من الصعب جدّا أن نرسم بالكلمات هول الإعصار الذي ضرب بعض المناطق في ولاية المنستير عشية الاربعاء الماضي قبيل الغروب... عشيتها أرسلت السماء ظاهرة لم تعرفها بلادنا قطّ على إمتداد تاريخها حسب بعض المصادر... إنّه الإعصار الذي لطالما سمعنا عنه في القارة الأمريكية أو جنوب شرقي آسيا ولكن لم يحدث أن ضرب بلادنا باستثناء عاصفتي بوحجر وقليبية أواخر القرن الماضي. هذه الظاهرة الطبيعية القاسية كانت بعض مناطق المنستير مسرحا لها وهي «المزاوغة» و»منزل الحياة» من معتمدية «زرمدين» و»أولاد عزيزة» و»اللطيفات» و»الشراحيل» من معتمدية المكنين. ففي بلدة «المزاوغة» (45 كلم غرب المنستير) «هجم» الإعصار برياحه الغاشية وأمطاره الغزيرة ليأتي على كلّ شيء تقريبا، فالأشجار اجتثت وعديد البنايات تصدعت وهو نفس ما حدث في منطقة «الأريام» بمنزل الحياة والتي فعلت فيها العواصف فعلها حيث أتلفت آلاف الأشجار وعشرات المباني ومن بينها سور المدرسة وكذلك أشجارها التي تعود إلى فترة الإستعمار الفرنسي حسب بعض الشهود إلى جانب سقوط 7 جرحى اصاباتهم متفاوتة. أمّا عن القطيع فلا تسأل حيث شاهد الناس بل سجلوا هذا بالفيديو الخرفان وهو تطير كأسراب الطيور ذاهبة بها الرّيح الى الأعالي شأنها شأن الأثاث وصحون الإلتقاط التلفزيوني.. وأعمدة الكهرباء ومن بينها تلك الخاصة بالضغط العالي والتي تنقل الكهرباء من رادس إلى الجنوب. شاحنات طائرة!! حدث هذا فعلا في المنطقتين الأكثر تضرّرا وهما «أولاد عزيزة» و»اللطيفات» من معتمدية المكنين.. هناك وقفنا على أشياء عجيبة ومنها ذاك الحطام والدمار الذي أصاب المباني حتى أنّ البعض شبههما ببنت جبل في جنوب لبنان حيث تحوّلت عشرات المساكن الى أثر بعد عين ممّا جعل حصيلة الجرحى في ارتفاع تجندت له المصالح الصحية بكل ما أوتيت من جهد بشري ومادي في المستشفى الجامعي بالمنستير الذي استقبل أعدادا كبيرة من المصابين... ولعلّ أغرب الروايات التي سمعناها تلك المتعلقة بالحديث عن عدد كبير من المركبات والعربات التي «طارت» من مواقعها على غرار شاحنة iveco هربت بها الرّيح إلى مسافات بعيدة، وسيارة من نوع «رينو» لا أحد يعلم من أين أتت لتسقط على الأرض في «أولاد عزيزة» وسيارة أخرى وقعت على الناس في بيوتهم وأخرى بين «اللطيفات» و»أولاد عزيزة» هربت بها الرّيح لتتركها حُطاما على مسافة كيلومتر وغيرها الكثير سنوافيكم بتفاصيلها مع الصور في عدد لاحق. «الهويشات دبُّو» هذه الجملة (والمقصود بها الحيوانات راحو) سمعناها في كل الأماكن المنكوبة حيث تحوّلت الخرفان والأبقار والدواجن الى سرب واحد في السماء (لا مبالغة في هذا) ولا أحد يعلم مستقرها!! أحدهم ربط كلبه إلى جذع ريتونة.. ولمّا خرج لتفقده بعد العاصفة وجد أنّ الكلب «طار» بالزيتونة!! هذا الموقف لا يقلّ طرافة عن حادثة مقهى السيد محمد بلحاج في أولاد عزيزة.. هناك «امتصّت» الرّيح كلّ شيء بما في ذلك خزان التبريد الذي طار على ثقله لمسافة ثلاثة كيلومترات شأنه شأن شاحنة 404 طارت ماشاء لها اللّه أن تطير لتحطّ على أحد المنازل في أولاد عزيزة «فبرّكته». صبر الرجال في غرب الولاية («منزل الحياة» و»المزاوغة») كما في جنوبها («أولاد عزيزة» و»اللطيفات») سجلنا صبر الناس وجلدهم بل رضاهم بقدرة اللّه في ليلة القدر فلا انفعال ولا شكوى بل بالعكس فقد كانوا في غاية الظرف أحيانا عند تصوير بعض المواقف على غرار «الكلب والزيتونة»... أو تناطح البغل والديك الرومي في الجو... عندما طارت مدجنة «الأحمر» ودجاجها في الجو مع بغل السيد شعبان اللطيف ونعاجه واسطبلها ضربة واحدة... هؤلاء وغيرهم ممّن فقدوا كل ما يملكون من حجر وشجر... سألوا الله اللطف وسألونا نقل الحقيقة لأهل الثقة ممّن يهمهم هذا المصاب. لجنة الكوارث خليفة الجبنياني والي المنستير عقد بعد الإفطار اجتماعا طارئا بالأطراف المعنية من أجل الإسراع بإحصاء الأضرار خاصة البشريّة وكذلك المرافق العامة كالمستوصفات والمدارس والمقابر والتنوير حيث مازال الظلام هو السائد في كل الأرجاء المنكوبة ومن الصعب جدّا بحسب مشاهداتنا التدارك قبل العيد بالنظر لحجم الضرر.. ويبدو أنّ هذه اللجنة درست وضعية الفلاحين حيث أنّ الحالة متردية بعد تلف آلاف الزياتين وجزء هام من القطيع.