رئيس السنغال يؤكد على رغبة بلاده في تطوير تعاونها مع تونس ...تفاصيل    بطاحات جزيرة جربة تستأنف نشاطها    عاجل/ بداية من هذا التاريخ: شرط جديد لاجتياز اختبار رخصة السياقة..    بلاغ هام للجامعة التونسية لكرة القدم..#خبر_عاجل    انجاز طبي جديد في تونس: إنقاذ مصابة بجلطة دماغية حادة باستعمال هذه التقنية..    القيروان: مأساة عائلية إثر عملية تحيّل تنتهي بانتحار مستشار قانوني    الغرفة التونسية الفرنسية للتجارة والصناعة تنظم بعثة اقتصادية الى الصالون الدولي "بولوتاك" بليون من 7 الى 10 أكتوبر 2025    الصولد الصيفي: تسجيل 73 مخالفة إقتصادية منذ إنطلاقه    تونس: توريد لحوم حمراء بأسعار تفاضلية    ترامب: "فرصتي ضعيفة..ولكني أحاول دخول الجنة"    زاخاروفا: خريطة أوكرانيا في الأبيض صفعة قوية لكييف وحلفائها    هجوم غير مسبوق على موقع عسكري إسرائيلي في جنوب غزة ومحاولة أسر جنود    سعر الكراس المدعم لهذا العام..#خبر_عاجل    الرابطة الأولى: قمة في رادس بين النادي الإفريقي والترجي الجرجيسي من أجل فض الشراكة في الصدارة    تصفيات مونديال 2026: موعد الإعلان عن قائمة لاعبي المنتخب الوطني    رسميا: تحديد موعد إنطلاق إستعمال الفار في البطولة    نادي المدينة الليبي يتعاقد مع اللاعب التونسي مراد الهذلي    الزهروني: إيقاف امرأة انتحلت صفة رئيسة جمعية بالخارج وتحيلت على العشرات    عاجل: احتقان وغلق لهذه الطريق..    تونس: 75% من خريجي التكوين المهني يجدون شغلهم بعد التخرج    أريانة: مركز الفنون الدّراميّة والركحيّة ينظم تربصين تكوينيين في المسرح    نقابة الصحفيين تدين غلق مقرّ هيئة النفاذ إلى المعلومة وتعتبره "إنهاءً عملياً لدورها"    الطب النّووي في تونس: طلب متزايد وتوجه نحو افتتاح أقسام جديدة في أربع ولايات    محمد صلاح يتوج بجائزة أفضل لاعب في الدوري الإنقليزي للمرة الثالثة    عاجل/ مجلس الوزراء الفلسطيني يحذر من مخطط صهيوني لفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها..    يهم الطلبة الجامعيين..اليوم انطلاق التسجيل..    الحماية المدنية: 537 تدخلا منها 103 لإطفاء حرائق خلال ال 24ساعة الماضية    لماذا تعتزم واشنطن طلاء السياج الحدودي مع المكسيك بالأسود؟    الفنان صابر الرباعي يختتم الدورة 45 لمهرجان صفاقس الدولي بعرض فني يبقى عالقا في الذاكرة    إسرائيل تبدأ المرحلة التمهيدية لاحتلال مدينة غزة    عاجل/ بعد فرنسا: هذه الدولة تشن هجوما عنيفا على نتنياهو..    جريمة مروعة: ينهي حياة جاره طعنا بالسكين..والسبب صادم..    برنامج مباريات الدور ربع النهائي لبطولة أمم إفريقيا للمحليين    حادث مرور أليم يخلّف قتيلين وجريحًا في بوحجلة    بنزرت: إنقاذ إمراة سقطت في بئر وبقيت على قيد الحياة لمدة 3 أيام    كفاش تقيّد ولدك في قسم التحضيري ؟...تبع هذه الخطوات    "هدد البلاد".. نواب وسياسيون لبنانيون يقاضون زعيم حزب الله    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    صيف وضيف: د. إيمان القسنطيني: الطبيبة الفنّانة... المتعددة المواهب    تاريخ الخيانات السياسية (51) فتنة الحلاّج    عاجل/ تونس تسجل ارتفاعا في الطلب على الغاز الطبيعي والمواد البترولية    المهرجان الصيفي بالناظور في دورته ال 24 برمجة ثرية وفرجوية    المهرجان الدولي للولي الصالح سيدي علي بن عون .. جنجون في الافتتاح وعبد اللطيف الغزي في الاختتام    تونس وردت قرابة 10 بالمائة من حاجياتها من الكهرباء مباشرة من الجزائر مع موفي جوان 2025    أرانب ''زومبي'' بقرون سوداء تثير رعب السكان    عاجل : رحيل الفنانة السورية إيمان الغوري    خمس روايات تونسية ضمن القائمة القصيرة لجائزة كتارا للرواية العربية 2025    نيويورك.. عشرات الضحايا بمرض خطير والسبب'' الكليماتيزور''    Ooredoo Music Fest by OPPO يعود في نسخته الثالثة مع عرض رڤوج وتجربة غامرة فريدة من نوعها    عاجل : النجم الساحلي يتعاقد مع اللاعب الدولي الليبي نور الدين القليب    حجز 542 كلغ من المواد الغذائية غير صالحة للاستهلاك بولاية تونس    المولد النبوي : شوف كفاش تختار بين الزقوقو التونسي و المستورد؟    فاجعة: وفاة طفل بسبب أكلة..!    أمام 7 آلاف متفرج: الفنان اللبناني آدم يعتلي ركح قرطاج للمرة الأولى في مسيرته    تاريخ الخيانات السياسية (50).. حبس الخليفة المستكفي حتى وفاته    الميزان التجاري الغذائي يسجل فائضا خلال الأشهر السبعة الأولى من 2025    عاجل : فلكيا...موعد عطلة المولد النبوي الشريف 2025 للقطاعين العام و الخاص    هام/ عطلة بيوم بمناسبة المولد النبوي الشريف..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مِن وحْيِ المِحْرَقَة
نشر في الشعب يوم 24 - 01 - 2009

هذا بعضُ كلام متواضِع عن «غزّة» لم يُسعفْني الذهنُ بأفضل منه
سأُسْكِتُ مؤقَّتا القلبَ المعذَّب بالعجزِ عن الصّبرِ و عن الفعْل و لْيتكلّمِ العقلُ إنِ استطاعَ أن يعقِلَ.
ما تعيشُه غزّةُ مِحْرَقَةٌ على النّمطِ النازيِّ لكنْ أكثرَ دمويّةً و جُنُونًا, غزّةُ غرفةُ غازٍ خانقةٌ, وإنْ بدَت متراميةَ الأطرافِ, لا ماءَ فيها لا خبزَ لا دواء...لا شيءَ عدا مصّاصِي الدِّماء!
الموقفُ العربيُّ الرسميُّ غريب عن نفسه, غريبٌ عن الجماهير غربةَ صالحٍ في ثمود، بعد قلْبِ الآية طبعا غريبٌ عن الظّرْفِ التاريخيّ المصيريّ غربةَ مُدمِني الحشيش و مشتقّاتِه يخشَى وصْمةَ حماس خشيةً أسْكَرتْ ضميرَه الإنسانيَّ و حسَّه السياسيَّ حتّى الثُّمالَة. فشُرطيُّ العالَمِ يقفُ بالمرصاد لكلِّ عقوقٍ مُحتمَل لكلِّ مَن يلوي عصا الطاعة. بالتوازِي مع ذلك تتفَيّأُ النُّخبةُ العربيّةُ في الأغلبِ الأعمِّ في ظِلالِ حكوماتِها و ضَلالِها أيضا. فلا الأُولى تُسنِد ظهرَ الثانيةِ و تقوِّمُ اعوجاجَها ولا الثانيةُ تفكُّ الخِناقَ عن الأولى لتتنفّسَا معا برِئةٍ ثالثةٍ جرّاءَ هذا التحالفِ القسْريِّ نسمعُ صوتًا واحدًا كلّتْهُ الآذانُ وعافتْهُ الحناجرُ و الصوتُ الواحدُ -لا أعْنِي الموحَّد- لا يَصنع كورالا أيًّا تكنْ مساحتُه الصوتيةُ.
يتأتّى بعضُ الحرَجِ العربيّ الرسميّ, وهو يتعاملُ مع مِحرقةِ غزّة, من العجْزِ عن «الفصْل المنهجيّ» بين شعبٍ أعزلَ يقاوِمُ الاحتلالَ و الحصارَ والإبادةَ و بين حكومةٍ إسلاميةِ الإيديولوجيا لكنْ ديموقراطيةِ المَسار وهو أمرٌ نادرُ الحدوثِ في الإمبراطوريّات العربيّة الأبديّة لأنّها وفتْ لشروطِ صناديقِ الاقتراعِ التي ضبطَها «العالمُ الحرُّ المتمدّنُ». عدمُ الفصلِ هذا يتركُ الجرائمَ ضدَّ الإنسانيةِ تمرُّ آمنةً على نفسِها شرَّ سقوطِ ورقة التُّوت. فالإعلامُ الغربيُّ الرسميُّ أغمضَ, بأعذارٍ أقبحَ من كلِّ ذنْبٍ, العينَ العمشاءَ المُطلّةَ على تذبيحِ الفلسطينيّين, وتُحدِّقُ مليًّا عينُه المُنْصَبَّةُ على أيِّ خدْشٍ يُصيب الورَمَ الصهيونيّ. بل إنّ إحراقَ علَمِ «الكيان» في إيطاليا مثلا أثناء المظاهراتِ المندِّدَةِ بالعدوانِ قد أثارَ مِن الاحتجاجِ أضعافَ ما أثارَه حرقُ الطفولةِ الفلسطينيّة المُحتميةِ بالمدارس و المساجد و الملاجئ الوهْميّة و معسكرات الاعتقال. حتّى إنّ هذا الإعلامَ اتّهمَ «حماس» بأنّها تستخدمُ المدنيّين, والأطفالَ منهم بالأساس, دروعًا بشريّةً تُتاجِر بموتِهم و بأنّها تحتكرُ الملاجئَ الآمنةَ لنفسها. و إنْ كنّا لا نستطيعُ الجزمَ بصِدقِ هذا الاتّهام أو كذبِه, فإنّنا نجزمُ بأنّ هذا الادّعاءَ مَخرجٌ مّا ربّما يخلّصُ «دُعاةَ حقوقِ الإنسان» من مأزقِ انفضاحِ «سياسة الكيل بمكيالين» التي شرعَ الرأيُ العامُّ العالميّ يتحسّسُها نسبيّا. و لوْلا استهدافُ مدارسِ الأمم المتحدة و موظّفِي فِرَق الإغاثة الدّوليّة لتواصلتِ التعميَةُ على شاكلة «سرد أحداثِ موتٍ معلَنٍ عنوان إحدى أجمل روايات غابرييل غارسيا ماركيز إذ تُطلُّ المحرقةُ ساطعةً جليّةً «كشُرفة بيتٍ» على منْ يريدُ أنْ يراها و على منْ تريدُ أنْ تُرِيه نوباتِ جُنونِها الاستعراضيّة.
ستظلُّ قراراتُ مجلسِ الأمن غيرَ مُلزِمة -حتّى وهي مُلزِمة- إلى أن يستويَ الجسدُ العربيُّ المهشَّم, إلى أن تتكوّنَ نخبةٌ عربيّةٌ تكونُ قوّةً ضاغِطةً محليّا و بالتّالي عالميّا, إلى أن ينشأَ وعيٌ سياسيّ يُحسِنُ الفصلَ بين تحريرِ الأوطان و بين بيْعها في المزادِ سرّا أو علنا كما يحسنُ المُرافعةَ عن نفسِه في مَحاكمِ التّاريخ, إلى أن يتصالحَ الحكّامُ مع شعوبِهم في القضايا المصيريّةِ على الأقل, إلى أنْ نرتقيَ مِن درجةِ «الرعيّة» إلى مرتبة «المُوَاطَنَة» التي فيها مِنَ جميلِ الحقوق بقدر ما فيها من الواجباتِ الثقيلة, فمبدأُ «كما تكونون يُوَلَّى عليكم» ماانفكّ ساريَ المفعُول... إلى أن يتحقّقَ ذلك سنظلّ, كما كنّا و مانزالُ, أفشلَ محامين لأعدلِ قضيّة: فشِلنا قولاً و فعلاً و صَمتا. «و كلُّ سكوتٍ كلامٌ قبيح»: هكذا تكلّم سميح القاسم, و مثلَه فعَل كلُّ نِسْيٍ مَنْسِيٍّ.
لِمَ يفشلُ العربُ فشلا مسترسِلا في السياسة الخارجيّة؟ ألأنّهم يكسِرون عظامَ السياسة الداخليّة ويلوُون ذراعَها القصيرةَ أصْلا؟ أم لأنّ «السُّلطةَ» عندهم مرضٌ عُضال حارَ في شفائِه طبُّ الشّرقِ و الغربِ؟ أم لأنّ حسَّهم التجاريَّ أقوى ممّا يتحمّلُه الحقلُ السياسيُّ؟ فكُلُّ متاعٍ لديهم مُعَدٌّ للبيع: الأرضُ كالعِرضِ و المبدأُ كالقيمةِ و «القضيّةُ» كآبار الذّهبِ الأسودِ...؟ و بلا هوادَةٍ تعلُو في الآفاقِ الخُطَبُ العصْماءُ تبيعُ الريحَ للمراكبِ الهائمةِ على وجهها و تخبِطُ خبْطَ عَشْواء في متاهات «البؤس العربيّ» و قد رسَخَ اليقينُ بأنّها تصيبُ من العدوّ مقتلاً.
بنا حلّتِ المِحرقةُ كي ترتِقَ الذاكرةَ المُهترِئةَ الهاربةَ من فيْضِ هزائمِها والمرتعِبةَ من هَامَةِ حقِّها القتيلِ يصرخُ فينا: «اُسقُونِي». غزّةُ المحترِقةُ المُحْرِقةُ تهزأُ بنا, تصفعُ جُبْنَنا, تركُلنا بالجُثَث, تُدثِّرُنا من هوْلِ الفضيحةِ المعلَنةِ، ثمّ تُنشِد مرثيّتَها مرثيّتَنا كمْ كنتَ وحدكَ يا ابنَ أمِّي يا ابنَ أكثرَ من أبٍ، كمْ كنتَ وحدَك هكذا تكلّمَ محمود درويش، ومثلَه صنعَ شهودُ الأرضِ والسّماء.
وكي لا يُخِّرِّبَ القنوطُ قلوبَنا الداميةَ سنظلّ نردِّدُ بالصّوتِ المرتعِشِ إيّاه لَكَمْ أحنَى القدرُ قامتَه إكبارًا لكلِّ شعْبٍ أرادَ الحياةَ فأرادتْه بمِلْء فؤادِها! لَكَم استجابَ، فأجْلَى الليلَ و كسَّرَ القُيُود.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.