تدخل المدينة العتيقة فيغمرك فيض من الحميمية والالفة وأنت تنظر باتجاه الابواب وزركشاتها والاقواس والاعمدة... كون من الجمال ابتكره الذين من قبلنا بقرون فمضت عطورهم نحونا عبر هذا المعمار الباذخ في تجلياته المشهدية واللّونية والتّشكيلية المميّزة... هذا الجمال الذي يطبع دروب المدينة العتيقة تدعّم بحضور عدد من الفضاءات الثقافية حيث يذكر الزائر للمدينة فضاءات الطاهر الحداد، دار الجلد، دار لصرم، العاشورية، السليمانية، بئر الحجار، بيت الشعر، دار بن عبد الله... وأخيرا بيت الاحتفال... لقد صارت هذه الامكنة منارات اخرى للفعل الثقافي في تونس عبر تلوينات الموسيقى والفن التشكيلي والمسرح والسينما وغيرها من فنون الفرجة بالاضافة للندوات واللقاءات المفتوحة.. بيت الاحتفال حبة اخرى في عنقود هذه الفضاءات حيث يعانق جمال المعلم ما يقدّمه المبدعون لنقف عندها على ثراء المدينة باعتبارها الحضن الدافئ الذي يلوذ به المثقفون والمبدعون.. أسماء عربية وعالمية مرت بفضاءات المدينة المذكورة في حقول الشعر والفنون والثقافة.. على هذا الدرب، يواصل الفنان المسرحي عبد الغني بن طارة المضيّ مع فكرة الثقافة التي ظلّت تصحبه كحلم جميل.. فهو مسرحي جمع بين أصالة الفعل المسرحي وانفتاحه على المعاصرة ضمن مختلف اعماله الدّرامية فهو المتيّم بالمسرح الاحتفالي وهنا نذكر تعامله مع المبدع المغربي عبد الكريم بالرّشيد منذ سنة 1983 في عمل مسرحي عنوانه «اسمع يا عبد السميع» في إطار المسرح الوطني وتواصل العمل خلال سنة 2007 بعمل عنوانه «سرك الدنيا».... ومع انطلاق عمل بيت الاحتفال كان العمل الثالث في هذا التعاون الابداعي التونسي المغربي بين بن طارة وبالرشيد، بعنوان «على قيد الحياة».. بيت الاحتفال احتضن هذا العمل ضمن مسرح الحلقة الذي جسّمه بن طارة حيث تجدّد العلاقة بالفرجة لتكون دائرية الشكل بعيدا عن زوايا المشاهد المحددة وهذا مذهب جمالي يقول بيانوراما النظر والمشاهدة وهو يقتضي رؤية اخرى ملائمة من قبل الممثل والمخرج.. هذا الفضاء الذي اسمه «بيت الاحتفال» عرف في المدينة سابقا بمكتبة الديوان التي صارت مخزنا تابعا للمكتبة الوطنية وقد تم ترميمه وصار تحفة اخرى تناسب العمل الثقافي في اصنافه المتصلة بالفرجة وفنونها المختلفة.. وقد استندت فكرة المسرح الاحتفالي على التراث الادبي والتعبيرات الاحتفالية باعتبارها قديمة قدم الانسان وفي هذا الخصوص نذكر عددا من اقطاب هذا المسرح الاحتفالي: الطيب الصديقي وعبد الكريم بالرشيد وعبد السلام الشرايبي من المغرب وعز الدين المدني من تونس وقاسم محمود من العراق... من العروض الاولى لهذا الفضاء نذكر مسرحية «على قيد الحياة» عن نص لعبد الكريم بالرشيد واخراج لعبد الغني بن طارة وتمثيل كل من حسين المحنوش وسميرة العبيدي وخالد الزيدي وفي هذا العمل نجد حوارا مفتوحا بين كائنات في حياة مفعمة بالرموز والافكار ضمن صراع مفتوح فيه المتغيرات العاصفة التي تطرح جدلية العلاقة بين الأنا والآخر.. كون من الاوهام والاحلام في ضروب احتفالية تعبر عن دراما الانسان في رحتله من الولادة الى الموت.. هذا العرض أبدع فيه الممثّلون لكونهم استجابوا لظروف العمل في مسرح الحلقة وفق طاقات أخرى للتقبّل بعيدا عن المسرح المألوف بعلاقته الرتيبة بين ركح وجمهور أي جهة نظر ومتابعة واحدة ممدودة باستقامة بين الباث والمتلقي. هذا العمل فيه نظرة اخرى للمسرح عمل عليها بالرشيد وبن طارة الى جانب خيرة الممثلين حيث ينتظر ان يعرض في فضاءات عربية... هذا ويشهد فضاء بيت الاحتفال قريبا عددا من العروض الفنية تناغما مع مختلف المحطات الثقافية لسنة 2009 ومنها المتّصلة بمائوية ميلاد الشاعر التونسي الراحل أبو القاسم الشابي إضافة الى ذكرى الاديب علي الدوعاجي كما سيحتضن الفضاء لقاءات اخرى حول الاعمال الفنية والدرامية بخصوص تفعيل الحوار حول عدد من الانتاجات التونسية في مجالات المسرح وعروض الفرجة .. وقد كان اللقاء الخاص بالمسرحي عزالدين المدني مميزا من حيث الحضور والاطلالة البانورامية على تجربته. بيت الاحتفال، موعد اخر مع الثقافة التونسية في حوارها المفتوح مع ضفاف أخرى لتظلّ المدينة العتيقة عنوانا اخر من عناوين الابداع التونسي الان... وهنا...