مواكبة للتحولات »التكنولوجية« الكبيرة والتطورات الهائلة التي شهدها سوق الشغل في العالم منذ ما يزيد عن العقدين ومسايرة لهذا النسق السريع وحيث نتمكن من التحكم في »التكنولوجية« والاستجابة لمتطلبات سوق الشغل من يد عاملة ماهرة ومختصة فقد شهد جهاز التكوين المهني منذ بداية التسعينات عملية اعادة هيكلة شاملة وجذرية من حيث البنية الاساسية والتجهيزات العصرية رافقها تغيير جذريّ على مستوى التشريعات ترجمت بصدور عديد القوانين والاوامر المنظمة فقد أوكل لهذا الجهاز أصعب وأخطر المهام وعلى رأسها تطوير الموارد البشرية وكذلك الترقية الاجتماعية والمهنية. فمنذ سنة 1993 صدر القانون عدد 11/93 بتاريخ 17 فيفري 1993 القاضي ببعث الوكالة التونسية للتكوين المهني تلاه القانون عدد 12/93 بتاريخ 17 فيفري 1993 القاضي ببعث المركز الوطني للتكوين المستمر والمركز الوطني ل ثم صدر القانون عدد 64 لسنة 97 والقاضي بتغيير الوضعية الادارية للمركز الوطني للتكوين المستمر والترقية المهنية من مؤسسة تكتسي صبغة إدارية الى مؤسسة لا تكتسي صبغة إدارية والذي توج بصدور نظام أساسي خاص بأعوان المركز بعد مفاوضات خاضتها النقابة العامة للتكوين المهني والتشغيل والهجرة مع الطرف الاداري وهو نظام أساسي مستوحى من النظام الاساسي الخاص بأعوان الوكالة التونسية للتكوين المهني. ثم جاء الدور على المركز الوطني ل إثر صدور القانون عدد 77 لسنة2003 والقاضي كذلك بتغيير الصبغة الادارية وقد كان لهذا الامر الوقع الطيب في نفوس كل الاعوان ولكن في الوقت الذي اكتملت فيه فرحة أعوان المركز الوطني للتكوين المستمر والترقية المهنية في وقت قياسي فإن الامور بالنسبة للمركز الوطني ل بقيت دون حراك فالادارات المتعاقبة على إدارة المركز لم تأخذ بعين الاعتبار ولم تكن جادة في مسألة تنظيم العلاقات المهنية داخل المركز وإنها لم تكن من ضمن انشغالاتها باعتبار أنها كانت منشغلة في أشياء أخرى لا فائدة من ذكرها والخوض فيها. وأمام هذا الفراغ أصبح تطبيق النظام يخضع في كثير من الاحيان للمزاجية والعشوائية أحيانا أخرى فحينا يطبق القانون العام لسنة 83 وتارة القانون العام عدد 78 لسنة 85 مما أثر سلبا على العلاقات المهنية داخل المركز والتي أصبحت تتوتر يوما بعد يوم، ومما زاد الوضع سوء تعمّد سلطة الاشراف في الفترة الممتدة من سنة 2005 الى سنة 2008 بعدم تعيين مدير عام للاشراف على المركز إضافة الى حملة التشكيك الصادرة عن السيد وزير التربية والتكوين آنذاك من جدوى وجود مثل هذا المركز والتفكير في ضمّه للمركز الوطني البيداغوجي التابع لوزارة التربية وكذلك رفضه الدخول في مفاوضات حول النظام الاساسي لاعوان المركز وهي أساليب كانت تستهدف ضرب المركز، كيف لا وهذا المركز يعتبر الركيزة الاولى من ضمن الركائز الثلاثة المكونة لجهاز التكوين المهني والموكول له تأمين التكوين التقني والبيداغوجي للمكونين ومستشاري التدريب وهي مسألة تأتى ضمن اهتمامات أعلى هرم السلطة وتطوير الابحاث البيداغوجية والارتقاء بأنماط وطرق التكوين والمشاركة في إعداد وتحيين البرامج والطرق البيداغوجية المطبقة بالمؤسسات التكوينية وكذلك تطوير علاقات التعاون والتبادل مع المنظمات الشبيهة في تونس والخارج ومن هنا يتجلى لنا الدور الكبير لهذا المركز. وأمام مجمل هذه الاوضاع أصبح اليأس يدب الى قلوب الجميع وأصبح معه الامل يتضاءل وازدادت الصورة قتامة مما أدى الى هجرة كثير من خيرة المهندسين والفنيين الى مؤسسات أخرى أكثر تنظيما وأكثر عطاء ولم يبقى منهم الا نفر قليل ممن لم تغرهم الرواتب الكبيرة ولا المناصب آمنو بعظمة هذا المركز وأحبوا عملهم فكان الاقتناع بالبقاء عسى أن تتحول الحال الى حال أفضل. فقد غادر المركز مجموعة من المهندسين والفنيين وهم يملكون زادا معرفيا وتقنيا وبيداغوجيا هاما وهاما جدا لا يقاس بثمن اكتسبوه نتيجة للتربصات الهامة والكثيرة التي قاموا بها في أكبر دول العالم تصنيعا وتكنولوجيا أضف الى ذلك معرفتهم الدقيقة والعلمية لواقع مؤسساتنا الاقتصادية وقد كلف هذا المجهود المجموعة الوطنية ثمنا باهظا ومن المضحكات المبكيات أن إدارة المركز وسلطة الاشراف حينها كانت تشجع هؤلاء على المغادرة وفرطت بشكل مجاني ومقصود في خيرة أبناءها وطبقت المثل القائل »خيرنا يمشي لغيرنا« كنز فُقد بين عشية وضحاها وذهب في مهب الريح نتيجة سياسة خاطئة وتهميش مقصود ومزاجية مقيتة لا تراعي الصالح العام. وكنتيجة طبيعية فإن عطاء هذا المركز تراجع بشكل ملفت وأصبح قاب قوسين أو أدنى من الإفلاس فحصلت نتيجة ذلك المشاكل والاضرابات وظهور سلوكيات غريبة وغير متوقعة وبقي الجميع عاجزين في انتظار حل ربما يأتي من السماء، ولكن كما يقال »دوام الحال من المحال« فهاهو الامل يعود مجددا مع تعيين السيد حاتم بن سالم وزيرا للتربية والتكوين والسيد المنجي البدوي كاتب الدولة لدى وزير التربية والتكوين مكلفا بالتكوين المهني، وهو من خيرة أبناء القطاع ومنذ الجلسة الأولى التي جمعتنا معهما وجدنا لديهما كل التفهّم والتقدير لهذا المركز ودوره الهام في المساهمة بالارتقاء بالتكوين المهني الى أعلى مراتبه وتلقينا منهما وعودا بالاسراع في اعادة الاشعاع لهذا المركز الحيوي وأكدا على أنه لا يوجد داع للتواصل مع هذه الوضعية ما دام هناك قوانين وأوامر صادرة في الغرض وأن المسألة مسألة وقت فقط، وفي الاخير فكم نتمنى وأملنا وطيد في أن نرى على رأس هذه المؤسسة الهامة إطارا من إطارات جهاز التكوين المهني الذي يعج بالكفاءات أن التجربة التي سبقت مع إحترامنا لكل المسؤولين كانت فاشلة بإمتياز. محمد مقطوف البكاي النقابة العامة للتكوين المهني