اليوم...سحب كثيفة مع أمطار متفرقة بهذه الجهات    كيم يشرف على اختبار أداء مسيرات هجومية تكتيكية    حصيلة مظاهرات 18 سبتمبر 2025: فرنسا في الشارع ضد التقشف    مصالح المراقبة الإقتصادية بأريانة تحجز خمسة أطنان من مشتقات الحبوب لدى مخبزة مصنفة    الهنشيري: قرابة 30 سفينة راسية قبالة ميناء سيسيليا في انتظار تحسن الأحوال الجوية    الحوثيون يعلنون تنفيذ 3 عمليات عسكرية في إسرائيل    بين الخبرة والطموح .. هذه قائمة مُدربي الرابطة الثانية    تأكيد على خدمة المحاماة .. عميد المحامين الجديد بوبكر بالثابت يتسلّم مهامه    الفنانة شيرين في ورطة قانونية جديدة.. والموعد أمام القضاء في أكتوبر    وخالق الناس بخلق حسن    خطبة الجمعة .. أخطار النميمة    التسامح أساس من أسس التعايش بين الناس    أمريكا تستخدم الفيتو في مجلس الأمن ضد قرار وقف إطلاق النار في غزة    جريدة الزمن التونسي    عاجل/ هذا ما تقرّر في حق الطيب راشد ورجل أعمال في قضية غسيل أموال    كاتب الدولة المكلّف بالمياه يوصي بتعزيز جاهزيّة مختلف الهياكل المعنيّة لضمان نجاعة التّدخّلات الوقائيّة من الفيضانات    عاجل: قرار وزاري مشترك بين الشؤون الاجتماعية والصحة لتعزيز الحماية من حوادث الشغل والأمراض المهنية    تخطت السبعين.. إيناس الدغيدي تتصدر الترند بزفافها    بطولة إفريقيا للأمم لكرة اليد للصغريات: تونس في المربّع الذهبي وتترشّح إلى المونديال    عاجل/ مقتل 4 جنود خلال معارك في رفح جنوبي غزّة    البرلمان: 7 أكتوبر القادم موعد الجلسة العامّة الافتتاحيّة للدورة العادية الرابعة    عاجل: وزارة التربية تنشر قائمة محيّنة للمدارس الإعدادية والمعاهد الثانوية الخاصة    الرابطة الاولى ... فوز مستقبل المرسى على مستقبل سليمان 1-صفر    المهرجان الجهوي للمسرح بدور الثقافة ودور الشباب ببن عروس من 27 سبتمبر الى 5 أكتوبر 2025    معز الشرقي يواصل التألق.. ربع نهائي سان تروبيه    جيش الاحتلال يشن ضربات جوية على جنوب لبنان    سحب عابرة على كامل البلاد تتكاثف آخر الليل بالمناطق الساحلية الشرقية    الليلة: الغيث أوّله قطرة    عاجل: نداء للبحث عن طفل مفقود بمنطقة العمران (يلبس طبلية زرقاء ويحمل محفظة)    هذا هو موعد انتهاء أشغال المدخل الجنوبي للعاصمة    عاجل: الجامعة تفتح الباب قدّام الفرق باش تبث ماتشاتها وحدها..كيفاش؟    عاجل/ رجل يعتدي على طليقته بسكين في شارع أمام المارة..    صادرات القطاع الصناعي ترتفع ب1,9% خلال النصف الأوّل من 2025    عاجل : مستجدات بطاقة التعريف البيومترية للتونسيين    موسم الحبوب..البنك الوطني الفلاحي يرفع من قيمة التمويلات    حجز مواد غذائية غير صالحة للاستهلاك قرب إحدى المؤسسات التربوية..    قصر النظر عند الأطفال: الدكتور فهمي نافع يحذر ويقدم نصائح مع العودة المدرسية    ترتيب الفيفا: المنتخب التونسي يتقدم إلى المركز 46 عالميا    عاجل : وزير النقل يضع مهلة ب15يوما لضبط روزنامة برامج عمل    اجتماع بمعهد باستور حول تعزيز جودة وموثوقية مختبرات التشخيص البيولوجي    آلام المفاصل عند الأطفال مع العودة المدرسية: أسباب وطرق الوقاية    عاجل/ تقلبات جوية وأمطار بداية من هذا التاريخ..    لليوم الثاني على التوالي..غزة دون اتصالات وانترنات..#خبر_عاجل    الملعب التونسي يفسخ عقد هذا اللاعب..#خبر_عاجل    رابطة ابطال اوروبا : ثنائية كين تقود بايرن للفوز 3-1 على تشيلسي    السجل الوطني للمؤسسات يعلن حزمة إجراءات رقمية جديدة: دفع حصري عن بُعد ومضمون إلكتروني مُحدَّث    الموت يغيب هذه الإعلامية..#خبر_عاجل    تونس تجمع 12 مليون قنطار لكن حاجياتها تبلغ 36 مليون قنطار    في بالك الى فما مكوّن سرّي في زيت الحوت... شنوة يعمل في جسمك؟    بلعيد يؤكد خلال الدورة 69 للمؤتمر العام للوكالة الدولية للطاقة الذريّة حرص تونس على مواصلة التعاون مع الوكالة    يا توانسة: آخر أيام الصيف قُربت.. تعرف على الموعد بالضبط!    اللجنة الوطنية للحج تستعدّ لموسم 1447ه: ترتيبات متكاملة لضمان أفضل الظروف للحجيج    تنظمها مندوبية تونس بالتعاون مع المسرح الوطني...أربعينية الفاضل الجزيري موفّى هذا الأسبوع    القمة العالمية للبيوتكنولوجيا: وزير الصحة يعلن بسيول إطلاق مركز وطني للتدريب البيوطبي لتعزيز قدرات إفريقيا في إنتاج الأدوية واللقاحات    شهر السينما الوثائقية من 18 سبتمبر إلى 12 أكتوبر 2025    سورة تُقرأ بعد صلاة الفجر لها ثواب قراءة القرآن كله 10 مرات    جريدة الزمن التونسي    طقس اليوم: سماء قليلة السحب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أي موقف عربي من قضية تغير المناخ؟
للأستاذ: حبيب معلوف
نشر في الشعب يوم 19 - 09 - 2009

أوّل سؤال بديهي يطرح بمناسبة انعقاد الملتقى العربي لمنظمات المجتمع المدني لمناقشة دور الحكومات ومنظمات المجتمع المدني في مواجهة تحديات تغير المناخ العالمي، هو: اين «المجتمع المدني العربي»؟
فاذا تجاوزنا طرح مشكلة الوجود الحقيقي لهذا المجتمع، وسلمنا جدلا بحضور ما لبعض منظماته، أو لبعض الأفراد الناشطين في بعض المنظمات، لاسيما في بعض منابر المؤتمرات العربية والدولية، يسهل علينا طرح السؤال عن دوره في احد اكبر واخطر قضايا العالم الحديث، قضية تغير المناخ العالمي، وعن الموقف الذي يفترض ان يتخذه العرب (حكومات وشعوب) من القضية، ولاسيما من المفاوضات والاتفاقيات العالمية ذات الصلة.
لمقاربة هذه المسالة، وتحديد الادوار، لا بد اولا من توصيف الظاهرة، والاتفاق على تحديد اهم مميزاتها ومسبباتها وانعكاساتها.
بات مسلما به ان اصل المشكلة، يعود الى تزايد الانبعاثات وتراكمها في الغلاف الجوي، من مصادر متعددة، ولاسيما تلك الناجمة عن احتراق الوقود الاحفوري وتوليد الطاقة في القطاعات كافة. ويجمع العلماء على ان هذه الزيادة، قد بدات وتراكمت منذ (وبعد) ما يسمى «الثورة الصناعية».
من هنا يمكن الاستنتاج أنّ الميزة الاولى لهذه الظاهرة، انها متراكمة عبر الزمن الصناعي، وانها ثانيا مشكلة البلدان الصناعية المتقدمة بالاساس. وهي ناجمة عن افكار التقدم وانماط التنمية والانتاج والاستهلاك.
اما الميزة الثالثة فهي في كون انعكاساتها وتأثيراتها بعيدة المدى، وهي تحتاج لاجراءات عاجلة وخطط مستقبلية تبدأ بالتراجع عن الافكار المسببة اولا، ومن ثم في تغيير السياسات. والميزة الرابعة انها عالمية فعلا، لا تميز بين البلدان لناحية حجم المسؤولية فيها، لا بل قد يكون لها انعكاسات اكبر على البلدان الافقر والاقل تلويثا وتسببا بها.
تحديد المسؤوليات:
في مسألة تحديد المسؤوليات، وبعد جدل طويل، حصل اعتراف عالمي بالمسؤولية الاكبر للبلدان الصناعية الكبرى (ولاسيما الولايات المتحدة الاميركية ودول الاتحاد الاوروبي واليابان) منذ ان اقرت الاتفاقية الاطارية لتغير المناخ العام 1992، التي تؤكد ضرورة اتخاذ اجراءات لتخفيض الانبعاثات المسببة للظاهرة . وقد اخرجت مطابخ الامم المتحدة حينها صيغة مبدعة تقول ب»المسؤولية المشتركة ولكن المتباينة»،واتفق حينها باعطاء البلدان النامية فترة سماح لعشر سنوات، لكي تستطيع هذه البلدان ان تاخذ فرصتها لتنمية بلدانها اسوة بالبلدان المتقدمة.
صحيح ان كل اتفاقية لا يمكن ان تكون مثالية وهي بالنتيجة «اتفاقية تسوية»، وان العالم منذ ذلك التاريخ(1992) اقر رسميا بهذه المشكلة الكبرى العالمية ووضع لها اتفاقية اطارية، تقر بان للدول ، وفقا لميثاق الامم المتحدة ومبادئ القانون الدولي، الحق السيادي في استغلال مواردها الخاصة بها بمقتضى سياساتها الانمائية والبيئية، الا ان هذه الاتفاقية ، اكدت ايضا ان على هذه الدول مسؤولية كفالة ألا تتسبب الانشطة التي تقع داخل حدودها او تحت سيطرتها، ضررا لبيئة دول او مناطق اخرى تقع خارج حدود ولايتها الوطنية.
بالرغم من كل ذلك، اسست تلك الاتفاقية على فكر محافظ على نفس افكار التنمية المسبّبة للمشكلة.
صحيح ان الاتفاقية الاطارية اقرت في المادة الرابعة التي تحمل عنوان «الالتزامات»، بان تلتزم البلدان المتقدمة مساعدة البلدان النامية بتغطية تكاليف «التكيّف» مع الآثار الضارة التي ستتركها التغيرات المناخية ولاسيما على البلدان الحساسة (البلدان الجزرية وتلك ذات المناطق الساحلية المنخفضة، والمناطق القاحلة او تلك المعرضة للكوارث الطبيعية او للجفاف والتصحر، أو ذات النظم الايكولوجية الضعيفة...) والتزمت تمويل نقل التكنولوجيا السليمة بيئيا... الا ان النتيجة بعد التقييم الاول الذي حصل بعد 10 سنوات (2002) في قمة الارض في جوهانسبورغ، اثبت ان البلدان المتقدمة لم تف بالتزاماتها، ان لناحية اتخاذ الاجراءات الجدية بتخفيض الانبعاثات، او لناحية مساعدة البلدان النامية في نقل التكنولوجيا النظيفة والتكيف مع الظاهرة. وهنا بيت القصيد الذي يفترض الانطلاق منه لمقاربة التوجهات نحو المستقبل ، اذ لا يزال هذا التقييم ساري المفعول، ولم يحصل اي تقدم يذكر في مقاربة هذه المشكلة حتى تاريخه، بالرغم من إقرار بروتوكول كيوتو العام 1997 الذي اقر التزامات اوضح للاطراف الموقعة.
كان في الاتفاقية الاطارية تناقض واضح، قيل انه نتيجة التسوية، وان المشكلة ، كونها متراكمة عبر عشرات السنوات، لا يمكن ايجاد الحلول لها بسنوات. ولكن هذه المعطيات لا تلغ التناقض في تحميل مسؤولية تغير المناخ للثورة الصناعية والتقدم والتنمية من جهة، واعطاء البلدان النامية فرصتها في الاستمرار فيها من جهة اخرى، وعدم تراجع البلدان المتقدمة عن سبب تقدمها!
جوهر الخلافات:
صحيح إن التشكيكات والسجالات انخفضت نسبيا في السنتين الأخيرتين لمصلحة الإقرار بحتمية التغيرات المناخية وأكلا فها الخيالية، إلا أنها لم تترجم فعلا في الإسراع في تطبيق الاتفاقيات وتبني الالتزامات، ولا في المؤتمرات التحضيرية للاجتماع الذي سيعقد في كوبنهاغن بعد أشهر.
ولا يزال جوهر الخلاف في الاجتماعات الدولية التي تعقد لهذا الغرض هو نفسه ويتمحور حول الأسئلة التالية: من يتحمل المسؤولية والكلفة؟ وكيف يمكن اتخاذ إجراءات لا تؤثر على فرص النمو في البلدان؟ ومن يبدأ اولا؟
بالإضافة إلى الأسئلة الجديدة التي طرحت في الأسابيع الماضية في الاجتماعات التحضيرية (لكوبنهاغن) التي عقدت في بون (ألمانيا) والتي تدل على نفس المنحى من التخبط: هل تكون مدة الالتزام خمسة أعوام على غرار ما ورد في بروتوكول كيوتو أم أكثر؟ ومن سيمول؟ وما هي آلية المراقبة بالالتزام؟ وما هي العقوبات على من لا يمتثل لتطبيق الاتفاقيات؟ وهل ستقبل الدول النامية بالتزامات جديدة كانت معفاة منها قبلا، في وقت مر الوقت المحدد منذ الاتفاقية الإطارية وفي بروتوكول كيوتو من دون أن تلتزم الدول الغنية؟
كما لا تزال تسيطر على المفاوضات الرغبة في إيجاد «إجماع عالمي» على الحلول، وهو أمر، حسب التجارب السابقة، يبدو مستحيلا، لا سيما أن البلدان النامية تحمل البلدان المتقدمة المسؤولية الأكبر، وبالتالي عليها أن تتحمل الكلفة الأكبر، التي ستدفعها إلى التراجع عن طرق معيشتها وحياتها بشكل آو بآخر.
وهكذا يبدو مطلب «الإجماع»، حجة من لا يريد أن يلتزم، فيبقى الكل بانتظار الكل، ولا يتغير شيء!
في الوقت نفسه، تقوم بعض البلدان التي تصنف في خانة «المتقدمة» بتجارب رائدة في الاعتماد على تكنولوجيات صديقة للبيئة في توليد الطاقة، وعلى تطوير ما يسمى الطاقات المتجددة البديلة. فها هي الدانمارك نفسها تتقدم كثيرا في الاعتماد على طاقة الريح، من دون أن تنتظر «الإجماع»، وكذلك أكثر من دولة أوروبية مبادرة في الاعتماد على الشمس أو موج البحر أو على تطوير سيارات مهجنة... إلا أن كل تلك المبادرات تعتبر خجولة جدا بالنسبة لما هو مطلوب، اذا صدقت تلك الدول في اعتقادها بتغير المناخ فعلا.
يمارس العرب، رسميا وأهليا، دور المتلقي لكل تلك التطورات. دور المصدق وغير المصدق لقضية التغيرات المناخية. فالدول العربية الكبرى المنتجة للنفط كالمملكة العربية السعودية وظفت جيشا من الخبراء للدفاع عن مصالحها، وهذا طبيعي، في مواجهة دول اكبر لا يهمها إلا مصالحها بالدرجة الأولى أيضا. في وقت لم يستطع العرب «توحيد الرؤية» من المفاوضات المناخية، أسوة بباقي القضايا.
ليس المأخذ على الدول النفطية العربية أنها «تعرقل» الاتفاقيات الدولية المناخيّة، بل لأنها لم توظف قسما من عائداتها في دعم الأبحاث العلمية وتطوير تكنولوجيات للاستفادة من الطاقات المتجددة ولا سيما الطاقة الشمسية المتوفرة أكثر من النفط في منطقتنا، وذلك للخروج من التبعية التاريخيّة لعلم الغرب وتكنولوجياته وتأسيس اقتصاديات أكثر استقلالية واستدامة. وهذا ما كان يفترض أن يشكل المطلب الأول على جدول أعمال المنظمات الأهلية العربية المهتمة.
مشكلة النظام الاقتصادي المسيطر:
كما إن الاتفاقية الاطارية، وكل اجتماعات الاطراف (شبه السنوية) المصدقة عليها لم تشر الى جوهر المشكلة المتمثل بالنظام الاقتصادي الحر، وباقتصاد السوق القائم على المنافسة، كقاعدة اساسية لعمله. والمعادلة واضحة. إن قضية تغير المناخ تتعلق بكيفية استخدامنا للطاقة، والطاقة هي في بنية وأسس الاقتصاد العالمي. وبما إن الاقتصاد العالمي يتجه أكثر فأكثر نحو التحرر من أي قيد، ولا يخضع إلا لشروط السوق نفسه الذي يقوم على «المنافسة»، فلا مجال لتصحيح الوضع القائم والتراجع، كون كافة السلع والتكنولوجيات وبدائل الوقود الاحفوري («الأرخص» حتى إشعار آخر لتوليد الطاقة)، لا تستطيع المنافسة على المستوى العالمي، اقتصاديات الطاقة الاحفورية... إلا إذا حصل تدخل دولي (دولتي)، تغيير جوهري في الفلسفات الاجتماعية والاقتصادية المسيطرة.
كيفية التموضع العربي :
انطلاقا من هذه المعطيات، كيف يمكن للوطن العربي ان يتموضع او ان يساهم في تحمل مسؤولية المشاركة في حل الازمة التي هي في طبيعتها عالمية ، كما اسلفنا، لا تميز بين المناطق والدول؟
لا مفر للوطن العربي من ان يكون متموضعا بالطبع مع البلدان النامية، الا انه يمكنه ان يطالب بتغيير المطالب واستراتيجيات التفاوض على المستوى العالمي، وتغيير السياسات على المستوى الوطني انطلاقا من المعطيات المتوفرة. ولتغيير السياسات ، لا بد من استراتيجيات جديدة وشاملة. ولا يمكن وضع سياسات واستراتيجيات لقطاع الطاقة بشكل منفصل وخاص من دون أن تندرج تحت إستراتيجية شاملة للتنمية المستدامة.
توزع استهلاك الطاقة:
فإذا علمنا أن توزع استهلاك الطاقة التقليدية من المشتقات البترولية في المنطقة العربية، حسب دراسة الاسكوا التي رفعت إلى قمة الأرض التي عقدت في جوهانسبورغ العام 2002، هي 17، 9 % لقطاعات الأبنية(السكنية والتجارية) و16، % 7 لقطاع الصناعة و 3 % لقطاع الزراعة و19، 4% لتوليد الكهرباء و 43 %لقطاع النقل... تحتم على الذين يبحثون في دعم نظم الطاقة المستدامة وعلى الأخص دعم استخدامات الطاقة المتجددة وترشيد الاستهلاك ، إلى إدراج السياسات المتعلقة بتحقيق استدامة قطاع الطاقة بشكل متكامل مع السياسات القطاعية المختلفة، وعلى الخصوص مع سياسات قطاع النقل الذي يعتبر من اكبر القطاعات استهلاكا للطاقة والذي يعتمد أساسا على المشتقات النفطية والذي يعتبر أيضا المساهم الأكبر في انبعاثات غازات الدفيئة الملوثة للبيئة والمساهمة بتغير المناخ العالمي.
وإذا علمنا أيضا، وحسب دراسات سابقة للاسكوا أيضا، أن أكثر من 45% من الإنفاق على مشاريع التنمية في المنطقة يذهب إلى البنى التحتية، وبشكل خاص إلى بناء شبكات الطرق والإنفاق والجسور والاوتوسترادات والمواقف وذلك بهدف تشجيع استخدام السيارات الخاصة (التي تشكل 64 في المائة من إجمالي المركبات المستخدمة في النقل البري والمستهلكة الأولى للطاقة والمسببة الأولى أيضا لتلوث الهواء) وجب على واضعي استراتيجيات ترشيد استخدام الطاقة ودعم استخدام الطاقة المتجددة وضع السياسات لتشجيع النقل المشترك والعام والمستدام وتطوير وسائل نقل اقل تلويثا (لناحية الوقود أو التكنولوجيا المستخدمة) واعتماد سياسات تحد من التوسع في الاعتماد على السيارات الخاصة وإعادة النظر بسياسات الدعم المقدمة لقطاع النقل والإنفاق على البني التحتية المكلفة جدا. مع العلم إن البلدان النامية، التي بينها لبنان، هي بلدان مستوردة للسيارات وقطع غيارها التي تساهم في استنزاف اقتصادها من العملات الصعبة وليست بين البلدان المصنعة حيث تساهم هذه الصناعات في دعم اقتصاديات البلدان المصنعة!
وكذلك الأمر بالنسبة لمشكلة زيادة السكان التي تعتبر مركزية وعائقا أمام تحقيق شروط التنمية المستدامة والتي وجب ادراجها ضمن الاستراتيجيات المتعلقة بالطاقة على قاعدة وضع السياسات للحد من هذه الزيادة.
استراتيجيات جديدة للطاقة:
يتميز الاقتصاد القائم على الطاقة الاحفورية (النفط والفحم والغاز) باعتماده على مخزون محدود وغير متجدد من الطاقة، مع تقديرات ببداية تجفف بعض آبار النفط خلال أربعين سنة. ومع توقع زيادات وعدم استقرار في الأسعار وأزمات كبرى وخطيرة... وهناك حتمية تاريخية وتنموية وبيئية للعودة إلى الطاقة المتجددة في العالم ولاسيما طاقات الشمس والرياح والمياه وتلك العضوية. مع العلم أن حجم الطاقة الكامنة في الموارد الأولية المتجددة يفوق بشكل هائل حجم الطاقات الكامنة في الموارد غير المتجددة ، كالأحفورية منها. وعلى سبيل المثال، يقدر حجم الطاقة التي تبثها الشمس إلى الكرة الأرضية بأكثر من 15000 مرة من الاستهلاك السنوي العالمي من الطاقة التقليدية، الاحفورية والنووية معا. وهذا يعني انه بالإمكان استبدال كل مصادر الطاقة الاحفورية بالمصادر الشمسية التي تتميز بسمة أساسية مضادة للاحفورية، وهي أنها لا تنضب، ما دام النظام الشمسي موجودا.
بالإضافة إلى ذلك، فان لإستراتيجية اعتماد الطاقة المتجددة فوائد مهمة للبلدان النامية، حيث تساعدها على الاتكال على نفسها (تحقيق مفهوم الاكتفاء الذاتي للدول الصغيرة) وتساعدها على التحرر من التبعية، بالإضافة إلى مساهمتها بالتقدم نحو السلام في المنطقة والعالم، كون هذه الطاقات (لاسيما الرياح والشمس) غير متمركزة،وهي بالتالي غير قابلة للاستغلال والمنافسة الكبرى، كما الطاقة التقليدية الاحفورية المتمركزة في معظمها، في مناطق محددة. (ثلثا النفط في منطقة الشرق الأوسط). مع ملاحظة ان الأطماع والحروب والاحتلالات، قد تمركزت مؤخرا في أماكن تمركز الاحتياطات النفطية، ولاسيما في افغانستان والعراق.
فإذا كانت أشعة الشمس غير متمركزة، ويمكن أن ينعم بها الجميع، فهي يمكن أن تخفف من الحروب وتكسر الاحتكارات والنزاعات الموجودة حاليا على تلك الاحفورية. كما أنها يمكن أن تساعد في التحرر من التبعية للاقتصاد القائم على المصادر غير المتجددة، وللاحتكارات الرأسمالية العالمية المهيمنة عليها.
والطاقة الشمسية النظيفة والمتجددة لا تحتاج إلى تكنولوجيا متقدمة كثيرا ومعقدة، وبالتالي احتكارية. هي تحتاج إلى تكنولوجيا تحويلية بسيطة ومناسبة للاستعمال المحلي. وبما إن مصادر الطاقة المتجددة ليست متمركزة، كما أسلفنا، يمكن الاستثمار في عدد كبير من مشاريع التحويل الصغيرة والمتوسطة، والاستغناء عن المشاريع الكبيرة (وتوفير عمولاتها الكبيرة أيضا!)، ناهيك عن تشجيع الصناعات الحرفية الصغيرة، وصغار الصناعيين المحليين.
ويساعد الاعتماد على الطاقة الشمسية في التخلص من التبعية لوسائل النقل والتوزيع لمسافات كبيرة، واستبدالها بالوسائل المحليّة أيضا.
ومن المنظور الاستراتيجي أيضا، يمكن للبلدان النامية مثلنا، إذا تحولت إلى الطاقات المتجددة، الى «العصر الشمسي»، التخلي أيضا عن أحلام «المدن الضخمة»، المكتظة، التي يسكنها ملايين السكان، والعودة إلى المدن الصغيرة والمتوسطة. وعندها يمكن ان تتلاشى الشركات الاحتكارية المعولمة والعابرة للقوميات، كون لا احد يستطيع «خصخصة الشمس»، واحتكار هذا المورد المتوفر للجميع وغير الناضب. وهذا ما يمكن أن يساهم في تحرير المجتمعات والأفراد، في ظل اقتصاد الكفاية والتنمية المستدامة فعلا.
فهل يمكننا أن نأمل بداية بوضح استراتيجيات وطنية للطاقة المتجددة تتكامل مع السياسات العامة للطاقة نحو تنويع مصادر الطاقة وتحقيق إسهام للطاقة المتجددة فيها يصل على الأقل إلى 10 في المائة سنة 2010الخروج من عقد التخلف:
بالإضافة إلى هذه المعطيات، فإن مساهمة الوطن العربي لا تتجاوز 2 او 3% من الانبعاثات العالمية المسببة للظاهرة. وان مشكلته هي في مكان آخر.
كما عليه ان يكف (مع البلدان النامية) في المطالبة بنفس فرص التنمية المسببة للظاهرة، لا بل ان عليه ان يسعى الى ابتداع انماط جديدة من الانتاج والاستهلاك والتنظيم الاجتماعي والاقتصادي، واعادة الاعتبار لرعاية الدول، للحد من الانخراط الاعمى لاقتصاد السوق، والحد من التبعية العلمية والتقنية للبلدان المتقدمة بالعالم العملي والنفعي جدا.
عليه الخروج من عقدة التخلف عن اللحاق بتقدم الدول المتقدمة، كون هذا «التقدم» المزعوم للغرب، لم يكن الا تقدما سريعا باتجاه الهاوية.
علينا العودة إلى المفهوم العربي التقليدي للاقتصاد الذي كان يعني التوفير والتدبير وليس زيادة الانتاج والاستهلاك... ومحاولة عولمة هذا المفهوم.
أما من الناحية العملية، يمكن للمطلب المركزي للبلدان النامية اثناء المفاوضات المناخية ان يكون باخراج عملية ما يسمى «المساعدة في نقل التكنولوجيا»، من دائرة المراوحة والمراوغة، نحو المطالبة باخراج هذه التكنولوجيا المصنفة نظيفة وبيئية، من اليات اقتصاد السوق والمنافسة، ومن اطر اتفاقية التجارة الدولية وقوانين حماية الملكية الفكرية، لتصبح ملك الجميع وفي متناول الجميع، كجزء من التعويض الذي يفترض ان تدفعه البلدان المتقدمة عن تسببها بهذه الظاهرة المتراكمة والبعيدة المدى. ووقف كل باقي مطالب المساعدات غير المجدية والتي يمكن ان تؤمن بعض فرص العمل للبعض، ولكنها بالتاكيد لا تحل مشكلة البلدان الاقتصادية ولا المناخية.
إن مطلبا جديا بهذا الحجم، يضع حدا للتبعية والاستغلال التاريخي للارض والشعوب غير المتسلحة بافكار حب السيطرة والتملك ويعيد توحيد العالم فعلا لمقاربة ازمات عالمية لا تفرق بين الدول والحدود والشعوب.
ورقة مقدمة في 18/8/2009 الى الملتقى العربي لمنظمات المجتمع المدني الذي عقد في بيروت حول دور الحكومات والمجتمع المدني في مواجهة تحديات التغيرات المناخية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.