إنّ ماهيّة رجال المقاومة في لبنا وفلسطين ومواقفهم الاستبسالية جعلتهم موضع اهتمام سواء من طرف الجماهير العربيّة او من طرف الجهات المعادية. اذن فإذا كان العدوّ يهتم بهذا الامر للدراسة فذلك لصياغة الخطط اللازمة لتطويق المقاومة والحدّ من نجاعتها فإنّ المواطن العربي يرى تناولها بالدّرس بكلّ جدية امرلازم لإدراك مدى الطاقة الكامنة فيها والابداع الذي يمكن أن تنتجه كما يقول الشاعر: وتشبهوا بهم ان لم تكونوا منهم إن التشبّه بالرّجال فلاح وتقديرا لنضالات هؤلاء واعترافا ببطولاتهم وددت المساهمة بالتعريف ببعض شهداء المقاومة الذين لفّهم النسيان ليدرك الجيل الجديد ما لأسلافه من أمجاد. يقظ مثل حمار الوحش كان ومخيفٌ مثلما النّمر مخيف انّه: فؤاد البرّي. ان حكاية فؤاد البرّى بدأت عندما قتل الغزاة والديه واقاربه في قطاع غزّة ابان حرب 1967. حينها وجدوه يبكي ويصيح وهو لايزال طفلا الى جوار جثث افراد عائلته المتناثرة هنا وهناك فمنذ ذلك الحين كان يبدو عليه القلق البالغ والهمّ الشديد وكان يقضّي غالب وقته منزويا ولهذا السبب اطلق عليه اسم البرّي وكان يخرج مع اهل المخيّم لدفن الفدائيين الذين يسقطون تحت نيران الغزاة أثناء قيامهم بعمليّانهم الفدائيّة ويسمع النسّوة وهنّ يزغردن ويعجب كثيرا بذلك لأنّه لم يعتد على الزّغاريد الا في الاعراس ومند ذلك الحين وقف البرّي على حقيقة في مخيّمة هي انّ الناس لا يبكون على كلّ الاموات عندها بدأ البرّي يبحث عن طريقة ليلتحق بصفوف المقاومة: وفكّر أن يقوم بعمل فدائي يجلب له انتباه الفدائيين ويلتحق بذلك بصفوفهم عن جدارة فاشترى زجاجة كازوزة وكميّة من زيت التشحيم وبعض البنزين وبدأ في تجهيز قنبلة المولوتوف وتحيّن الوقت والمكان المناسبين لتنفيذ عمليته الفدائية، اندفع وقذف القنبلة بأقصى قوّته فتعالت صرخات الجنود. ومنذ ذلك الحين اختفى البرّى عن انظار الجميع وعمّت الحيرة سكان المخيّم الى أن جاءت سيارات العدوّ وراح الضباط يسألون الكبير والصغير عن فؤاد البرى وهكذا اصبح فؤاد وما يمكن أن يكون قد فعله هو الشغل الشاغل لجنود العدوّ. ونحن لا ننسى دور المرأة في النّضال ومواقعها الفدائية في الصفوف المتقدّمة واخص بالذكر هنا دلال المغربي التي انخرطت هي بدورها في نهج المقاومة والفداء وساهمت بعملياتها الفدائية في بناء ومجد هذا الوطن وكسرت بإرادتها جبروت وطاغوت العدوّ الصهيوني. استشهدت في 11 مارس 1978 وهي على رأس مجموعة فدائية في عملية هزّت اركان الكيان الصهيوني كانت دلال تعيش في المخيّم عيشة بائسة شقيّة شأنها في ذلك شأن بقيّة اللاجئين وكانت تتشوّق للعودة الى وطنها لانها باتت تعرف كل صغيرة وكبيرة عن كل موقع في وطنها وذلك انطلاقا من حكايات جدّها. عرفت دلال ان لها وطنا وأنّه اغتصب وان شعبها قد فجّر ثورة عارمة لاستعادته فقررت الانخراط في النضال ولم تكتفي بالسكوت والخنوع في البيت وعرفت ان الحياة لا معنى لها دونما وطن ودونما حريّة فعزمت على حمل البندقية واعتبرت انّ الموت فوق ارض الوطن هو الحياة الحقيقية فكان يوم 11 مارس 1978 ودلال على رأس مجموعة من الفدائيين تقاتل بكلّ بأس والجنود الصهاينة يتساقطون تحت رصاص هذه الفدائية حتى استشهدت على تراب وطنها العزيز. انّ روح التضحية التي ابدتها هذه البطلة ومواقفها الاستبساليّة ستكون نبراسا يضيء في حياتنا وأسوة تحتذي بها الاجيال القادمة.