ليس هذا لغزا، ولا هي تحيّة خاصة للأخ محمد العروسي بن صالح صاحب هذا الركن رغم أنه يستحق الثناء على جهده المتواصل بجريدة الشعب الاسبوعية كامل فريقه لمساهمتهم في بث ثقافة الوعي. ولكنها مجرّد معذرة لرئيس تحرير تلك الجريدة، رغم أنّ الامر يعسر عليّ تحقيقه لانني لست المسؤول عن غياب صورته الضاحكة في آخر صفحة جريدة الشعب كلّ يوم جمعة، والغريب أنّ كل انواع الجرائد مفقودة بمركز معتمدية «تيبار» تلك المدينة بالشمال الغربي والتي تبعد عن باجة الولاية التي تتبعها قرابة نصف ساعة بسيارة شعبية كما يسميها بعض السماسرة. كنت حضرت مأتما بتلك المدينة، وهي مركز معتمدية كما اسلفت بعد أربعين سنة كاملة خلال شهر افريل الفارط وقد شاء القدر أن أبيت هناك لاحضر جنازة احدى قريباتي التي دفنت يوم جمعة بمقبرة المكان حسب وصيتها حيث تزوجت ودرست أيام «الآباء البيض» في الستينات من القرن الماضي. ليلتها، لم أذق طعم النوم لعدة اسباب وهي سمة طبيعية عند اغلب الناس في تلك المناسبات الاليمة. خرجت في الصباح مسرعا لابتياع صحيفة ما الى جانب جريدة الشعب، لسببين اثنين الاول: أن أغيّر وجهة تلك المشاعر داخلي كما تصدّر بعض الدول ازماتها الداخلية لالهاء شعبها والحدّ من تطلعاته. الثاني: الاطلاع على محتوى مقال الاخ محمد العروسي بن صالح في ركنه «كنّا للقمر جيران» زيادة على محتويات تلك الجريدة وبعد عناء دام ساعة تقريبا عرفت ان كل الجرائد لا تباع «بتيبار» وهو ليس سرا لأنّ معظم المواطنين هناك بل كلهم يعرفون ذلك واصبح الامر عاديا كالبطالة والمشاريع التنموية... تذكرت يومها انني كنت قصدت «تيبار» راجلا عام1969 لما سمعت صدفة بأنني تحصلت على الشهادة الابتدائية بعد اجتياز الامتحان ب»تبرسق» ورقة يتيمة تحمل العدد الرتبي، وكان عليّ ان أحافظ عليها لاسلمها لرئيس المركز حرس الوطني «بتيبار» حتى يفحص بدوره الجريدة المعلقة وراء حائط مكتبه وهي جريدة «العمل» سابقا وبعد أربعين سنة لم أجد صحيفة تباع رغم أن مركز الحرس مازال موجودا ولكن ليس بنفس الموقع، ورغم أن تلك القرية أصبحت مقر معتمدية تشمل عدّة مؤسسات تربوية ذات نتائج ممتازة بالقياس الى مؤسسات بمعتمديات مجاورة. تذكرت أيضا أن «تيبار»، كانت ذات طابع فرنسي ببنائها الموشح بالقرميد الاحمر انّه أطلق عليها اسم «باريس الصغيرة» وكان «الآباء البيض» يديرون شؤون فلاحتها الممتدة والمتنوعة من العنب والزيتون، والماشية، من أبقار وأغنام ذات طابع معروف (تيبارني) أمثال: كرْماسْ وفريديني. وكان أبناء الجهة يدرسون بالمركز الفلاحي كل ما يتعلق بالانشطة الفلاحية ذات العلاقة بالميكانيك، والكهرباء، حتى أن النجباء منهم كانوا قد أرسلوا على نفقة «الآباء البيض» الى الخارج لمواصلة الدراسة والعمل هناك وخاصة فرنسا وألمانيا. تذكرت كذلك الوفود المسيحية التي كانت تزور تمثال «السيدة العذراء»، وهو لا يزل معلّقا الى اليوم فوق موقع أهل الكهف كما يُعتقد، وهو مركز مهرجان سنوي «بدجبة» الاخت التوأم «لتيبار». تعجّبْتُ، عند استعراض بعض الذكريات، لفقدان أدنى مقومات الثقافة بتلك المعتمدية الفتية، من جرآئد ومجلات وسينما ومسرح... خاصة وأن المدير الجهوي للثقافة يمرّ من هناك عائدا من باجة الى «تبرسق» بحكم تواجد عائلته هناك وهو صديق دراسة لمدة سبع سنوات كاملة. وقد يتعجب معي القارئ لأنّ هذا المقال سوف لن يجد طريقه الى أهالي «تيبار» مثله مثل «كنّا للقمر جيران» (مع الأسف).