نجلاء العبروقي: 'مجلس الهيئة سيعلن عن رزنامة الانتخابات الرئاسية إثر اجتماع يعقده قريبا'    صفاقس: اضطراب وانقطاع في توزيع الماء بهذه المناطق    سوسة: باخرة سياحيّة أمريكيّة ترسو بالميناء التجاري وعلى متنها 441 سائحا    تحذير رسمي من الترجي التونسي لجمهوره...مالقصة ؟    الليلة: أمطار غزيرة ورعدية بهذه المناطق    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    عاجل : وزارة التربية تدعو إلى ضرورة التهدئة ونبذ الأنانية في التعامل    الترجي الرياضي: نسق ماراطوني للمباريات في شهر ماي    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    بنزرت: حجز أكثر من طنين من اللحوم    %23 من نفقات الأسر للكهرباء.. جهود مكثّفة للانتقال الطاقي    عاجل : عمل بطولي ''لطاقم التونيسار'' ينقذ حياة أحد الركاب    سفيرتونس بطهران يشارك في أشغال ااجتماع لجنة المشتركة التونسية-الإيرانية    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    خبراء من الصحة العالمية يزورون تونس لتقييم الفرص المتاحة لضمان إنتاج محلي مستدام للقاحات فيها    عاجل/ تلميذ يعتدي على أستاذته بكرسي واصابتها بليغة..    تأخير محاكمة فتحي دمق    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    طبرقة: اصابتان في انزلاق شاحنة توزيع أسماك    اتصالات تونس تفوز بجائزة "Brands" للإشهار الرمضاني الأكثر التزاما..    بطولة مدريد: أنس جابر تواجه اليوم المصفة 20 عالميا    زيادة ب 14,9 بالمائة في قيمة الاستثمارات المصرح بها الثلاثي الأول من سنة 2024    فرنسا تشدد الإجراءات الأمنية قرب الكنائس بسبب "خطر إرهابي"..#خبر_عاجل    حادث مرور قاتل بالطريق السريعة الجنوبية..وهذه التفاصيل..    الحماية المدنية: 18 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    مدنين: ''سمسار'' يتحيّل على مواطن بعقود مدلّسة ويسلبه 3 مليارات    تونس: تفاصيل الزيادة في أسعار 300 دواء    هدنة غزة.. "عدة عوامل" تجعل إدارة بايدن متفائلة    مفاوضات الهدنة بين اسرائيل وحماس..هذه آخر المستجدات..#خبر_عاجل    بطولة إيطاليا: جنوى يفوز على كلياري ويضمن بقاءه في الدرجة الأولى    هام/ هذا موعد اعادة فتح معبر رأس جدير..    تفاقم عدد الأفارقة في تونس ليصل أكثر من 100 ألف ..التفاصيل    توزر...الملتقى الجهوي للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد    مسابقة تحدي القراءة العربي بجندوبة ...32 مدرسة تشارك في التصفيات الجهوية    بالمدرسة الابتدائية سيدي أحمد زروق: تنظيم الدور النهائي للانتاج الكتابي لسنوات الخامسة والسادسة ابتدائي    صدر حديثا للأستاذ فخري الصميطي ...ليبيا التيارات السياسية والفكرية    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    في «الباك سبور» بمعهد أوتيك: أجواء احتفالية بحضور وجوه تربوية وإعلامية    «شروق» على الجهات رابطة الهواة 1 (الجولة العاشرة إيابا) ..مقرين ومنزل بورقيبة يتعادلان والقصرين تضرب بقوة    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    محاكمة ممثل فرنسي مشهور بتهمة الاعتداء الجنسي خلال تصوير فيلم    الاحتفاظ بالمهاجرة غير النظامية كلارا فووي    خالد بن ساسي مدربا جديدا للنجم الساحلي؟    درة زروق تهيمن بأناقتها على فندق ''ديزني لاند باريس''    بطولة الرابطة المحترفة الاولة (مرحلة تفادي النزول): برنامج مباريات الجولة التاسعة    نقطة ساخنة لاستقبال المهاجرين في تونس ؟ : إيطاليا توضح    قيس الشيخ نجيب ينعي والدته بكلمات مؤثرة    تصل إلى 2000 ملّيم: زيادة في أسعار هذه الادوية    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المستقبل مفتوح على كل الاحتمالات، والحربية منها هي الاقرب
قراءة في الحرب الصهيونية العربية (3من 3)
نشر في الشعب يوم 30 - 09 - 2006

يأتي الكاتب الأخ سالم الحداد في الحلقة الثالثة من قراءته للحرب الصهيونية الاخيرة على لبنان إلى بحث تداعيات هذه الحرب على الطرفين الرئيسيين وهما حزب الله واسرائيل من جهة، وعلى مستقبل الصراع العربي الصهيوني وكذلك ايضا على التحالفات على مستوى داخلي وإقليمي ودولي.
أولا خطوة في بداية العد التنازلي للكيان الصهيوني
من البلاهة أن نعتقد أن الحرب السادسة انتهت وأننا انتصرنا وأن الكيان انهزم وانكفأ على نفسه ليحصي أمواته ويضمد جراحه، وأن الإدارة الأمريكية سلمت بسقوط مشروعها.
إن كل ما حققته المقاومة هو أنها وضعت الأمة في الدرجة الأولى من سلم العد التنازلى لانهيار الكيان الصهيوني الذي كاد أن يتحول وجوده إلى حقيقة من المستحيل انتزاعها من الوطن العربي. لقد أعادت هذه الحرب للأمة ثقتها بطاقاتها البشرية وأحيت فيها آمالها وأعطت مصداقية لإحدى مقولات الرئيس الراحل عبد الناصر أيام الجمر « ما انتزع بالقوة لا يستردّ بغير القوة». ومن الصعب على هذا الكيان أن يعترف بالفشل وأن يتخلى عن موقف الاستكبار والعنجهية، وقد يكون أشد تمسكا بالثوابت التقليدية في تعامله مع العرب
ثانيا اهتزاز ثوابت التعامل الصهيوني مع العرب
كل من تابع السياسة الصهيونية يعرف أنها تستند إلى مجموعة من الثوابت في تعاملها مع العرب: مقاومة وأنظمة وشعوبا ومن أبرزها:
أ( إن العرب لا يخضعون إلا لحدّ السيف، والعنف هو الأسلوب الوحيد الناجع لإخضاعهم، وقد كان الكيان الصهيوني العرّاب الذي حاول أن يقنع القوى العظمى بهذا الأسلوب في التعامل معهم، وهل هناك من دليل أقوى من المجازر التي ارتكبتها الصهيونية منذ أن استولت على فلسطين، قديما دير ياسين وحديثا وهي أكثر من أن تعد وأشهرها صبرا وشتيلا وقانا الأولى والثانية والبقاع وغيرها وغيرها
ب( إن التعامل معهم لا يمكن أن يكون إلا انطلاقا من مقولة سيبيون الشهيرة « فرّق تسُدْ» فلا بد من عزلهم عن بعضهم والانفراد بهم الواحد بعد الآخر، فالمساومة الفردية تساعد على المزيد من التنازلات، وهذا ما حصل في مخيم داود وفي وادي عربة وفي أوسلو، فالمفاوضات كانت تجري ضمن مسارات مختلفة : إسرائيل مصر، إسرائيل لبنان، إسرائيل الأردن، إسرائيل فلسطين إلخ
ج( لا يمكن التفاوض معهم وهم في موقع القوة، فلا بد من كسر شوكتهم أولا وتجريدهم من إمكانيات المقايضة، وبهذا يكونون أكثر قابلية للإملاءات والرضا بالفتات
د) لابد من إطفاء أية بارقة أمل تلوح أمامهم أو أي إحساس بالنصر قد يسكنهم، وهذا ما نلمسه في ردود الفعل على أية عملية فدائية، فالضربة المضادة يجب أن تكون أقسى وأمرّ مذاقا وأشد إحباطا، وهو نوع من العقاب الجماعي هدفه تأليب الرأي العام على حركة المقاومة باعتبارها السبب المباشر لردود الفعل
هذه الثوابت هي ستكون المنطلقات الأساسية التي سيتعامل الكيان الصهيوني على أساسها مع مختلف الأطراف العربية دون أن يهمل ما أفرزته الحرب السادسة من مستجدات على الساحة اللبنانية والإقليمية والعالمية، فما هي احتمالات التعامل المستقبلية ؟
ثالثا الاحتمالات المستقبلية
1 حزب الله والتحالف الاستعماري الصهيوني والأمريكي
لا أتصور أن الإدارة الصهيونية ستغفر لحزب الله ما كبدها من خسائر عسكرية كسرت شوكتها وحطمت هيبتها فذهبت في مهب الريح أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وهو مركز الثقل في استراتيجيتها العسكرية والسياسية. وليس من السهولة أن تهضم الإدارة الأمريكية الفشل غير المنتظر لمشروع الشرق الأوسط الجديد بعد أن أعلنت كونداليزا رايس عن ميلاده والمعركة في عنفوانها، وكانت واثقة من النصر الصهيوني، وقد وظفت نفوذها أكثر من مرة في تمديد استمرارية المعركة. فكل الدلائل تشير إلى أن ما وقع ليس إلا جولة عقبتها استراحة الفارس لتُستأنف المعركة من جديد، يحاول فيها كل طرف أن يحسم الصراع بالضربة القاضية، غير أن الحسم بهذه الطريقة يكاد يكون مستحيلا لأن مثل هذه المعارك لن تُنهي صراعا تاريخيا بين إرادة الحياة والحرية والرغبة في الهيمنة والتدمير.
ويبدو أن الغاية من الزيارة التي أداها أولمارت إلى أمريكا والتي أعلن أنها لجمع التبرعات قد رسمت المعالم السياسية للمرحلة القادمة، والنقطة المركزية في الخطة الجديدة هي كيف يقع القضاء على مقاومة حزب الله؟ وللقيام بهذه المهمة سيضاعف الكيان الصهيوني تنسيقه مع الإدارة الأمريكية لاسترداد ما ضاع منهما في الجولة الأولى. وسيتواصل توزيع المهام العسكرية والسياسية بينهما، مع الترويج لرغبتهما في السلام ومقاومة الإرهاب وهناك احتمالان :
أ أن تتولى الآلة الحربية الصهيونية بنفسها هذه المهمة، وهذا سيكلف أمريكا إحراجا دوليا، لأن المنطقة العازلة في الجنوب اللبناني صارت تحت مراقبة القوات الدولية التي لم تحدد مهمتها بعدُ، ولن يكون ذلك بالأمر الهين
ب أن تنهض بهذه المهمة القوات الدولية، لكنها قد لا تكون قادرة على ذلك، ومن هنا يتوجب إصدار قرار دولي يشرع تجريد المقاومة من سلاحها أولا ثم يقع النظر في طريقة التنفيذ التي ستكون شرعية مهما كان المنفذ. غير أن هذه المهمة ليست بالسهلة فأمامها تعقيدات على مستوى لبناني وإقليمي ودولي ، ففرنسا تريد أن تلعب دورا قياديا ومتوازنا فهي تريد أن تحمي لبنان من سوريا ومن الكيان الصهيوني، وهذا ما سيجعلها تصطدم بهما معا، وسوف لن يرضي هذا الدور أمريكا التي تحرص دوما على أن تكون اللاعب الرئيسي في المنطقة.
وإذا نجحت هذه الخطة فستحقق أمريكا والكيان الصهيوني مجموعة من الأهداف :
أ تجريد إيران من هذه القوة الحيوية المتخندقة في قلب المنطقة البركانية المتفجرة ومركز ثقل المصالح الغربية، فهي موقع استراتيجي متقدم يهدد الكيان الصهيوني وحلفاءه
ب حرمان النظام السوري من أهم أوراق اللعبة السياسية التي مازال يمتلكها ويضغط بها على كل الأطراف، فلا سلام في المنطقة بدونه
ج إعادة الاعتبار للأغلبية البرلمانية قوى (مارس ) المعروفة بمعاداتها للنظام السوري واالتي تبحث عن حماية خارجية تعادل بها الدعم الذي يتلقاه حزب الله من سوريا ومن إيرا ن.
د تخليص الأنظمة العربية المراهنة على أمريكا من فصائل المقاومة الرافضة للمشاريع الأمريكية الانهزامية، وقد سبق لهذه الأنظمة أن وجهت انتقادات لاذعة لحركة حماس ولحزب الله، وبذلك رفعت غطاءها عنهما وهذا ما شجع الكيان الصهيوني على توجيه ضرباته التدميرية للبنان وإلى تكثيف عمليات القتل والملاحقات في فلسطين.
2 التحالف الامريكي الصهيوني والنظام السوري
تدرج الولايات المتحدة النظام السوري ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب، فهو الذي يحتضن المنظمات الفلسطينية الإسلامية مثل حماس والجهاد الإسلامي وهو الذي يدعم مع إيران المقاومة الإسلامية بالمال والسلاح.
وتشكل هذه المنظمات أرصدة سياسية لها في كل المفاوضات المحتملة مع الكيان الصهيوني. ولذلك نلاحظ أن الشرط الأول الذي تضعه أمريكا هو إبعاد المنظمات التي تصنفها ضمن قائمة الإرهاب، وهذا ما ترفضه دمشق. وقد استغل الرئيس السوري فشل الكيان الصهيوني في حربه على لبنان ودعمه المعروف لحزب الله ليطرح استعداده للتفاوض، ولم يتخلف الكيان الصهيوني عن رد التحية بالمثل حيث أعلنت وزيرة الخارجية عن بداية إعداد الملفات، وفي تقديري إن المسار السلمي لن يأخذ طريقه إلى حيز الواقع مادامت الإدارة الصهيونية مهزوزة وتعيش أزمة ثقة، ولن يكون ذلك قبل أن تسحب البساط من النظام السوري بشل حركة المقاومة اللبنانية حتى تكون كلمة الكيان الصهيوني هي العليا.
3 التحالف الأمريكي الصهيوني والنظام الإيراني
يشكل النظام الإيراني إشكالية صعبة في المعادلة السياسية المطروحة في المنطقة العربية، فهو من ناحية النظام الوحيد الذي يعلن عدم شرعية وجود الكيان الصهيوني ويدعم حركات المقاومة المقاتلة وفي مقدمتها حزب الله الذي حقق أول نصر على العدو، ويستعد لامتلاك السلاح النووي الذي سيخلق توازنا رادعا، وهذا ما تخشاه الولايات المتحدة وحلفاؤها، ولكنه من ناحية أخرى الحليف الموضوعي لأمريكا في القضاء على النظام العراقي والنظام الأفغاني، ومازال يحتل بعض جزر الإمارات العربية المتحدة، والأخطر من ذلك أن أنصاره في العراق وبالتحديد المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق رفضوا حمل السلاح ضد المحتل الأمريكي وانساقوا وراء حرب أهلية شرسة بين السنة والشيعة مازالت نارها ضارية ويسعون إلى تمزيق الوحدة العراقية بإصرارهم على إقامة النظام الفدرالي.
هذه الإشكالية الصعبة هي التي أثارت الجدل حول الدور الإيراني في المنطقة:هل الثورة الإسلامية الإيرانية تنهض بدور تحريري يساعد الأمة العربية على مجابهة أعدائها الاستعماريين والصهاينة أم أن الدعم الذي تقدمه للمقاومة لا يتعدى ورقة الضغط التي قد تسقط عند المساومة والمقايضة.
ومن هنا جاء انقسام الساحة العربية أنظمة وحركات حول الدور الإيراني، فقد عبرت الدول العربية المراهنة على الولايات المتحدة عن تخوفها من أطماع إيران في المنطقة العربية، واتهمتها بأنها تثير الفتن الداخلية استنادا إلى الأقليات الشيعية وتطمح إلى تغيير الأنظمة. وقد استغلت الدول الاستعمارية هذه الهواجس المتنامية خاصة لدى دول الخليج لتقدم لها حمايتها بإقامة قواعد عسكرية على ترابها، ولتجهز جيوشها. فهي تخلق لها المشكل لتقدم لها الحل. أما حركات المقاومة فقد وجدت لديها الدعم المادي والمعنوي وهذا ما سوغ شعبيتها في الشارع العربي دون التعمق في مواقفها السياسية السلبية من أفغانستان والعراق والإمارات
وفي هذا الإطار سيقوم تعاون وثيق بين الولايات المتحدة والكيان الصهيوني لتحقيق ثلاثة أهداف:
أ( تصفية حزب الله كقاعدة متقدمة لإيران في خصر الكيان الصهيوني
ب( تسليط الضغوطات وتقديم الإغراءات للنظام السوري حتى يفك ارتباطه بالنظام الإيراني
ج ( تجنيد القوى العظمى في المجتمع الدولي لوضع النظام الإيراني بين خيارين لا ثالث لهما
إيقاف مشروعه النووي ووضع مختبراته تحت مراقبة الوكالة الدولية للطاقة
تحمّل نتيجة حرب شاملة تشنها القوى العظمى، تبدأ بحرب اقتصادية وتنتهي بحرب عسكرية تدميرية قد تذهب بحكم آيات الله، وقد يكون الكيان الصهيوني رأس الحربة في هذه الحرب.
ولا أعتقد أن النظام الإيراني سيختار الخيار الثاني فهو حريص على المشروع النووي ولكنه أشد حرصا على الثورة الإسلامية لكن بعد استنفاد كل طاقة للمناورة، وقد برع الفرس في ذلك منذ أقدم العصور ألم تكن لعبة الشطرنج وهي لعبة الصبر والمناورة من إبداعاتهم؟
4 رؤى ومشاريع
لقد وضعتنا الحرب السادسة أمام رؤيتين أو بالأحرى مشروعين لمجابهة المشروع أو المشاريع الاستعمارية فما هي أهم ملامحها:
أ المشروع الاستعماري
تتعرض المنطقة العربية والإسلامية منذ بداية القرن التاسع عشر إلى هجوم استعماري متواصل تسلسلت حلقاته على امتداد قرنين واختلفت أشكاله، فهو يتراوح بين الاحتلال والاستيطان واغتصاب الأرض والغزو الحضاري. ومن أهم المشاريع التي ظهرت في المغرب العربي والتي استهدفت وحدته وهويته: الظهير البربري والتجنيس والمؤتمر الأفخارستي سنة 1930وقبلها كان المشروع الصهيوني 1917 وقبلها وبعدها كثير. وقد تصدى له العرب والمسلمون بأساليب نضالية متعددة أيضا، فكانت دعوات الإصلاح والنهضة والحداثة على مستوى فكري، وكانت حركات التحرر الوطني التي جاهدت من أجل السيادة الوطنية، ثم أدركت الجماهير وطلائعها أن الدولة الوطنية بإمكانياتها المحدودة غير قادرة لا على تحقيق التنمية التي بررت به وجودها ولا على استرجاع الدور التاريخي للأمة في تأمين مناعتها واسترداد حقوقها المغتصبة وفي مقدمها تحرير فلسطين التي كانت ضحية لتحالف استعماري وصهيوني. ومن هنا ظهرت الحركات ذات الأبعاد الوحدوية التي نزلت نضالها ضمن إطار أوسع وأشمل. وأخيرا أتى مشروع الشرق الأوسط الكبير في القرن الواحد والعشرين ليكون شاهدا على الطابع الشمولي للغزو الإمبريالي الصهيوني. فلم تعد المطامع الاستعمارية تقتصر على الاستغلال الاقتصادي بل صارت تسعى لتأبيد القصور العربي من خلال تمزيق البنية الديمغرافية وتفتيت الوحدة الترابية وتغيير البنية الفكرية والنفسية
غير أن الحركات السياسية المناهضة للاستعمار تباينت في أساليب المجابهة، فالكثير منها اختزلها في الصراع الطبقي باعتباره الآلية المحركة لمسيرة التاريخ، والبعض الآخر اختزلها في البعد الديني، ورأى أن الإسلام هو الحل. وقد احتل الصراع بين اليمين واليسار حيزا هاما من نضالات الأحزاب الوطنية دون أن يفرز أية إضافة. إلا أن المشاريع الاستعمارية التي شرعت الولايات المتحدة في تنفيذها بفلسطين والعراق ولبنان والسودان والصومال نبهت الكثير من مناضلي هذه التيارات إلى أن الصراع مع القوى الإمبريالية هو أشمل من البعد الطبقي أو الديني، فهي تشملهما لكن لا تقتصر عليهما وهي تستهدف الإنسان حسا ومعنى، طاقة وهوية، وتروم السيطرة على الأرض ما ظهر على سطحها وما خفي في باطنها. فحضارتنا معرضة للهدم وشعوبنا مهددة بالاستنساخ وأرضنا مغتصبة ومستنزفة.
وكانت فلسطين الميدان الذي اصطدم فيه المشروع الاستعماري الصهيوني بالمشروع القومي التحرري، وما زال الصراع محتدما، وهو إلى حد بعيد صراع وجود لا صراع حدود، فبقدر ما يسعى الكيان الصهيوني إلى التمدد وصولا إلى الحلم التوراتي «أرضك يا إسرائيل من الفرات إلى النيل» فإن حركة التحرر العربي تناضل من أجل بناء مجتمع عربي واحد ينهض على الديمقراطية والعدالة الاجتماعية ويوفر الرفاه والكرامة لمواطنيه.
وطوال العقود الأخيرة كانت المعارك سجالا بين الطرفين، ورغم اختلال موازين القوى لفائدة العدو الصهيوني وحلفائه من الاستعماريين، فإن حركة التحرر العربي تمكنت من الصمود وقدمت ملايين الضحايا، وما الحرب السادسة إلا محطة محطات هذا الصراع وحلقة من حلقاته المتواصلة، غير أنها وضعتنا من جديد أمام مشروعين جديدين لكيفية إدارة الصراع مع العدو الصهيوني والإمبريالي. ترى أين يتجلى ذلك ؟
ب مشروع التصالح مع الكيان الصهيوني
لقد سبق أن أطلقتُ على هذا المعسكر تسمية « الدول العربية المراهنة على الولايات المتحدة « ويمكن أن أذكر ثلاثة دول على الأقل من هذا المعسكر هي: مصر والأردن والسعودية وهي الدول التي لم تكن مرتاحة للحرب السادسة.
وبالرغم مما بين هذه الأنظمة من تباينات على مستوى النمو الاقتصادي والاجتماعي والبنى المؤسساتية السياسية والثقافية، فإنها تحمل تقريبا نفس القناعات في التعامل مع القوى الإقليمية والدولية. وأهم هذه القناعات:
أ) إن فلسطين شهدت منذ تحولات جغرافية وديمغرافية لا يمكن تجاهلها، وعلى العرب أن يتعاملوا معها بواقعية.
ب( إن موازين القوى العسكرية مختلة لفائدة الكيان الصهيوني ولا سبيل لتغييرها في الظروف الحالية ، فهي تحظى بدعم أكبر قوة عالمية ليست مستعدة للتخلي عنها ولا قدرة للعرب على مجابهتها.
ج(إن المارد الأمريكي يطالبها بإدخال إصلاحات ديمقراطية جذرية قد تذهب بكراسيها وعروشها، لذا لا سبيل لتجنب المواجهة إلا بتقديم تنازلات لمن يمسك برقابها، وقد سبق للنظام المصري منذ عهد السادات وللنظام الأردني منذ عهد الملك حسين أن أعلنا نهاية الحرب مع الكيان الصهيوني، وجاءت الضغوط الجديدة بعد 11سبتمبر2001 لترسخ حالة العجز والخوف والتي طالت النظام السعودي وغيره من الأنظمة العربية التي هرولت نحو التسليم والاستسلام رغبة في السلامة
د( إن الدول العربية صارت مهددة بعدو جديد هو الثورة الإسلامية في إيران التي لا تقل خطرا عن العدو الصهيوني، وهو عدو مشترك لهذه الدول ولأمريكا.
إن هذه القناعات دفعت هذه الأنظمة العربية إلى أن تتعاون مع الولايات المتحدة لتحقيق مجموعة من الأهداف:
حل الصراع في الشرق الأوسط بإقامة دولة فلسطينية بجانب الكيان الصهيوني وبذلك تنهي الصراع التاريخي بين العرب والصهاينة، كما تعهد بذلك الرئيس بوش.
ردع العدو الإيراني الذي يشكل خطرا مشتركا،وهذا ما تروج له كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ، فهما يهولان من خطر الثورة الإسلامية ،ويحثان دول الخليج على المزيد من التسلح استعدادا للمجابهة، وفي هذا الإطار تأتي صفقات السلاح من أمريكا ومن بريطانيا، والحقيقة أن هذه الصفقات ما هي إلا عمليات ابتزاز لمداخيل الثروة النفطية لتحسين وضعية ميزانيتها.
نتيجة لهذه القناعات صارت المقاومة تزعج هذه الدول بل إنها تشكل عبئا عليها وتحرجها أمام الولايات المتحدة حليفها وراعيها، وترى فيها عملا طائشا بل هو قفز في المجهول، فهي من ناحية تعطل الحلول السلمية التي تعهدت بها الرباعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وهي من ناحية أخرى تفسد عليها برامجها الاقتصادية والسياسية التي رتبتها على أساس التصالح مع الكيان الصهيوني والاستفادة من إمكانياته المالية المباشرة وغير المباشرة، ومن هنا جاء احترازها على حركة حماس وحزب الله واعتبرت عملية أسر الجنود مغامرة غير محسوبة، لكنها في نفس الوقت كانت غير قادرة على مواجهة الرأي العام العربي الذي انتفض في كل الأقطار العربية تدعيما للمقاومة اللبنانية والفلسطينية، ولم يول أي اهتمام لمواقف التشكيك التي أبدتها دول هذا المعسكر. وهذا ما اضطرها لتغيير مواقفها السياسية ودعم المقاومة، فبادرت جامعة الدول العربية بدفع من أمينها العام إلى وضع ثقلها في الميزان الدولي. وبالرغم من أن تأثيرها كان محدودا في تغيير القرار الدولي لكنه كان مؤشرا على إمكانية الفعل إذا توفرت الإرادة.
وقد قطعت هذه الأنظمة عدة خطوات في الاعتراف بالكيان الصهيوني وتطبيع علاقاتها السياسية والاقتصادية معه سرا أوعلنا، وهذا ما نتبينه خاصة في علاقة الكيان الصهيوني مع كل من مصر والأردن. وصار دورهما مقتصرا على التوسط بين الإدارة الصهيونية والمقاومة الفلسطينية. وستعمل هذه الدول على عدة واجهات
الواجهة السورية
ستحاول أن تقنع سوريا بالتخلي عن إيران مقابل الدخول في مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة ومفاوضات غير مباشرة مع الكيان الصهيوني.
الواجهة الفلسطينية
ستدفع حركة حماس إلى عدم الانفراد بالسلطة لأن ذلك سيعطل المسيرة السلمية والحل الأنسب هو تشكيل حكومة وطنية تواصل المفاوضات التي انطلقت منذ محادثات أوسلو وفي نفس الوقت ستحث الرباعية على إعادة الاعتبار للقضية المركزية وفتح الملف الفلسطيني من جديد.
الواجهة اللبنانية
على مستوى لبنان ستبادر بتقديم المساعدات للحكومة اللبنانية حتى تزاحم المساعدات التي سبقت إليها إيران عن طريق حزب الله، وليس من المستبعد أن تغض النظر عن العمليات التي تقوم بها لاحقا القوات الدولية لتحجيم دور المقاومة اللبنانية
الواجهة الدولية
سيكون التركيز على الجهود الدولية، باعتبارها الخيار الذي قد يوفر بعض الحلول بعيدا عن التوترات الشعبية التي يخشون عواقبها. وقد أعلن الأمين العام للجامعة العربية أن مشروع السلام قد مات ثم استدرك إنه مات بالاعتماد على أمريكا. لذا قررت الجامعة إحالة الملف من جديد على منظمة الأمم المتحدة باعتبارها المسؤولة على خلق المشكل الفلسطيني، فبقرار منها وقع تقسيم فلسطين وبُعث الكيان الصهيوني.
غير أن هذا القرار لن تكون له أية فاعلية في غياب الدور الأمريكي، فهي قطب الرحى لمختلف القضايا الدولية، فلا سبيل لحل القضية الفلسطينية بمعزل عنها، فهي الضمانة الوحيدة للتقدم بالمسيرة السلمية، بما تملكه من إمكانيات الضغط على الكيان الصهيوني، لكنها في الواقع إمكانيات جد محدودة لفاعلية اللوبيات الصهيونية والمسيحية التي لها سيطرة تكاد تكون مطلقة على المؤسسات المالية ووسائل الإعلام. ولذا فإن تأثير الدول العربية في القرار الأمريكي سيكون ضعيفا جدا لثلاثة عوامل:
أ( إن هذه الدول مهزوزة في بلدانها لغياب الديمقراطية فهي حكومات شبه معزولة عن شعوبها
ب( إنها متهمة من الولايات المتحدة بأنها مفرخة للإرهاب، وهي مطالبة بإجراء إصلاحات سياسية وبمراجعة برامجها التربوية رغم انها على المستوى الاقتصادي فقد كانت سباقة
ج( إنها أقل فاعلية من اللوبيات المؤيدة للكيان الصهيوني في الانتخابات الأمريكية فهذه هي التي تمول الصناديق وتجند الدعاة.
وهذا ما عبر عنه بكل وضوح وزير الخارجية القطري الذي قال إننا نتوسل لأمريكا لمساعدتنا على حل مشاكلنا المعقدة.
ج مشروع المقاومة
ينهض هذا المشروع على حتمية الرجوع إلى الحقوق المبدئية للشعب الفلسطيني، فأرض فلسطين هي حق تاريخي للشعب الفلسطيني، وكل التغيرات التي حصلت على مستوى البنية الديمغرافية والوحدة الترابية باطلة بقطع النظرعن القرارات الأممية التي كانت دوما وراءها مصالح استعمارية. ففلسطين كانت ضحية لتعاون حركتين عالميتين: الحركة الصهيونية والحركة الاستعمارية، ولكل منهما هدفها الخاص من إقامة الكيان الصهيوني، فالأولى حولت أرض فلسطين إلى مستوطنة يهودية والثانية وظفت هذا الكيان لحماية مصالحها في المنطقة. وما بني على باطل فهو باطل.
والحل لن يكون بغير الانخراط في مشروع المقاومة بكل أشكالها السياسية والثقافية والمسلحة. فرد الفعل يجب أن يكون من جنس الفعل
إن الأمة في حاجة إلى نشر ثقافة المقاومة التي تنهض على مجموعة من الثوابت ومنها
أ( التشبث بالحقوق المشروعة لكل الشعوب والأمم: حرية تقرير المصير
ب( الاحتفاظ بسيادتها بعيدا عن كل هيمنة أجنبية
ج( حق الأمم في استكمال بنائها الوحدوي، شأن كل الأمم التي أثرت فيها عوامل التخلف والجهل والاستعمار مثل الفيتنام وألمانيا وهو ما تسعى إليه أيضا كوريا والصين
د( الحق في المقاومة لتحرير الأرض ولاسترجاع السيادة ولتحقيق الوحدة ولمقاومة الاستبداد ولتحقيق الديمقراطية وفي امتلاك كل الوسائل الدفاعية التي تضمن استقلالها وسيادتها بما في ذلك السلاح النووي.
ه( الحق في رفض سياسة التطبيع مع أعدائها الذي يرومون تطويع المواطن العربي لقبول سياسة العولمة اقتصاديا وثقافيا وعسكريا
وقد صارت الأمة العربية حقل تجارب لكل أنواع المظالم وأشكال الغزو مما ولّد الإحساس بالخيبة لدى الشعب العربي من المنتظم الدولي والقوى المؤثرة فيه وخاصة الولايات المتحدة المدعمة للكيان الصهيونية.
وقد جاءت فرصة احتلال أمريكا للعراق فأصبحت قواتها في متناول المقاوم العربي. وهي المرة الثانية التي تقع فيها الولايات المتحدة في فخ المقاومة، لقد كانت الأولى في حرب الفيتنام والثانية في بلاد الرافدين. وقد وجدت نفسها بين خيارين أحلاهما مرّ:
أ الانسحاب ، وقد اعتبره بوش كارثة لأمريكا ولحلفائها وحتى إذا فر الأمريكان فإن الإرهاب سوف يلاحقهم حيث هم ، حينئذ فليحاربوه حيث هو ، لكن التخوف الأمريكي الحقيقي ليس الإرهاب بل إن الانسحاب إنتحار سياسي له ولأنصاره من المحافظين الجدد، ونهاية لمشاريعهم في الشرق الأوسط خاصة وأن الانتخابات الرئاسية القادمة بدأت تنفخ مزاميرها
ب الاستمرار في الاحتلال ، وفي ذلك مزيد من الخسائر البشرية والحربية والمالية.
واختارت الحل الثاني على أمل تزييفه واستبلاه الشعب الامريكي
وقد أعطت حركة حماس والجهاد في فلسطين ومنظمة حزب الله في لبنان والمقاومة العراقية دفعا جديدا، وهي حركات ترفض الوجود الصهيوني وتناهض المشاريع الأمريكية. والحل أمامها هو المقاومة التي ستنتهي طال الزمن أو قصر بإزالة الكيان الصهيوني.
وقد وجد المنظرون لمشروع المقاومة المسلحة في الحرب السادسة التي خاضها حزب الله التجربة الناجحة التي يمكن الاهتداء بها لرسم معالم الطريق لمجابهة الكيان الصهيوني والإمبريالية الأمريكية وأهم ما في هذه التجربة الرائدة:
إن أية حركة مقاومة يجب أن تنزّل نضالها ضمن استراتيجية تحدد أهدافها ومنطلقاتها وأساليبها حتى لا تتحول إلى حركة تمرد ظرفية تظهر وتختفي نتيجة لحدث معين أو تحت تأثير شخصية فاعلة
إن المقاومة الناجحة هي التي تناضل من أجل أهداف إنسانية تضمن لها عمقا شعبيا وإنسانيا وهذا ما حاولت المقاومة اللبنانية توفيره. فرغم بنيتها الدينية والمذهبية فقد أدرجت نضالها ضمن مناهضة الصهيونية والحركة الاستعمارية التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية
إن النصر لا يتوقف على حجم الترسانة العسكرية التي يمتلكها المحاربون بقدر ما يتوقف على الإرادة التي تسكن الثائرين، وتحفز هممهم وتقود خطاهم نحو هدفهم المنشود
نعم إن التجهيزات العسكرية ضرورية في كل مواجهة حربية، إلا أنها قد تعمق الإحساس بالهزيمة إذا لم يحسن توظيفها، فالطيران الصهيوني لم يجلب إلا الإدانة للآلة العسكرية الصهيونية التي استهدفت المدنيين والبنية التحتية والمساكن الآهلة. أما المقاوم اللبناني فقد انتزع إعجاب العدو والعالم بشجاعته وصموده رغم محدودية تسلحه.
إن المقاومة الّتي تنهض على الانضباط والاستعداد للتضحية هي الأداة النضالية الفعلية للصمود عند المحن، غيرأنها قد تكون معرضة لشخصنة القيادة، فكثيرا ما يتحول القائد إلى رمز يجسد جملة المبادئ والقيم التي يُعبأ لها التنظيم ويقاتل من أجلها المقاومون، وهذا ما وقع في مصر فباختفاء عبد الناصر رمز الصمود والتحدي اختفى خطه النضالي في مصر وتراجع المد الثوري الوحدوي في كامل الوطن العربي، وأخشى ما كان يخشاه الغيورون على المقاومة اللبنانية أن يحصل مكروه لا قدّر الله لحسن نصر الله، من اي مصدر كان. وهذا جزء من ثقافتنا التي يجب أن تغربل، حتى تنتهي ثقافة البطل لتحل محلها ثقافة القيادة الجماعية وثقافة البناء المؤسساتي الديمقراطي، وحرية الصحافة واستقلالية القضاء وحرية النقد والمساءلة.
إن أهم ضمانة للنصر ولتجنب المفاجآت العسكرية هي المعرفة بالعدو وبخططه وآليات عمله ومنهجية عمله وطريقة تفكيره من ناحية والتحصن ضد الاختراق، وهذا ما نجحت فيه المقاومة اللبنانية التي تمكنت من المحافظة على سرية تسلحها وتحصيناتها وتحركات قيادتها ومناضليها. وهذا ما جعل عمليات الإنزال التي تخطط لها الموساد تصاب بفشل ذريع خلافا للمنظمات الفلسطيني التي ما زالت تعاني من عمليات الاختراق.
إن الجماهير هي المعين الذي لا ينضب الذي يمد المقاومة بالعدة والعتاد والطاقة المعنوية، فكلما كان نسيج العلاقة بينهما متينا كانت حظوظ النجاح أوفر.
لا بد من تحويل المعركة إلى أرض العدو والنيل من كل مرافقه الحيوية وفي مقدمتها المؤسسة العسكرية، إنها المرة الأولى التي يشعر فيها العدو الصهيوني بأوجاع الحرب، لقد كان يستشعر خطرها عن بعد من خلال بطولات جنوده وتهويلات وسائله الإعلامية.
فالحرب العربية الصهيونية السادسة لم تكن منعزلة عما سبقها من محطات تجرع فيها الشعب العربي مرارة الهزيمة وذاق فيه حلاوة النصر، وهي في علاقة وثيقة بالظروف التي حفت بلبنان وطنيا وإقليميا وعالميا وهي ليست انتصارا نهائيا على الصهيونية والإمبريالية بل هي محطة في صراع تاريخي بين رغبة في الهيمنة و توق للحرية والعدالة والوحدة.
بهذه المقاربة أردت أن أقدم قراءة أتمنى أنّها كانت قريبة للموضوعية حول الحرب السادسة في علاقتها بالوضع العربي بكل تناقضاته، واستكشاف آفاق المستقبل المفتوح على كل الاحتمالات السلمية والاحتمالات الحربية وهي الأقرب. وهذا التقييم يتباين كل التباين مع الأسلوب الهجائي غير المسؤول الذي مازال الخيار المفضل لدى بعض القيادات السياسية.
إن التقاذف بالتهم ليس ما ينتظره الشارع العربي بعد هذا الإنجاز التاريخي، الذي يفرض تحليلات عميقة لعوامل القوة التي يجب تطويرها ولعوامل الضعف التي يجب تداركها. فالنصر الذي حققته المقاومة على العدو الصهيوني ليس مجرد صدفة، بل كان نتيجة لتراكم تاريخي مليء بالهزائم التي تجرع فيها الشعب العربي مرارة الهزيمة والانتصارات التي ذاق فيها حلاوة النصر.
إنّنا في حاجة أكيدة لقراءة نقدية للأداء السياسي والعسكري للمقاومة سواء في فلسطين أو في لبنان أو في العراق. فالعملية النقدية هي وحدها القادرة على تطوير حركة التحرير واستمرار نفسها النضالي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.