بتوقيع اتفاقية 11 ديسمبر 1981 بين النقابة العامة للتعليم الاساسي ووزارة التربية تم رفع المظلمة على المعلمين وذلك بتخفيض ساعات العمل للمعلم من 30 ساعة الى 25 ساعة ولمعلمي التطبيق من 25 ساعة الى 20 ساعة بعد ان تأكد وتبين للجميع ان مهنة التدريس رُتّبت عالميا الأشقى بعد العمل في المناجم. كما تم ضبط مقاييس الارتقاء الى رتبة معلم تطبيق. ومع اندلاع الازمة النقابية وضرب الاتحاد العام التونسي للشغل في أواخر سنة 1985 تم التراجع في هذا الاتفاق من قبل الوزارة (1) وبذلك تم ضرب هذا المكسب الحيوي الى حدود انقشاع الازمة بعد سنة 1987 وعاد الحوار مع الهياكل النقابية فأعادت مطلب التخفيض منقوصا اي بفارق ساعتين ونصف عمل لمعلمي التطبيق عما كان معمولا به سابقا ساعتان ونصف عمل في القسم لمن هم دون 20 سنة أقدمية وبالاختيار لمن لهم 20 سنة أقدمية فما فوق من العمل في القسم او التنشيط الثقافي او مساعدة المدير وتم تثبيت ذلك في القانون الاساسي الصادر بالرائد الرسمي بتاريخ 5 ديسمبر 2003، (2) وبقي مطلب تخفيض ساعات العمل محل تفاوض بين وزارة الإشراف والنقابة العامة للتعليم الاساسي منذ تلك الفترة والى يومنا هذا واصبح هذا المطلب من أوكد المطالب واكثرها إلحاحا خاصة مع بداية العمل بالمقاربة بالكفايات التي فاقمت الوضع وأفقدت التخفيض السابق أهميته وهذا ما نسعى لإثباته لاحقا من خلال تفكيك مراحل الطريقة الجديدة وما تتطلبه كل مرحلة من وقت ستكشف عنه الأرقام من خلال التقييم الموضوعي بعيدا عن التمويه والمزايدات التي تفقد المبحث قيمته. مكونات الطريقة ان العمل بالمقاربة بالكفايات التي عمّمت بالكامل في المرحلة الاولى من التعليم الاساسي خلال السنة الدراسية 2005 2006 انعكست سلبا على المعلمين لما تفرضه هذه الطريقة من تمشّ جديد للعمل مقسّم الى وحدات تستغرق كل وحدة منها قرابة ثلاثة اسابيع وتمر بالمراحل التالية: التعلم المنهجي التعلم الإدماجي التقييم والدعم والعلاج التعلم الإدماجي مع نهاية التعلم المنهجي وبداية حصة الادماج تبدأ متاعب المعلمين التي لم تكن في الحسبان، ولإنجاز هذه الحصة مطلوب من المعلم (ة) بذل جهد وتركيز اضافيين لإعدادها، وهو أمر على غاية من الصعوبة تحضيرا وانجازا بالقسم. وحسب التقديرات الموضوعية التي قمنا بها بعد استشارة عينة واسعة ومتنوعة من المعلمين والمعلمات وجدنا ان معدل الوقت اللازم لاعداد هذه الحصة يتطلب 6 ساعات. التقييم في اليوم الموالي المباشر لحصة الإدماج تنجز هذه الحصة، وأتعابها تتجاوز من حيث تجهيز الروائز وما يستغرقه من وقت (4 ساعات تقريبا) والصعوبة الحقيقية تكمن في اصلاح الروائز ورصد الاخطاء المسجلة لإعتمادها في إعداد تمارين الدعم والعلاج للحصة الموالية. ان انجاز كل هذه الاعمال في هذا الحيز الزمني المضغوط عملية شاقة وعسيرة بشهادة العديد من المشرفين الميدانيين، من متفقدين ومساعدين بيداغوجيين فما بالك بالمعلمين والمعلمات الذين يكتوون بنارها ويئنّون من وطأتها. فإن كان المدرس يدرس قسما واحدا على سبيل المثال فعليه ان يقيّم تلاميذه في خمسة مواد (5) على اقل تقدير وان كان معدل عدد التلاميذ بالفصل 26 تلميذا فإنه مقبل على اصلاح 130 رائزا (26 x 5 = 130). فإن كان الرائز الواحد يستغرق ثلاث دقائق (03) اصلاحا فإن العملية تقتضي الى (130 x 3 = 390 دق) أي 6 ساعات ونصف الساعة في الليلة الواحدة. الدعم والعلاج تبدأ هذه الحصة بتصنيف الأخطاء وتحديد مصادرها ومن ثم اعداد تمارين الدعم والعلاج لكل مادة اي اضافة أربع ساعات (4 ساعات) مع اضافة باب الزمن المخصص لإنجاز تخطيط الوحدة الموالية المقدر بثلاث ساعات على اقل تقدير. في النهاية نجد ان المعلم يقضي 9 ساعات عمل متواصلة بالبيت لا يراه احد مع 5 ساعات عمل بالقسم لنجده في النهاية يعمل 17 ساعة في اليوم الواحد. وهذا من الأسباب الرئيسية والاكيدة في تغيب العديد من المعلمين اضطرارا خاصة في آخر كل ثلاثية مكرهين تحت وطأة الارهاق المميت ليصبح تعميم الاسبوع المغلق في المدارس الابتدائية ضرورة ملحة اقتضتها هذه التطورات ويفسح المجال للتلاميذ لاجتياز الاختبارات الثلاثية في ظروف افضل. كما لا يفوتنا ان نسجل كم هم الزملاء والزميلات الذين قضوا بسبب الامراض المزمنة كتصلب الشرايين وضغط الدم والامراض العصبية وتقرح المعدة ومرض السكري وبالخصوص الإنزلاق الغضروفي في مستوى الرقبة والامراض العصبية التي تلازمهم طيلة حياتهم لتتحول الى امراض مزمنة وبإمكان الوزارة ان تكشف عن عدد المعلمين والمعلمات المصابين بأمراض طويلة الأمد مما يستدعي العناية الطبية المبكرة بإجراءات وقائية منها القيام بفحوصات على جميع المعلمين في مفتتح كل سنة دراسية وهذا ما تقتضيه أبسط اجراءات السلامة المهنية وهذا احد المطالب التي بقيت دون عناية تذكر لذا يجب ان نتدارك هذا الامر عاجلا لتكون المتابعة الدقيقة لهذا الموضوع منتظمة وذات جدوى حفاظا على سلامة المعلمين. الجدول بالتمعن في الجدول السابق نستخلص ما يلي: أولا: بعد كل وحدة تعليمية نجد ان المعلم يعمل 23 ساعة ونصف اضافية بعد كل وحدة تعليمية أي بزيادة اكثر من شهرين عمل في الجملة خلال كل سنة دراسية وبالتالي تُسلب منه راحته السنوية بالتقسيط. ثانيا: هذا الامر لا يمكن تداركه الا بمراجعة جزئية لساعات عمل المعلم بما يتناسب وحجم الزيادة الحاصلة إذا وضعنا في الحسبان أن مهنة التعليم مصنفة عالميا من أشقى المهن لتصبح في الصدارة بعد الثورة التكنولوجية الحديثة التي يشهدها العالم. والنقابة العامة محقة في طرح هذا المطلب على طاولة المفاوضات من جديد والمعلمين اصبحوا اكثر تشبثا به (3) لأن مؤشرات الإلتفاف عليه نلتمسها من عدم فصل زيادة الساعتين تدريس عن بقية ساعات التدريس بالنسبة للسنة الأولى والسنة الثانية في دليل التنظيمات البيداغوجية التي يتعارض صراحة مع القانون الاساسي في احد بنوده الاساسية بالنسبة الى معلمي التطبيق الذين لهم 20 سنة أقدمية فما فوق، فهم مخيّرون بين العمل في القسم او التنشيط الثقافي او مساعدة المدير وهنا موطن الإلتفاف نتحسب من تحوله الى تراجع صريح في تحديد ساعات العمل وهو امر على غاية من الخطورة. فالحريص على العملية التربوية عليه ان يصغي جيدا الى رأي النقابة العامة ويتمعن جيدا في مطالب المعلمين ليفاوض بروح من المسؤولية ويقرّ في البداية بالزيادة المهمة في حجم ساعات العمل من جراء التحويرات التي أدخلت هذا أولا، ومن ثم يبدأ في ايجاد الحلول للمسائل العالقة ان كانت الوزارة فعلا جادة في تحسين وتطوير المنظومة التربوية وحريصة فعلا على المساهمة من جانبها في توفير مواطن الشغل للعاطلين عن العمل من اصحاب الشهادات العليا حسب ما جاء في بلاغاتها. فالفرصة تصبح سانحة لتشغيل الآلاف منهم لتدريس الاعلامية وخاصة الانليزية والتربية التشكيلية وكلها مواد أرهقت المعلمين وأثقلت كاهلهم دون جدوى. وان السكوت على الامر وعدم إثارته مضرّ بالمعلمين وبالمتعلمين اساسا لأن تدريس هذه المواد من طرف اهل الاختصاص هو أحد المداخل السليمة لتطوير مردودية المنظومة التربوية على اسس واضحة وصلبة لتحقيق النجاعة المنشودة في معالجة النقص الحاصل لدى التلاميذ في مجالات اللغة والرياضيات. (1) الأمر عدد 709 لسنة 1986 المؤرخ في 19 جويلية 1986 (2) الأمر عدد 709 المؤرخ في 24 نوفمبر 2003 (3) تقرير حول رأي المعلمين في مطالبهم المهنية الذي أصدرته النقابة الاساسية للتعليم الاساسي بساقية الداير بصياغة سيف الدين السويسي ماي 2006 محمد الهادي كحولي عضو نقابة صفاقس