في الوقت الذي تتحرّك فيه تلّ أبيب وتدفع الثمين والنفيس من أجل تحرير جلعاد شاليط، يقْبعُ الآلاف من الفلسطينيين في الزنازين الاسرائيلية وما من أحد يحرّك ساكنا فلو لم تتفاوض اسرائيل في ما يعرف بصفقة الأسرى لظلّ السجناء في نفس المكان في ظلّ عدم وجود أمل ولو ضئيل لحلّ قضيّة لطالما وُصفت بلا أمل. صحيح أنّ حماس والفصائل الآسرة لشاليط ستخرج الرابح الأكبر من هذه الصفقة إلاّ أنّ هذا لن يغيّر الكثير من خارطة الاحتلال وسيظلّ صفٌّ آخرٌ من الاسرى الفلسطينيين في زنازينهم فاقدين الأمل في رؤية النّور من جديد فإن رضخت تل أبيب وأفرجت عن 980 فلسطينيا مقابل روح اسرائيلية واحدة فإنّها حتما ستردّ الثأر وهي ملتفّة على ابنائها بلا خوف ولا تهديد. وليس هناك من هو أكثر دراية من العرب أن المجهودات الجسام التي تبذلها اسرائيل من أجل التفاوض مع حماس بهدف تسليمها جلعاد شاليط الذي أمسكته قبل أكثر من ثلاثة سنوات من الآن تعدّ ورقة أخرى تضاف إلى كتاب المكر السياسي لاسرائيل فإذا أكّدت في خطاباتها أهميّة التفاوض وإذا ما أعلنت استعدادها الافراج عن قرابة الألف مقابل روح واحدة من شعبها فهذا يعني أنّ أمن اسرائيلي واحد يساوي الدنيا بأسرها فكيف تكلّف وسيطا ألمانيا وعضوا في الأجهزة الاستخباراتية الالمانية بالتفاوض مع حماس وهو العدوّ اللدود لها؟ بل الادهى من ذلك أنّها كلّفت »هاغاي هاداس« مسؤولا حكوميّا عن ملف شاليط وأكثر من ذلك التجأت الى ألمانيا التي كانت لها اليد اليمنى في عام الفين وأربعة لتحرير العقيد الاسرائيلي السابق الحنان تتباوم من يد حزب اللّه في المقابل نقضت معاهدات دولية صادق عليها كبار قادة العالم لايجاد حلّ للقضية الفلسطينية... كلّ المؤشرات تدلّ على أنّ الحلّ الذي اقترحته تلّ أبيب بتنفيذ اتفاقية تبادل الأسرى على مرحتلين أوّلا اطلاق سراح 450 سجينا فلسطينيا وفقا للقائمة التي قدمتها حماس وتسلّم حماس بدورها شاليط الى مصر ثمّ ثانيا الافراج عن خمسمائة وخمسين آخرين تقديرا للمجهودات المصرية وفي أعقاب ذلك يسلّم جلعاد شاليط الى اسرائيل، تختفي حقيقة كالشمس في كبد السماء ففي ظلّ تمزّق أواصل الشعب الفلسطيني وتعمّق الأزمة الداخلية يجد الفلسطينيون الافراج عن الالف سجين فوزا هائلا وخطوة يخطونها الى الأمام... إلاّ أنّ تاريخ فلسطين حافل بمثل هذه الصفقات التي ابتدأت منذ 1970 حين ابرمت منظمة التحرير صفقة الافراج عن حارس الملهى الليلي الاسرائيلي »شموعيل روزون فاسر« مقابل أسير واحد وفي 1983 تسلّمت كذلك منظمة التحريرالفلسطينية 98 أسيرا فلسطينيا و4800 لبنانيا مقابل 9 جنود اسرائيليين سجنتهم الحركة في لبنان. وفي 1982 توصلت منظمة أحمد جبريل التي اسرت ثلاثة جنود الى ارغام حكومة رابين على الافراج عن 1150 أسيرا من أخطر الاسرى الذين كانوا أنذاك في السجون الاسرائيليّة. والصفقة الأشهر التي مثّلت رجّة في الشارع الاسرائيلي كانت سنة 2004 حين أفرجت حكومة اريال شارون عن 430 أسيرا مقابل 3 جثث لجنودها. وهنا ضوء أحمر يأبى أن نمرّ دون الوقوف على واقع ملموس ألا وهو الطريق الوعر الذي تخطو عليه القضيّة الفلسطينية إذ أنّ الافراج عن ألف أسير فلسطيني ورجوع شاليط إلى أهله لن يكون الحلّ الانسب في توقف شلاّل الدّماء اليومي بل سيكون كغيره من الصفقات ينقض البعض ليبقى البعض الاخر في غياهب الذلّ والحرمان وتبقى حماس مستمرّة في البحث عن اسير آخر ويتواصل مسلسل تبادل السجناء وبها تبقى القضيّة الفلسطينية اللُّب خارج الحسبان في وقت يركزّ فيه الجميع على القشور. ولكنّ ربّما تدخل حماس بعد صفقة شاليط في ملفّ التسويّة والتفاوض والرضوخ الى مطالب اسرائيل. إنّ الجواب عن هذا التخمين لن يكون حتما إلاّ من صنع المستقبل القادم إلى ثالث الحرمين.