هل مؤسساتنا التربوية في منأى من المخاطر المترتبة عن استخدام الآلات والأدوات والمواد في المختبرات ؟ هل لوزارة التربية والتكوين منظومة حمائية من المخاطر تجنب العاملين فيها والدارسين المآسي المنجرة عن الاستخدامات التي تسببها هذه الوسائط ؟ هل تتوفر لأبنائنا التلاميذ الحماية الكافية من هذه المخاطر ؟ هل توجد قوانين منظمة لعملية استخدام هذه الوسائط ؟ لقد طرحت على نفسي كل هذه الأسئلة لأول مرة بعد أن أقدمت وزارة التربية والتكوين على إحالة أستاذ على مجلس التأديب (1) بتهمة : «تلطيخ قاعة الدرس بسائل خطير دون طلب تنظيفه وسكب ما تبقى منه بحوض غرست فيه نباتات حية «(!!!) فهل كان يجب أن يحال أستاذ على مجلس التأديب لطرح هذه الأسئلة وغيرها ؟ أوجه السؤال إلى وزارة الإشراف: هل تفطن صانعو مجلس التأديب المذكور أعلاه إلى تلك الأسئلة المطروحة أم أن عجلة المجلس قد دارت بعجلة ولا وقت لطرح الأسئلة ؟ لقد انطلقت حادثة «تلطيخ قاعة الدرس بسائل خطير «من تجربة قام بها الأستاذ أمام تلاميذه باستخدام سائل « (كلورير الحديد « (FeCl3 لإظهار كيفية تنظيف النحاس . تجربة من بين مئات التجارب التي يصدع الأساتذة رؤوسهم من أجل إعدادها وضمان نجاحها لتلاميذهم في مختبرات المؤسسات التربوية ، ينجزها في ظروف سيئة لا تعلمها إلا وزارة الإشراف . انسكب نصيب من السائل على أرضية القاعة غير المهيأة أصلا للتجربة (مختبر التقنية) وقد عمد الأستاذ إلى تنظيفها بسكب قليل من الماء على السائل باعتباره أنجع وسيلة لتنظيف أرضية القاعة وتجنب استدعاء المنظفة خوفا من استخدامها لمواد التنظيف المعروفة كالجافال والتي تسبب مخاطر جمة عند خلطها بمادة «كلورير الحديد «، كما اضطر لعدم توفر حاوية خاصة إلى سكب ما تبقى في التراب لانعدام صلوحيته وخوفا من بقائه عرضة للمس والاستخدام (2). وبغض النظر عن الطبيعة الكيدية والمتهافتة للتهمة وهذا المقال ليس مجال الخوض فيها فإنها كانت فرصة مناسبة للاطلاع على واقع الحماية من الأخطار في المؤسسات التربوية . فعند مراجعة واقع المختبرات في المؤسسات التربوية سواء بالنسبة إلى مختبرات الفيزياء والكيمياء أو علوم الحياة والأرض أو التقنية أو بالنسبة حتى لمختبرات الإعلامية، نسجّل الملاحظات المفزعة التالية: 1 أغلب المختبرات في كثير من المؤسسات غير مهيأة لاستيعاب تخزين نوعيات كثيرة من المواد الكيمياوية ولا تتوفر فيها المواصفات الفنية لذلك سواء من حيث المساحة أو من حيث التخزين أو التهوئة أو وسائل الحماية . 2 لا نوجد داخل المختبرات في المؤسسات التربوية إشارات أو علامات أو توجيهات حول المخاطر وأساليب الوقاية و الحماية منها. 3 لا تتوفر في مخابر المؤسسات التربوية وسائل الحماية اللازمة من الأخطار وإن وجدت ففي خارج فضاء المخابر أو هي غير صالحة للاستعمال ، كما لا تتوفر في المختبرات المستلزمات الضرورية لجمع وتخزين المواد المستهلكة من أوعية وحاويات ومنظومة تجميع ونقل للنفايات على ضعف كمياتها (3) كما لا تتوفر فيها بعض وسائل الحماية الضرورية مثلا كالمتعلقة بالحماية من الصدمات الكهربائية (Fil de terre) . 4 تحولت بعض القاعات المختصة إلى قاعات درس عادية وتم التقشف في تجهيزاتها بالحد الأدنى، أو أقل من الأدنى، من الوسائل والوسائط ، فخلا بعضها من أحواض الماء وانقطع عنها الماء وغابت النوافذ أو سدت بالمسامير بعد تحطم أقفالها فغابت التهوئة وليس فيها شافطات هواء (Hottes )4. 5 علاوة على نقص العدد فأعوان المخابر لا يتلقون تكوينا متواصلا في مجال الحماية من المخاطر وإن وجدت حلقات فهي نادرة ومتباعدة في الزمن، فضلا عن الانعدام الكلي لهذا التكوين بالنسبة للمدرسين. 6 استخدام بعض المواد الخطرة على الصحة والتي آن الأوان لتعويضها إن أمكن أو توفير الظروف الحمائية الضرورية لاستخدامها وإيجاد آليات مضمونة لإبلاغ المعلومات إلى جميع المؤسسات والشعب وتعليقها في المخابر في حال إلغاء أي مادة من المواد. 7 الكثير من الورشات في المدارس الإعدادية التقنية (مدارس المهن سابقا) في حاجة إلى مراجعة جذرية فيما يتعلق بالمواصفات من حيث المساحة والتهوئة ووسائل الحماية وطبيعة الآلات والأدوات... خاصة أن التلاميذ في هذه السن في حاجة ماسة إلى المراقبة والحماية وهم يتعلمون صنائع متعددة. وفضلا عن كل النقائص التي ذكرت وقد أكون أهملت بعضها ،فهناك فراغ قانوني حول هذه المسالة إذ هناك غياب كلي للتشريعات أو لإحالات قانونية أو حتى لتوجيهات تضمن الحماية وتفرض على جميع الأطراف وبالأساس المشغل وهو وزارة التربية والتكوين أن توفر الحد الضروري من الحماية المادية والمعنوية لمستخدمي المواد الخطرة في المؤسسات التربوية من أساتذة وأعوان مخابر وتلاميذ ، ولا ننتظر حدوث مأساة لمعالجة الأمر بعد فوات الأوان . وبالعودة إلى تجارب الآخرين للاستئناس بها ،اكتشف بعض الأساتذة والنقابيين الذين استثارتهم إحالة زميلهم على مجلس التأديب أن المشرّع الفرنسي مثلا قد انتبه إلى المسألة وعمد منذ أمد إلى خلق منظومة متكاملة حمائية داخل المؤسسات التربوية : فشكّل مرصدا للحماية في المؤسسات التربوية والجامعية .وأفرز هذا المرصد جملة من الإصدارات أكدت أساسا على البحث عن الجانب القانوني والتشريعي للحماية داخل المؤسسات التربوية ضبط جملة من المعلومات والتوجيهات لتوفير ثقافة حمائية وتكوين متواصل يمنع أو يقلل من المخاطر عند استخدام الوسائل والوسائط التعليمية الخطيرة كما أصدر «بطاقة فنية « لكل مادة من المواد المستخدمة للاطلاع والتعلم والوقاية... ففي هذا المجال كما في غيره من المجالات التي تستخدم فيه مواد خطرة ،فإن الحوادث متوقعة وقد تكون نتائجها وخيمة على السلامة الجسدية للعاملين وللتلاميذ ،لذا وجبت مراجعة ذلك مراجعة جذرية بسد الفراغ القانوني عبر إصدار النصوص القانونية والتنظيمية وتشكيل لجان من المختصين لضبط التوجيهات وتحديد محتويات التكوين ووتيرته مواكبة للتطور التكنولوجي والعلمي ورصد النقائص الكثيرة الموجودة إلى الآن في أغلب المخابر التابعة للمؤسسات التربوية ومعالجتها، أي بكلمة ؛ إرساء منظومة متكاملة للحماية داخل المؤسسات التربوية تحدد المسؤوليات وتجنب المخاطر. ------------------------------------------------------------------------ 1 ونحن بصدد كتابة هذا المقال قررت مصالح وزارة التربية والتكوين تأجيل المجلس التأديب الذي كان مقررا عقده يوم الخميس 19 مارس 2009 وهو قرار إيجابي لا فقط لإنصاف الأستاذ المعني بالمجلس إنما نرجوه أيضا فرصة لمراجعة مسألة الحماية داخل المؤسسات التربوية. 2 للملاحظة فإن «كلورير الحديد» من بين أكثر المواد نفعا للنباتات ويباع محلولا في المحلات المختصة بالنباتات. 3 تم منذ سنوات قليلة اكتشاف مواد كيماوية خطيرة ومشعة مخزنة ومهملة بمعهد 9 أفريل بتونس كان يمكن إن تؤدي إلى مأساة حقيقية بالنظر للموقع الاستراتيجي للمعهد 4 بعض التجارب العلمية سامة جدا لأن المواد المستعملة خطرة :ففي تجربة مثلا الحوامض والقلويات (ACIDES et BASES) في برنامج سنوات الثانية والثالثة يتم استخدام كلورير الهيدروجين HCl والأمنياك NH3 . وهي غازات سامة تؤثر على الحنجرة والحلق وينبغي القيام بها في مكان فيه تهوئة وتوفر شافط هوائي .