يحيي الإتحاد العام التونسي للشغل يوم 7 أكتوبر 2009 كسائر المنظمات النقابية في العالم اليوم العالمي للعمل اللائق تحت شعار «عمل لائق لحياة لائقة» انسجاما مع نضال العمال وطالبي الشغل في التمتع بعمل كريم وأجر مجز يحقق الاندماج الاجتماعي ويحدّ من الفقر باعتبار أن التحدي الكبير المطروح على البشرية اليوم في كل قطر وأمام الهجمة الاقتصادية الليبرالية يتمثل في تحسين نوعية التنمية وجعلها تنمية عادلة في نطاق اجندة وطنية لتحقيق العمل اللائق للجميع. كما يأتي هذا الاحتفال انسجاما مع قرار الكنفدرالية النقابية العالمية بتخصيص يوم 7 أكتوبر من كلّ سنة لاحياء اليوم العالمي للعمل اللائق تأكيدا لعزم العمال والنقابات في العالم على الوقوف صفّا واحدا ضدّ العولمة المتوحشة والليبرالية المجحفة التي لا تحترم الحقوق الاساسية للشغالين وبخاصة حقّهم في العمل اللائق والكرامة. والاتحاد العام التونسي للشغل الذي يضطلع بمسؤوليات قيادية في الهياكل المسيّرة للكنفدرالية النقابية العالمية لم يدّخر جهدا ومنذ الدورة 89 لمنظمة العمل الدولية سنة 2001 والتي تركّز فيها تقرير المدير العام على بلورة مفهوم العمل اللائق وضبط استراتيجيات لإدراكه في نشر ثقافة العمل اللائق عبر إقامة الندوات الوطنية الجهوية وإشراك النقابيين في ضبط الرؤى والتصوّرات لجعله خيارا لا تراجع عنه. ولقد دعونا الى هذه الندوات أطراف الانتاج الأخرى آملين ان نتوفّق معا الى الالتزام بتطبيق اسسه وشروط إرسائه، ولا يفوتنا في هذا المجال التنويه بالدعم المادي والمعنوي الذين لقيناه من منظمة العمل الدولية (13 15 جويلية 2007) ومنظمة العمل العربية (17 18 افريل 2006) بمناسبة تنظيمنا ندوتين هامتين في الغرض. وإنّ مصادقة بلادنا على 58 اتفاقية عمل دولية من بينها الاتفاقيات الثمانية المتعلقة بالحقوق الاساسية للعمال تلك التي ترتبط ارتباطا وثيقا بالاهداف التي يقوم عليها العمل اللائق، لدليل واضح على الديناميكية التي تطبع عمل منظمتنا منذ التأسيس. انها الدديناميكية التي جعلت التفاوض الجماعي في نظام العلاقات المهنية يحتلّ مكانة هامة باعتباره اداة لتشريك النقابات في تنظيم العلاقات المهنية من خلال ابرام الاتفاقيات المشتركة كمصدر من مصادر قانون الشغل، وقد راكمت هذه المفاوضات بفضل نضالات عمالنا تشريعا شغليا اصبح مرجعا هاما على درب تحسين اوضاع العمال من حيث الاجور والحماية الاجتماعية، وقد مثّلت المفاوضات الجماعية في القطاعين العام والخاص والتي بلغت هذه السنة جولتها السابعة إحدى السمات البارزة في نشاط اتحادنا خلال الستة عشر سنة الاخيرة، ممّا أدى الى زيادات متتالية في الاجور والى تحقيق تحسينات كمية على مقتضيات الاتفاقيات الجماعية القطاعية والقوانين الاساسية لكل من الوظيفة العمومية والمؤسسات الوطنية. وقد كانت هذه الجولات المتتالية في المفاوضات الجماعية مناسبة بالنسبة للاتحاد العام التونسي للشغل لتأكيد دوره في توجيه السياسة التعاقدية وتحقيق نتائج ايجابية في سياق مجهوده الرامي الى تحسين القدرة الشرائية للأجراء وظروف عملهم. وإنه في نظرنا قد آن الاوان لان يفضي هذا المسار التفاوضي الى أساس تشريعي واضح يقنّن الحوار الاجتماعي في بلادنا حتى لا يبقى خاضعا لتقلبات موازين القوى بين الاطراف الاجتماعية، لذلك نعتبر بان نضال النقابات من أجل توسيع هذا الحوار يمرّ عبر تصديق الدولة التونسية على الاتفاقية 144 حول المشاورات الثلاثية لتطبيق معايير العمل الدولية والاتفاقيتين 151 و154 المتعلقتين بالحقّ النقابي في الوظيفة العمومية والاتفاقية 183 المتعلقة بحماية الأمومة، وكذلك بإقرار صندوق بطالة للمسرّحين ضحايا تداعيات اقتصاد السوق وتفعيل اللجنة الوطنية للحوار الاجتماعي. ورغم الترسانة التشريعية التي أشرنا اليها يبقى دور النقابة في مواجهة الإخلالات ميدانيا، وذلك بخصوص النضال عن طريق كافة الاليات المتاحة وفي مقدمتها ارساء التفاوض والحوار الاجتماعي على صعيد المؤسسات بغاية تعديل موازين القوى لفائدة العمل اللائق، كما يظلّ على القيادات النقابية التسلّح برؤية تنموية شاملة احد اركانها دفع الحكومة الى عدم التخلي عن دورها التعديلي ومقاومة البطالة وتأمين التوازن الجهوي وتوطيد العلاقة بين المؤسسة التربوية والتكوينية ومؤسسة العمل، وتشريك منظمتنا تشريكا فعليا في صياغة التحولات المجتمعية في البلاد ولا يتأتى ذلك الاّ في ظلّ تمتّع المجتمع بكافة فئاته بحرية التعبير عن اهتماماته الاساسية وحقّه في التنظم لاخذ القرارات المناسبة بعيدا عن كلّ وصاية. وختاما فإن توفير الشغل اللائق يظلّ أهمّ وسيلة لتخفيف حدّة الفقر وتحقيق الاهداف المنصوص عليها في «إعلان فيلادلفيا» والمتفق عليه دوليا في مجموعة من القمم التي تناولت خلال العشرية السالفة مسألة محاربة الفقر في العالم وكافة الاهداف الاجتماعية التي أقرّتها الاممالمتحدة لبدايات الألفية الحالية، بحيث تكون البرامج القطرية للعمل اللائق سبيلا متكاملا لتحقيق التنمية الوطنية.