كيف كنا نستقبل غرة ماي فيما مضى، وهي ذكرى ليست من السهل ان تمر بسهولة، كما يتصورها البعض ممن لم يدركوا هذه المراحل التاريخية التي كانت بحق مراحل شاقة وصعبة، مراحل ضارية وعنيفة، مراحل الصراع المرير، والاشتباكات والمظاهرات والاصطدامات والكر والفر، والتهيئة والاستعدادات، انها بحق طلائع الثورة العارمة على الجيوش الاستعمارية آنذاك وعلى كل من أساء ولم يخلص في حق هذا الشعب والوطن، أشعل لهيبها المقدس، الزعيم النقابي الراحل، بطل الثورة الوطنية الشهيد الخالد فرحات حشاد، بهذه الاستعراضات والمسيرات الشعبية بمناسبة هذه الاحتفالات وقتها بغرة ماي. لقد كان حشاد ولا يزال رمزا للبطولة والشرف، ومثلا أعلى للإخلاص والوفاء والتضحية، لقد سقط حشاد بعد هذا كله شهيدا في خضم هذه المعارك الوطنية، كأعظم وأروع قادات التاريخ دفاعا عن حرية بلاده، لن ننساك أيها الزعيم النقابي الراحل في كل ذكرى من ذكريات غرة ماي، وأنت قد كنت في مقدمة هذه الحشود من الجماهير الغفيرة القادمة من كل حدب وصوب، وما كنا نشاهده ونلاحظه عن كثب من خلال رؤيتنا وحضورنا لحمًا ودمًا هذه الامواج المتلاطمة التي كانت تغص بها الشوارع والانهج والازقة والارصفة والسطوح، وتضيق بها الساحات العمومية، متراصة الصفوف، رافعة الاعلام التونسية الخفاقة ومختلف الشعارات واللافتات الحزبية والنقابية. لقد كانت بحق سواعد يهتز فوقها العلم من العمال والموظفين والطلبة ومن مختلف شرائح المجتمع التونسي آنذاك، تنادي وتردد بسقوط الاستعمار، انه يوم من أيام تاريخ تونس الحافل بالبطولات السياسية والنقابية، ولا يسعني في هذه العجالة الا التذكير بما شهدته تونس في هذه المرحلة التي كانت مرتعا خصبا للأجانب النازحين من مختلف الاقطار الاروربية، وهم الأكثرية والاغلبية الساحقة في تراب تونس وقتئذ: حرام على بلابلة الروض حلال على الطير من كل جنس وقد كانت فرنسا هي التي تتولى تعيين المقيم صاحب السلطة التنفيذية والتشريعية في تونس يروح مقيم ويغدو مقيم والشعب يئنّ ولا من رحيم كانت هذه الاوضاع السيئة والمتردية التي عاشها الشعب التونسي. فعلى اجيالنا القادمة واللاحقة، أن تتذكر وتعي هذا الصراع المرير والعنيف الذي عاشته اجيال من قبلكم، وعلينا اليوم ان نترحم على أرواح هؤلاء الشهداء، وفي مقدمتهم بطل الثورة الوطنية الشهيد الخالد فرحات حشاد.