يكاد لا يمرّ يوم دون أن نسجّل على أعمدة مختلف الصحف اليومية والجرائد الأسبوعية مقالات تتضمّن إساءات متكرّرة ضدّ العاملين في قطاع النقل الحضري بتونس الكبرى وبين المدن وموجهة بالخصوص وأساسا ضدّ السواق والقباض العاملين على متن الحافلات وعربات المترو والخط ت.ج.م، وهو ما تطلّب منّا متابعة خفايا الأمور والخلفيات المؤدية إلى هذه الإساءات بالرغم من المجهود المضاعف المبذول من قبل السواق والقباض حتى يساهموا قدر المستطاع في تحسين الخدمات وتحقيق النتائج المرجوة. وعلينا في بادئ الأمر أن نطرح على أصحاب الأقلام المسيئة لهؤلاء الأعوان عددا من الأسئلة بكل موضوعية وعقلانية، أليس عون النقل هذا تونسيا لحما ودما وانتماء وشعورا وانضباطا وطموحا؟ أليس عون النقل كبقية خلق اللّه رب عائلة يتركها يوميا ليقصد موقع عمله الذي ينطلق منه طيلة اليوم لنقل مئات الآلاف من المواطنين القاصدين مواطن العمل والدراسة في أوقات مختلفة وطيلة الفصول الأربعة وفي ظروف تتميّز بالإكتظاظ في مستوى حركة المرور والإزدحام داخل وسائل النقل وفي مستوى كل المحطات الكائنة بالخصوص في المناطق ذات الكثافة السكانية؟ أليس السائق مواطنا كبقية المواطنين يستعمل الطريق كغيره من مستعمليه دون الإنتفاع بأيّة أولوية مرورية بالرغم من أنّه ينقل عشرات أضعاف ما تنقله السيارة الخاصة في كل سفرة؟ علما وأنّه يتم نقل 6.1 مليون مسافر في اليوم الواحد تسخّر لهم 1200 حافلة في تونس الكبرى دون احتساب المسافرين المنقولين بين المدن حيث يتضاعف العدد الجملي للمنقولين ليبلغ 3 مليون مسافر. أليس السائق إنسانا كأي انسان آخر يتأثّر بما يحيط به ويتصرّف ويجتهد حسب الوضعيات المحرجة التي يمكن أن يتعرض لها في أي لحظة؟ ألا نسجّل يوميا عند الدخول الى العاصمة أو الخروج منها وفي المدن الكبرى آلاف الحالات من التهوّر في صفوف أصحاب السيارات الخاصة والشاحنات وغيرها من وسائل النقل؟ ثمّ ألا يجدر بنا التصدّي بكل حزم وصرامة لكل التجاوزات التي تحصل على طرقاتنا بدل التجريح والتنكيل بسواق الحافلات الذين أصبحوا عرضة لكل الإساءات ومن كل جانب؟ إنّنا بقدر ما نركّز مجهوداتنا الجماعية على مزيد تحسيس أعوان النقل وتوعيتهم من أجل مضاعفة الحرص واليقظة عند اضطلاعهم بالواجب المهني بقدر ما نحرص على دعوة كل الأطراف المعنية بضرورة مراعاة ظروف عمل سواق الحافلات وعربات المترو وعربات ت.ح.م الذين هم أكثر عرضة من غيرهم لمخاطر الطريق وتبعات الضغوطات الناجمة عن الإزدحام وعن اختناق حركة المرور في محيطنا الذي يمتدّ على أكثر من 50 كم دون مسالك محمية للحافلات ودون احترام المسالك الخاصة بعربات المترو ودون أولوية تذكر لفائدة وسائل النقل العمومي. وإن حرصنا لأكبر على أن تساهم كل الأطراف وبالخصوص الاعلاميون في تحسين علاقات التعاون وإرساء قواعد الاحترام المتبادل بين السواق والحرفاء في كنف مناخ اجتماعي سليم، ممّا يدعونا جيمعا إلى تحمّل كامل مسؤولياتنا إزاء ما تحدثه المقالات الصحفية المسيئة والمتتالية في صفوف السواق والقباض من تململ وردود فعل سلبية من شأنها أن تؤدي إلى نتائج عكسية نحن مطالبون بتفاديها قبل استفحالها. وليكن في علم أصحاب الأقلام المغرضة أنّ السواق والقباض ليسوا في حاجة إلى تلقّي دروس في السلوكين المهني والحضاري وأنّ هؤلاء يتميّزون عن غيرهم بالعديد من الخصال أهمّها الغيرة على تونس ومحبة البلاد والشعب واحترام الحرفاء والتعلّق بخدمة الصالح العام والقدرة على تحمّل العناء اليومي الناجم عن طبيعة العمل في قطاع النقل العمومي ومجابهة مختلف الضغوطات على مدى كامل اليوم بكثير من الصبر ورحابة الصدر. وليعرف هؤلاء أيضا أنّ السائق يمرّ قبل انتدابه بمراحل انتقائية صارمة من خلال اجراء اختبارات وفحص طبي معمّق ثمّ يتمّ إعداده في إطار دورة تكوينية قبل قبوله نهائيا لمباشرة عمله خلال مدّة ضرورية، بالإضافة الى عمليات الرسكلة الدورية والتحسيس المستمرّ. وإنّنا ندعو كل المعنيين بقطاع النقل الحضري وبين المدن إلى اتخاذ التدابير اللازمة لإيقاف التهجّم الإعلامي ضدّ أعوان النقل في أقرب وقت قبل اللجوء إلى الوسائل التي يسمح بها القانون للدفاع عن المستهدفين من عمّال النقل. بقلم: مختار الحيلي