بالتعاون مع الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري نظمت جريدة الشعب مسابقة في الكتابة الأدبية وكتابة المقال حول موضوع العنف المسلط على المرأة في المجتمع بمختلف أشكاله وقد اسفرت عملية الفرز والقراءة عن فوز التلميذة «أماني ميغري» من مدينة نصر الله بجائزة المسابقة عن نصها «درس» الذي جمعت فيه سلاسة الاسلوب الى عمق المعاني فضلا عن إلمام نصها بمختلف انواع العنف الذي قد تتعرض له المرأة في المجتمع (لفظي، اقتصادي قانوني مادي...). تحصلت الفائزة على جائزة من الوكالة الاسبانية للتعاون الدولي شريك ديوان الاسرة والعمران البشري في برنامج تعزيز التكافؤ بين الجنسين والوقاية من العنف ضد المرأة. وتمثلت الجائزة في كاميرا رقمية. ولمزيد تشجيع هذه الموهبة الصاعدة أهدتها جريدة الشعب مجموعة قيّمة من الكتب والقواميس وقد سلمت لها الجائزتين بمقر المندوبية الجهوية للأسرة والعمران البشري بالقيروان. تهانينا للفائزة وأمانينا بنصوص اخرى في مستوى جودة هذا النص. المشاركة الفائزة في مسابقة «الشعب» للشباب قد تستطيع قطرة ماء واحدة ان تغلغل داخل رمال صحراء عطشى ولكن من المستحيل ان تمحو جفافها وجفاءها لأنها قابعة راكدة في انتظار مساحات من السحاب ومسافات من الامطار. وانا امرأة الزمن الجاف، في الساعات العاصفة أعيش، أحاول ان أتملص من طحالب المستنقعات المظلمة، بي أعاصير مدوية، فوضى قد لا أجد طريقا لإعادة ترتيبها. انها الصدفة، لا تلك التي تأتي سهوا او عفوا، بل تلك التي تأتي مع سبق الاصرار والتعمد، جمعت بين أم تعتنق النمطية التقليدية مذهبا في تربية أبنائها، وأب لا يعرف غير ما ورثه عن أجداده. وبينهما تسعة ابناء، يتطلعون الى الخروج عن المعتاد كما يتطلع الحنين طيلة تسعة أشهر الى مزاولة فصل الحياة... كنت اكثرهم تعلقا بالاندفاع نحو المستقبل وأشدهم تمسكا بهجر التقاليد البالية، قررت ان أهجرها الى وطن لا يلفظني في لحظة، بل يحتويني داخل صفحاته ويكتبني رواية لا تتعفن في ذاكرة الزمن وهكذا كان... كان طريقا وعرا مليئا بالالغام الخفية، والحواجز الأمنية اللامبررة، والمدافع المعدة لتنطلق في اي حين. تسلقت مدارج العلم واندفعت أتذوق المعرفة حبة، حبة، وأنجح عاما تلو عام وأنال الشهادة مرة، مرة، وتحديت من أرادوا جعلي الفصل الاخير لحكاية اضطهاد امرأة، واخراجي في نسخة مقلدة عن حياة أمي. تجاوزتهم وتجاوزت ذاتي، ذهبت الى الجامعة ونلت شرف درجة طالبة هناك بنيت قلعة استكين اليها، وفيها عالمي المثالي. طرق الحب بابي مرة، فصرفته، أعاد الكرة، فرجوته ان لا يصيب قلبي المهترئ بالطعنات ولكنه أصرّ، فأصررت على الزواج وكان ذلك... أضحيت زوجة، لوحة ذات لونين، لون المرأة المستقلة بعملها التي لا يقهرها الماضي، ولون الزوجة التي تصارع لكتمان خيانة زوجها عن نفسها، ولكن الغدر كان أوضح من ان تمحوه محاولات يائسة للنسيان. تلك المرأة، أنا... تجرعت الذل على مهل، وترشفت العنف على مرار، تأتيها الصفعات ساعية على طبق من الغضب الذكوري، فلا تجد سبيلا لسد ثغرات الحزن الا الطلاق، وهو في مجتمع نمطي اكبر جريمة يمكن ان تلازم المرأة. طلقته وطلقت معه أياما مليئة بنشوات انتقامية متقلبة الاحوال ورعود جنونية لا ميقات لها، ولكني لم أطلق رحلة العذاب ولم أتخلص من حتمية المأساة التي كابدت دوما لترافقني في مشواري. أم مطلقة وبنت وولد، هما كل ما تحتاجه لتصر على الكفاح من اجل قهر القدر وتخطي أنظمة الموت البطيء والفوز في معركة خاسرة. كل يوم، أستنشق أشعة الشمس، أتغذى بخبز الامل وأمتطي بساط التحدي جسرا اعبره الى الضفة الاخرى لليوم الموالي. لن أكون الملحق التكميلي لإرضاء عقد رجل الجنون، لن أكون ضمادة جراح لرجل لا يكتفي بالطعن للتشفي من الانوثة، لن أكون له كما قال مطلقة تبحث عن رجل... يطلب مني ما قال ان الجميع يتخذونه موضة سارية المفعول بحكم اجماعي، وأنا امرأة أقدس العمل، يطلب مني ان أخون ذاتي وفضيلتي كأم، في مقر عملي. أهدده، بأنني امرأة، ولي حقوقي واني سألتجئ الى القانون، لكنه يضرب بكل هذا عرض الحائط وطول اللامبالاة، ويظل يدعوني الى الخطيئة وأنا أعرض وأظن أهدده وهو لا يبالي. والآن، لا أعرف، إن كنت حقا سأنفّذ تهديدي فتفوح مني رائحة الغضب وقد اصبح في قفص الاتهام خاصة وان صفة مطلقة تمنحني ما يكفي من الشبهات لنيل عقوبة الاعدام بالصدمة الاجتماعية أم أتجاوزه وأبحث عن عمل جديد... ولكن خوفي، ان أرى في المستقبل ابنتي تكرر حياتي وتدور في حلقة مفرغة بين الثورات والنكسات. إن صمتّ فإني أعلمها الصمت والاستسلام لقدرية كونها امرأة، وان تكلمت فإني أعلمها، بكل صمت وهدوء، كيف تثور على الظلم وتنفض غباره الذي تكثف. فليكن إذن، سأتكلم مهما كلفني الامر، حتى وان خسرت عملي او خسرت قضيتي، المهم ألا أخسر ذاتي ولا تخسر ابنتي درسها في الحياة... أماني ميغري باكالوريا رياضيات