عام 2005 تاريخ انضمامه الى الحكومة اللبنانية من خلال وزراء يمثلونه فيها 2006 فانه بات طرفا سياسيا قويا بيده اوراق عديدة من بينها تزعم غالبية الشيعة الذين يمثلون حوالي 60 بالمائة من السكان اليوم حسب بعض التقديرات..فضلا عن الدعم الذي يلقاه من قبل قوى اقليمية ودولية عديدة من بينها سوريا وايران. ورغم اتهامات قوى "الموالاة " والحكومة الحالية ل"حزب الله" ومعه حركة "امل" بسحب وزرائهم من الحكومة لعرقلة تأسيس المحكمة الدولية لاغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري فلا مجال لتمادي سير المؤسسات السياسية والبلد دون وفاق سياسي مع حركتي "أمل" و"حزب الله" ومع زعماء الحركات المسيحية والسنية والدرزية المتحالفة معهما بقيادة النائب المسيحي الجنرال ميشيل عون. وعسى أن يخرج لبنان من هذه الازمة الجديدة منتصرا واقوى..