أمام هول الاحداث التي تعرفها غزّة الباسلة وامام اصطدامنا بالموقف في رفح المصرية لم نجد بدا من التوجه الى العاصمة الاردنية عمان عسانا «نغْنم» او «نتنسّم» بعض غازات الدموع العربية والفوسفورية الصهيونية... وهو ما كان... فأول خبر نزل علينا ونحن في مطار الملكة علياء ليلة السبت الماضي وقبل ان نتجاوز بوابة الشرطة تمثل في تحذيرنا مما قد نتعرض له بعد اصابة مدير مكتب قناة الجزيرة القطرية اثناء قيامه بواجبه الصحفي عشية نزولنا في مطار عمان وهو خبر في شكل مزاح من طرف بعض الاصدقاء الاردنيين ولكنه أصبح جديا عندما اكتشفت حالة مستقبلتي وهي مناضلة فلسطينية وقد اغرورقت عيناها بالدموع لما تعرضت له في الحادثة نفسها. ليلتها لم ننم وتعجلنا الصباح لنطوف بالمخيمات التي يتكدّس فيها الفلسطينيون كيفما اتفق... حطّين.. مسكين.. اولى محطاتنا كانت مخيم «حطين» على مشارف عمان هناك التقينا الاستاذ الدكتور عبد المعطي عبد الرحمان الدرباشي من مهجري 48 وأصيل قرية صميل الخليل التي دمّرها الصهاينة وقد خاض معنا في مسائل شتى سنأتي عليها في عدد لاحق ولكن سنتوقف فقط في هذا العدد عند معضلة غزة الجريحة والتي يرى محدثنا ان المسؤوليات على ما يحدث فيها متداخلة ومعقدة مما يعقد الموضوع اكثر فالصلف الصهيوني شيء معتاد حيث تساءل متى كانت اسرائيل مصدر امن وامان لاحد وبالتالي فما تشهده غزة اليوم هو من طبيعة الاشياء عند بني صهيون اما المؤلم في المسألة فهو موقف الاشقاء والاكثر ايلاما هو موقف الاهل اي الفلسطينيين انفسهم ويضيف الدكتور درباشي «ان ما يحدث هو نتاج واقع فلسطيني متردي زاده الانقسام تردّيا فهذه مجموعة عباس في رام الله تحكم بمقاييسها الخاطئة تاريخيا وهذه حماس التي تتمثل خطيئتها في الافراط في الحلم والذي بمقتضاه تعجلت حماس التحرير من البحر الاحمر الى نهر الاردن وهو شعار لعمري غير مدروس ومتسرع جدا وعدم القدرة على تحقيقه يتحول الى الضرر بعينه.. وعن تصوره لنهايات أحداث غزة يقول «علينا التأني والصبر والقبول بكل الحلول الممكنة لوقف اطلاق النار». في مخيم البقعة اثر ذلك تحولنا الى مخيم البقعة غرب عمان وهو ثاني اكبر مخيمات الشتات الفلسطيني هناك رفعت فيه الرايات السوداء في اغلب شوارع المخيم وعلى اغلب البيوت حزنا على غزة وابنائها وقد دلفنا الى احد هذه المنازل لنجد سيدة عجوز فلسطينية اسمها الحاجة مزيونة وبحضور ابنها موظف بوكالة الغوث التابعة للامم المتحدة والتي حدثتنا بحرقة كبيرة عن وطنها السليب حيث انها غادرته في اربعينيات القرن الماضي ومن يومها لم تعرف عن اخباره الا ما يدمي القلب. الحاجة مزيونة لا تتفرج ولا تتابع اخبار التلفزيون مكتفية بالراديو لانها لا تتحمل مرْأى اولاد غزة وقودا لنار العدوان.. ثم تحولنا راجلين (الازقة لاتسمح بجولان السيارات) الى بعض البيوت الاخرى ومن بينها بيت السيدة ام غدير التي ذبح زوجها الشهيد على ركبتيها ذات يوم وهاهي اليوم على حد قولها تشاهد غزة كلها ذبيحة وسط صمت قيادات وانفعالات شعوب لا تنفع. ثورة توجان مباشرة من مخيم البقعة تحولنا الى بيت السيدة توجان الفيصل النائبة السابقة في البرلمان الاردني التي اثارت الكثير من الجدل بعد صدامها مع التكفيريين وما تبعهم من شيوخ التدين. هذه السيدة عادت الى الأضواء هذه الايام من خلال موقفها المتقدم جدّا والداعم للنضال الفلسطيني والناقد حدّ التجريح للنظام الرسمي العربي وتحديدا مصر... السيدة توجان لا ترى حلولا كثيرة كمأساة غزة بل هناك حل واحد هو فتح الحدود المصرية الفلسطينية والتي من العار ان تتحكم فيها اسرائيل داهسة على السيادة المصرية... لا للوطن البديل السيدة توجان اصرت في حديثها على ضرورة التصدي لمسخرة الوطن البديل وهو العرض الذي تحاول اسرائيل بلوبياتها وعساكرها ان تجرّعه للعالم حيث تصبح غزة مصرية والضفة اردنية وهو طرح مرفوض ويستدعي المقاومة بكل الوسائل... وادي عربة... الاحتضار يبدو ان الموقف الايجابي للمؤسسة الملكية في الاردن والخيمة التي اقيمت امام مبنى السفارة الاسرائيلية في عمان والابقاء على السفير الاردني لدى تل ابيب في اجازة بين اهله وذويه في عمان الى جانب الحملة الصحفية العنيفة وكل هذه المواقف مجتمعة تصبّ في تمزيق معاهدة وادي عربة الموقعة بين المملكة والكيان الصهيوني سنة 94 التي تضمن فيها السلام للجانبين. لاءتان في عمان اكثر ما لفت انتباهنا ونحن نجوب العاصمة الاردنية وتخومها من المخيمات الفلسطينية هو تلك اللاءتان الكبيرتان، اللاء الاولى للتوطين والثانية للوطن البديل وهوالامر الذي خلق تناغما كبيرا بين الموقفين الرّسمي والشعبي ازاء العدوان على غزة وهو الموقف الذي اعتبر الى جانب التلويح بالغاء معاهدة وادي عربة ردّا اردنيا معتبرا خاصة اذا اضيف اليهما الطلق الناري الذي اصاب دورية حرس حدود صهيونية على الحدود بين ايلات والعقبة في منطقة وادي عربة الاردنية... الهمّ المضحك!! «هو أحْنا ناقصين» هذه الجملة تسمعها في كل مكان بعد انتشار خبر تحقيق وزارة الداخلية للبحث عن منتحلي صفة رجال امن تكاثر عددهم هذه الايام في ارجاء المملكة... (دون تعليق).