بعد زيارتين الى أهلنا فلسطينيي الشتات في بعض مخيمات المملكة الاردنية وجنوب لبنان آثرنا ان نترك مخيمات الفلسطينيين في الجمهورية العربية السورية كآخر محطة لنا في الشرق الاوسط لسببين على الاقل، اولهما هذا الصيت العالي لمخيم اليرموك الذي يعتبر الجبهة الامامية لنضالات الشتات الفلسطيني لما يحتوي من رموز النضال الفلسطيني قياديا وشعبيا ولما يوفره من مجالات التحرك السياسي لكل الفصائل وهو ما يعتبر محرما في بعض الاماكن الاخرى على امتداد مواقع اللاجئين في بلاد العرب وان السبب الثاني في الامتياز الذي يحظى به اللاجئون في القطر السوري فعلى عكس بقية البلدان يتوفر للاجئ حقوقه المواطنية الكاملة عدى الهوية التي تنصّ على فلسطينية اللاجئ كذلك منصب رئاسة الجمهورية اما فيما عدى ذلك فللفلسطيني ما للسوري من حقوق وواجبات وعليه ما عليه من الواجبات مما خلق الكثير من الالفة والحميمية بين الطرفين.. لهذين السببين وغيرهما اخترنا ان تكون جولتنا الاخيرة في «اليرموك» من «طريق الثلاثين» اقصى اطراف المخيم جنوبا الى اقصاه شمالا وما بينهما من «معالم» نضالية سياسية واجتماعية وحتى عسكرية. بيوت الفرح مجالس عزاء على مدار ايام الحرب وكنا شاهدين على ذلك وعلى امتداد الساعات الاربع والعشرين لم يعرف السبات لجفون اللاجئين سبيلا حيث لم تهدأ الحركة ليل نهار بين اعتصامات ومهرجانات خطابية واجتماعات فصائلية ومجالس عزاء من عمقها ترتفع الزغاريد اذا زفت الاخبار الاخبار «بشرى» استشهاد احد ذوي اللاجئين وذلك في موقف بليغ ومؤثر لا نرقى الى وصفه... وغير بعيد عن هذه المواقع تنتصب خيمة يشرف عليها اشبال قبالة جامع الوسيم في قلب المخيم تضم مئات الكراسي للضيوف من مختلف انحاء العالم والذين يكون «اليرموك» احدى محطاتهم وعند البعض ابرزها عند زيارة القطر هناك تختصر معاناة غزة من خلال صور واشرطة واردة للتوّ وعبر وسائل متعددة من قلب المعركة حيث يتجلى عمق المعانة وجنون العدو وصلابة المقاومة.. شموع... ونيران لعلّ ابرز ما شدّنا قبالة هذه الخيمة ذاك المجسم للخارطة الفلسطينية على الارض والذي اتخذت فيه الحدود الشرقية شكل بندقية (تأمل جيدا الصورة) في حين سكبت مادة حارقة على الحدود الغربية اي قطاع غزة حيث بدا ملتهبا وسط جدار مشتعل بالشموع الى امتداد كامل فلسطينالمحتلة هناك وحول هذا المجسّم الخارطة يحلق وفي مقدمتهم اشبال بأزياء فدائية مرددين الأناشيد الثورية التي لم تخل من شعارات سياسية في شكل رسائل الى النظام العربي الرسمي وبعض رموزه تحديدا... زوايا الظلام يومان فقط بعد زيارتنا اعلن وقف اطلاق النار وكنا هناك طبعا حيث شاب المشهد بعض التغير بل قل تغييرا كبيرا مفاده في النهاية مرارة في الحلق وهوالانفراج الذي لاحت معالمه بعد ان استطاعت النار توحيد الجميع وتحديدا الفصائل الفاعلة في المخيم على غرار حماس وفتح والجبهة الشعبية والجبهة الشعبية القيادة العامة والتحرير والجهاد والوية صلاح الدين والصاعقة فقد اتسع الجرح النازف في غزة ليحتضن الجميع ولكن ما ان توقفت الالة الصهيونية حتى شب سجال كنا شاهدين على بعضه يدفع بالقضية الى الخلف من ذلك مثلا الافراط في التجاذب السياسي والتلاسن التخويني فيما بين الفصائل، وبين الفصائل مجتمعة وسلطة مقاطعة رام الله!!! الامر الذي جعلني وصديقي الصحافي الاماراتي نغادر بعض المواقع لفرط التشنج الذي لاحظناه وهو ما اعتبره الكثيرمن العامة من اللاجئين خروجا عن النص خاصة وان دماء الشهداء مازالت تطْلي مجنزرات باراك وزبانيته. قيسٌ من النور وسط هذه التداعيات الموجعة وقبيل مغادرتنا المخيم تلقينا دعوة من احد عناصر»جبهة النضال الشعبي الفلسطيني» لحضور عرض مجموعة صدى الشتات الفلسطيني بالمركز الثقافي العربي والتي اثثت عرضها بعديد اللوحات والقصائد المعبرة يقول مطلع احداها «انا فتح وحماس / انا شعبية وجهاد/ ... انا فلسطيني» في حين كانت قفلتها «ختْيارنا (شخنا) هالرّمز ما نبدلو بملايين / كرسي ياسين البطل يا عقدة المعتصمين».