بالتنسيق بين قسم التكوين النقابي والتثقيف العمالي والاتحاد الجهوي للشغل بقبلي وبالتعاون مع مؤسسة فريدريش ايبارت، انعقدت يومي 15 و16 ماي 2009 الندوة التكوينية الجهوية حول «التحولات الاقتصادية الدولية وتأثيراتها على العمال ودور النقابات»، وقد واكب فعالياتها أربعة وثلاثون (34) مشاركا ومشاركة من مسؤولي التكوين بالنقابات الأساسية والجهوية ونائبة عن المكتب الجهوي للمرأة العاملة ونواب عن مكتب الشباب العامل. التأمت جلسة الافتتاح بإشراف الأخ عبيد البريكي الأمين العام المساعد المسؤول عن التكوين النقابي والتثقيف العمالي وحضر إلى جانبه الأخ البشير عبيد الكاتب العام للاتحاد الجهوي للشغل بقبلي فرحّب باسم المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي وكافة إطارات جهة قبلي بالأخ عبيد البريكي ومرافقيه: محاضرا ومؤطرين، مكبرا الدور الذي يضطلع به قسم التكوين النقابي دعما للنضال النقابي الميداني بالتكوين والمعرفة. أما الأخ عبيد البريكي فقد وضع اللقاء في إطاره من حيث اندراجه في سلسلة من الندوات الجهوية التي تستهدف النقابات الأساسية في كافة الجهات خلال سنتي 2009-2010 لشرح وتشريح الأزمة الاقتصادية الراهنة بصفة مبسّطة بقصد التوفّق إلى صياغة بدائل وأساليب لمواجهتها، شاكرا للأستاذ حسين الديماسي أستاذ الاقتصاد بجامعة الوسط تفضّله للإسهام بمداخلة متخصّصة في الغرض، ومتوقّفا في نفس الوقت عند بقية فقرات الندوة حول «العمل اللائق» وحول نتائج المفاوضات الأخيرة. فعاليات الندوة كانت المداخلة التأطيرية لفعاليات الندوة للأستاذ حسين الديماسي بعنوان «التحولات الاقتصادية المحلية والدولية وتأثيراتها على العمل النقابي» اعتبر في مستهلها بأن التحولات الاقتصادية الراهنة وما تبعها من أزمة اقتصادية عالمية هي وليدة مسار أفضى بداية من الثمانينات إلى تحولات تدريجية في وسائل الإنتاج، حيث تم شيئا فشيئا الاستعاضة في الدول التي تعتبر قاطرة الاقتصاد العالمي عن التقسيم الفني للعمل القائم سابقا على التايلوفوردية وعلى الجهد العضلي والوسائل الميكانيكية بطاقة رهيبة في الإنتاج أساسها الروبوتية، حيث ساعدت هذه التكنولوجيات الجديدة على التخلّص من ضغط النقابات والتخلص من جزء هام من العمال واعتماد التشغيل بالمناولة والضغط على كلفة اليد العاملة عموما لتحقيق المنافسة، خاصة وأن هذه الطاقة الرهيبة للإنتاج اقتضت إلغاء الحدود أمام البضائع وفتح الأسواق على بعضها البعض وتحويل جانب هام من الاستثمارات إلى دول العالم الثالث بحثا عن أجور بخسة مما أسفر عن بؤر بطالة مزعجة في بلدان المركز. هذا وقد اعتبر المحاضر بأن انهيار المعسكر الشيوعي وخذلان أغلب الأحزاب اليسارية للطبقة الشغيلة، واستبطان النقابات لمقولات العولمة واقتصاد السوق بغضّها الطرف عن ظاهرة هشاشة التشغيل رغبة في الحفاظ على مواطن الشغل، عواملُ أدّت إلى تراجع النقابات عن الدور الذي لعبته من خلال تحقيق مكاسب هامة إثر الحرب العالمية الثانية وحتى منتصف السبعينات. هذا وقد اعتبر المحاضر بأن المحاولات المشتتة والعشوائية لمعالجة هذه الأزمة لن تجدي نفعا باعتبار أن الأزمة العالمية الحالية ليست أزمة ظرفية، وإنما هي أزمة اقتصادية هيكلية تنبع من التناقض الحاد بين العرض والطلب، كما اعتبر المحاضر بأن هذه الأزمة الاقتصادية الكونية لا يمكن تجاوزها إلا بوفاق كوني مثلما حصل بعد الحرب العالمية الثانية وذلك بإرساء علاقات مهنية بين الأطراف الاجتماعيين قوامها تخفيض مدة العمل والتحسين المرموق في الطاقة الشرائية قصد إحلال التوازن بين العرض والطلب، معتبرا في نهاية تدخله بأن هذا الوفاق الكوني يصبح أساسيا لتجنّب كثير من الكوارث. هذا وقد شفعت المداخلة بمجموعة من الاستفسارات تمحورت حول طبيعة الأزمة، فهناك من اعتبرها أزمة أخلاقية وهناك من اعتبرها ناجمة عن المنظومة الرأسمالية التي تحمل بذور فنائها في ذاتها، كما توقف المشاركون بإسهاب عند تداعيات اقتصاد السوق على العمال والتي زادتها هذه الأزمة استفحالا جرّاء تصاعد التسريح بشكل مفزع، مما يستدعي إحداث صندوق بطالة لحماية المسرحين، كما رأى بعض المشاركين بأن هذا الوضع لا ينبغي أن يدفع إلى التشاؤم حيث يمكن أن تصبح البطالة الناجمة عن انسداد المشروع الغربي عامل قوة بتحوّلها إلى ملف نضالي على الصعيدين الوطني والدولي، وبذلك تكون سببا وعاملا قويا لتحريك القوى الكامنة من أجل إحداث التغيير انسجاما مع مقولة: «يا عمال العالم اتحدوا». خاصة وأن هذا المشروع ركّز على مقولة النجاعة والمردودية الاقتصادية وأهمل كليا العدالة الاجتماعية، ووظّف كل الإمكانات المالية والعسكرية والسياسية لخدمة دولة المركز بجعل دول الأطراف تابعة، بل أوكل لها تمرير السياسات المالية العالمية القائمة على الخوصصة وهشاشة التشغيل، كما عمل جاهدا من أجل القضاء على الدولة الوطنية، معتبرين أحسن مثال على ذلك حربه على العراق وما يستهدف حاليا بقية الدول المناوئة لمشاريعه والمنخرطة في حركة التحرر العالمي، مؤكدين بأن الرهان الوحيد يتمثل في الحركة العمالية التي استطاعت بفضل تضامنها وما حققته من تراكم نضالي منذ الثورة الصناعية أن تقلب ميزان القوى لصالحها من جديد ولصالح نمط إنتاج إنساني، داعين الاتحاد العام التونسي للشغل إلى تحمل مسؤولياته ضمن الحركة النقابية الدولية في قلب ميزان القوى لصالح الطبقة العالمة، وتحمل مسؤولياته الوطنية في التأطير والتوجيه، والعمل الدؤوب من أجل تعديل المجتمع ودون ذلك، فإن مجتمعنا يظل مبوّبا للانغماس في التطرف والعنف والتهميش والتناقض الرهيب بين فقر مدقّع وثراء فاحش. أما المداخلة الثانية من فعاليات الندوة فقد كانت للأخ عبيد البريكي بعنوان « قراءة في الجولة السابعة من المفاوضة الاجتماعية « تعرض خلالها إلى مرحلة إعداد المفاوضين في القطاعات الثلاث قصد مدهم بالمؤشرات الاقتصادية من ناحية وضبط الجوانب الترتيبية التي يتعين التركيز عليها وخاصة من ذلك ما تعلق بالانتداب الوقتي والعقود محدودة المدة والحق النقابي وساعات التكوين في القطاع الخاص أو فض الإشكالات العالقة منذ المفاوضات السابقة في القطاع العمومي أو التركيز على مسألة الحق النقابي وحماية المسؤول النقابي في قطاع الوظيفة العمومية متخلّصا من ذلك إلى مرحلة الإنجاز سواء تعلق الأمر بما تمّ التوصل له من نتائج صلب اللجنة المركزية للتفاوض في القطاع الخاص بمناسبة النظر في الاتفاقية الإطارية أو بمناسبة التفاوض في الاتفاقيات المشتركة، أو إلى المسائل التي بقيت عالقة في الوظيفة العمومية، وفي مجال تقييمه لنتائج التفاوض في الجانب المالي عقد المحاضر مقارنة بالاعتماد على قيمة الدينار القار والدينار الجاري بين نسب التضخم ونسب النمو والزيادات الحاصلة منذ انطلاق المفاوضات الثلاثية سنة 1990 ليستنتج أن أغلبها سعت إلى مجرّد تعديل القدرة الشرائية لتلافي ما أصابها من اهتراء إبّان الأزمة التي عاشها الاتحاد. أما المداخلة الثالثة فقد استعرض فيها الأخ رضا لاغة مسيرة مناضل نقابي أدرك خلالها فضيلة العمل الجماعي، فتربى على البحث عن الآخر، وصهر الكفاءات الفردية في النضال الجماعي، كما أدرك أن أهم ما يميز العمل النقابي الوفاء للمنظمة وللمنخرطين، وعدم التفريط في الحق النقابي مهما كانت العراقيل والضغوطات، كما وقف هذا المناضل خلال مسيرته على الاستعدادات الرائعة للمنتسبين للاتحاد للانخراط بعفوية وتلقائية وبعطاء دون حدود في التضامن خدمة للقضايا النبيلة، معتبرا صيغ التآزر التي تفرضها الظروف والمرحلة أساس شعور الارتقاء بوحدة المصير وبالتالي تعزيز الانتساب للنقابات. وفعلا لقد اختزلت هذه التجربة كل الشروط ومعاني الالتزام النقابي. هذا وقد التأمت خلال الحصة المسائية ورشتان تكوينيتان حول « العمل اللائق « من حيث مفهومه وشروطه وأشكال الحماية المتّصلة به وركائزه ودور النقابات في إرساءه نشّطهما الأخوان أحمد المهوك ونبيل الهواشي. وفي حصة الاختتام أكّد الحاضرون على ضرورة إطلاق سراح مناضلي الحوض المنجمي وإرجاعهم إلى سالف مسؤولياتهم، حيث كان سقف طموحهم تشغيل أبناء الحوض المنجمي وتنمية هذه المنطقة كما اعتبر المشاركون أن النضال الاجتماعي لا يكون خارج إطار المسألة الوطنية، فكان الاختتام مناسبة للأخ عبيد البريكي للرد على استفساراتهم معتبرا نقدهم لعطاء المنظمة مؤشّر غيرتهم على الاتحاد، كما اعتبر متابعتهم باهتمام شديد ومساهمتهم في إثراء فعاليات الندوة مؤشرا آخر لضرورة دعم التكوين في المنظمة شاكرا في نفس الوقت كافة أعضاء المكتب التنفيذي للاتحاد الجهوي على توفير كافة حظوظ إنجاح الندوة. أما الأخ البشير عبيد فقد وعد بالسعي لإنجاز الحلقة الثانية من برنامج محمد علي الحامي للتكوين، وإنجاز لقاءات أخرى في إطار ما يسمح به الفضاء المتوفر حاليا بالاتحاد الجهوي أو الفضائين المتوفرين بكل من الاتحاد المحلي بسوق الأحد ودوز.