غيّب الموت صباح الاحد الماضي المناضل النقابي والوطني من الرعيل الاول الفقيد العزيز محمد النوري البودالي بعد مرض ألمّ به في المدة الاخيرة. وقد نعى المكتب التنفيذي للاتحاد الفقيد العزيز في بلاغ أمضاه الاخ علي بن رمضان الامين العام بالنيابة وبادر فيه بتقديم أحر التعازي وأصدق عبارات المواساة الى عائلته وأهله وذويه والى الاخوة النقابيين والشغالين كافة. وقد تم يوم الاثنين 26 جانفي تشييع جنازة الفقيد الى مثواه الاخير في مقبرة الجلاز بحضور لفيف كبير من اصدقائه وزملائه قدماء النقابيين ومن كبار المسؤولين في الاتحاد والمؤسسات والادارة وجمهور غفير من النقابيين والشغالين وافراد العائلة والاقارب. وبالمناسبة تولى الاخ علي بن رمضان الامين العام بالنيابة تأبين الفقيد العزيز بكلمة مؤثرة جاء فيها بالخصوص: نلتقي في هذه المناسبة الأليمة التي أبى أن يجمعنا فيها أخونا الكبير المناضل النقابي والاجتماعي والوطني النوري البودالي الذي وافاه الاجل المحتوم يوم امس الاحد، بعد عمر طويل قضاه في العمل والانتاج والانقطاع لخدمة الشغالين وعموم الموطنين وأنفقه دفاعا عن الوطن واستقلاله وحريته قبل ان يتخلص بعد الاستقلال الى العمل النيابي حيث ابدى قدرة كبيرة على التصور واستنباط الافكار الملائمة لتنمية البلاد بصورة عامة والارتقاء بمستوى عيش المواطنين في الجهات الداخلية وفي القرى النائية. وان أنسى فلن أنسى ان هذا المناضل النقابي والوطني الكبير لم يفكر في الراحة حتى بعد تقاعده حيث انقطع الى تحرير الكثير من المقالات المتميزة في عديد الاغراض، والتي نشرها في العديد من الصحف التونسية، كما ألّف مجموعة غير هيّنة من الكتب ضمّنها ذكرياته ونضالاته ونضالات رفاقه بدءا من تجربة النقابات المستقلة ونهاية بتأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل. كما ضمّن هذه الكتب جملة من افكاره في العديد من مسائل التنمية وتصوره لحلها، فضلا عن عودته في كتاب مخصوص الى واقعة برج السدرية التي لا تقل أهمية عن واقعة 5 اوت 47 بصفاقس واضراب سوق الخميس وحوادث هنشير النفيضة وكلها محطات نضالية خاضها العمال بإحاطة شاملة من الاتحاد، لكن واجهتها السلط الاستعمارية الادارية والعسكرية بالحديد والنار وتسببت من خلال قمعها في قتل العديد من العمال وجرح العشرات، كما أنها كانت امتحانات جدية أثبتت رسوخ الاتحاد في قلوب عموم التونسيين وريادته في الدفاع لا فقط عن حقوق الشغالين المادية والمعنوية ولكن ايضا وبالخصوص عن حرية البلاد واستقلالها. ولا جدال في ان فقيدنا العزيز تربى على هذه الخصال وعلى هذه المبادئ، فانخرط منذ بواكير أيامه بالشغل في العمل النقابي خاصة وان قطاع الصحة الذي ينحدر منه، كان محتكرا من قبل اجانب لا يتورعون في ممارسة أبشع انواع الاستغلال لا فقط على العاملين بل وكذلك على المواطنين. ولئن بدأ فقيدنا العزيز عمله النقابي في الجامعة العامة للمتوظفين، فان حماسه وتفانيه أهّلاه للبروز ولعب دور حاسم في تأسيس اتحاد نقابات الشمال ومن بعده في تأسيس الاتحاد العام التونسي للشغل. وهنا تتفق أغلب المصادر على ان الفقيد العزيز كان لاسيما في فترة التأسيس بمثابة الذاكرة الأمينة بل بمثابة الحافظة الوثيقة لأعمال الاتحاد وأسراره وتقاريره ومراسلاته وعلاقاته مع جميع الاطراف. ويذكر للفقيد العزيز انه هو الذي كان مسؤولا على أرشيف الاتحاد ومحفوظاته مهما كان نوعها وعلى تنظيم التظاهرات والاحتفالات وخاصة احتفالات غرة ماي. وأضاف الاخ علي بن رمضان قائلا: إننا نودع اليوم مناضلا نقابيا صادقا، لم يبخل في الدفاع عن الشغالين ونصرة الاتحاد ورفع شأن الوطن، ونذكر له في هذا الشأن انه كان دائما عضوا في اللجان التي اهتمت بمتابعة انعكاسات وقائع 5 اوت وسوق الخميس والنفيضة وجبل الجلود وبرج السدرية، وفي لجنة غلاء المعيشة، وفي لجنة تنظيم لجنة جنازة المنصف باي ولجنة فلسطين ولجنة المقاومة الوطنية وفي لجان اخرى كثيرة منها لجان الاضرابات العديدة التي شهدتها السنوات الاولى من عمر الاتحاد. يٌعرف كذلك عن الفقيد العزيز انه كان قريبا جدا من الزعيم الشهيد فرحات حشاد الذي كان ينوّبه عنه في مسائل عديدة. واذا كان لابد هنا من التذكير بمسؤولياته فانني أشير الى انه كان عضوا في المكتب التنفيذي للاتحاد العام لعدة دورات كما انه شغل الكتابة العامة للاتحاد الجهوي للشغل بتونس مدة سنوات عديدة. الرئيس بن علي يعزي على اثر وفاة المناضل النقابي والوطني النوري البودالي وجه الرئيس زين العابدين بن علي برقية تعزية ضمنها مشاعر تعاطفه ومواساته لأفراد عائلة الفقيد وللأسرة النقابية عامة. وابرز رئيس الدولة في البرقية الخصال النقابية للفقيد واسهاماته في الحركة الوطنية التونسية.