لم يعد يفصلنا عن موعد الإنتخابات الرئاسية والتشريعية القادمة إلا حوالي ثمانية أشهر حيث من الأقرب على الظنّ أن يكون تاريخها في شهر أكتوبر 2009، ويبدو أن حمّى الإستعدادات لهذا الإستحقاق الإنتخابي بدأت تتصاعد لدى جميع الأحزاب في بلادنا بما فيها الحزب الحاكم أي التجمع الدستوري الديمقراطي. ويذكر أن أحزاب التجمع الدستوري الديمقراطي والإتحاد الديمقراطي الوحدوي والوحدة الشعبية وحركة التجديد أعلنت منذ فترة عن مرشحيها لرئاسة 2009 (أعلن حزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات هو الآخر عن نيّته في ترشيح مصطفى بن جعفر أمينه العام للإنتخابات الرئاسية رغم أن القانون الإستثنائي الذي أصدرته الحكومة سابقا قد لا يخوّل له ذلك) بالإضافة الى مشاركتها في الإنتخابات التشريعية المقبلة وذلك في جميع الدوائر الإنتخابية الى جانب بقية الأحزاب التي من شبه المؤكد أن تقتصر مشاركتها في الإستحقاق الإنتخابي القادم على الإنتخابات التشريعية في ظلّ إدخال المزيد من الإصلاحات والقوانين الجديدة على المجلة الإنتخابية والتي من شأنها أن تدعم التجربة السياسية والديمقراطية والتعددية في تونس، والواضح أن عملية استقطاب بعض الوجوه المعروفة في الجهات من قبل أحزاب المعارضة لتلتحق بقائمات مرشحيها للإنتخابات التشريعية القادمة قد بدأت حيث يبقى التواجد بأكبر عدد ممكن من الدوائر الإنتخابية من أولويات المعارضة في بلادنا، وتجدر الإشارة الى أن النظام الإنتخابي المعمول به في تونس منذ سنة 1994 والذي سمح بدخول المعارضة لأول مرة الى البرلمان يعتمد على توزيع مجموعة من المقاعد على النطاق الوطني لهذه الأحزاب ويحتسب فيها عدد الأصوات المصرح بها على المستوى الوطني كذلك.. من ذلك تشير الأرقام الى أن عدد نواب المعارضة ارتفع من 19 نائبا سنة 1994 الى 37 نائبا سنة 2007 وتطوّرت نسبة تواجد المعارضة في مجلس النواب من حوالي ٪11 سنة 1994 الى ٪20 سنة 2004 في انتظار صعودها الى ٪25 على الأقل في الإنتخابات القادمة، وهذا النظام الإنتخابي الذي ساهم في تركيز التعددية كإحدى ثوابت الحياة الوطنية بالبلاد حتى أنه لم يعد هناك إمكانية لأي تراجع فيها هو الضامن الوحيد لدخول أحزاب المعارضة الى مجلس النواب بإعتبار الواقع السياسي للبلاد وقوّة الحزب الحاكم أي التجمع الدستوري الديمقراطي ورسوخه في المجتمع وفي التاريخ مقابل حداثة تأسيس أحزاب المعارضة، فكيف سيختار الحزب الحاكم مرشحي قائماته للإنتخابات التشريعية القادمة؟ تغييرات في مركزية الحزب الحاكم ولجان تنسيقه ومن جهته انطلق الحزب الحاكم أي التجمع الدستوري الديمقراطي مباشرة إثر مؤتمر التحدي في الإستعداد للإستحقاقات الإنتخابية المقبلة وفي مقدمتها الإنتخابات الرئاسية والتشريعية لسنة 2009 الحالية ومن بعدها الإنتخابات البلدية المقررة في سنة 2010 القادمة بإعتبار حرصه على مزيد الإشعاع وضمان أغلبية المقاعد سواء في مجلس النواب أو في المجالس البلدية، وانطلاقا من هذا الحرص أدخل التجمع الدستوري الديمقراطي تغييرات على مستوى مركزيته (الأمانة العامة والأمانات العامة المساعدة) وعلى مستوى لجان التنسيق إيمانا منه بضرورة التجديد وبث دماء جديدة في هياكله عبر تواجد جيل قادر على رفع التحديات وكسب الرهانات والمعروف بالعمل الميداني. اجتماعات عامة.. وأخرى موسّعة للجان التنسيق ومنذ التغييرات الحاصلة على مركزية التجمع الدستوري الديمقراطي ولجان تنسيقه انطلق محمد الغرياني الأمين العام للحزب في القيام بجولات �مكّوكية� أدى خلالها زيارات الى كل لجان التنسيق تقريبا - وهي متواصلة حاليا - سواء داخل البلاد أو خارجها أشرف أثناءها على اجتماعات عامة جمعته بالمناضلين والإطارات والهياكل القاعدية والمحلية والجهوية للتجمع الدستوري الديمقراطي بها وكذلك على اجتماعات موسّعة للجان التنسيق وأكد خلالها على ضرورة مضاعفة الجهود من أجل نحت معالم مستقبل واعد لتونس يكون في حجم تطلعات الشعب وطموحاته وبهدف مزيد إشعاع الحزب بإعتباره المؤتمن على حاضر البلاد ومستقبلها، وأشار الأمين العام خلال هذه الإجتماعات الى أهمية الإستعداد كأحسن ما يكون للإنتخابات الرئاسية والتشريعية المقبلة والتي ستكون مناسبة سانحة لمزيد تكريس ثوابت التغيير وحشد الطاقات وتعبئة القدرات وفتح مجالات أرحب للفعل والمشاركة وتعزيز إنخراط كل القوى الحية في التوجهات والبرامج المستقبلية للرئيس زين العابدين بن علي الرامية الى الإنتقال بتونس الى طور متقدّم على درب اللحاق بالبلدان الأكثر ازدارا ونماء، كما حثّ الغرياني خلال هذه الإجتماعات العامة والمجالس الموسعة للجان التنسيق مختلف الإطارات والهياكل التجمعية على إقتحام مجالات النضال الجديدة والتي تعتمد على تقنيات الإتصال الحديثة بما يدعّم قدرة الحزب على مسايرة التحولات والتكيّف مع التطورات المستحدثة داخل البلاد وخارجها وأوصى بضرورة الإصغاء المتواصل لتطلعات المجتمع ورصد مشاغله ووضع الحلول الملائمة لكل الوضعيات المطروحة ومزيد إثراء هياكل الحزب بالنخب والكفاءات مع المراهنة على الشباب والتواصل معه وحمايته من الأفكار الهدامة ومشاعر اليأس الإحباط بما يضمن استمرار الحزب وتطوّره. الشباب والمرأة.. ومقاييس وتوازنات جهوية ووطنية وانطلاقا من التوصيات المنبثقة عن مؤتمر �التحدي� للحزب الحاكم المنعقد في الصائفة الماضية وخاصة منها المتعلقة بتعزيز موقع ودور الشباب والمرأة ومزيد استقطاب الكفاءات والنخب والمثقفين بما يدعّم دور التجمع الدستوري الديمقراطي في متابعة تجسيم الأولويات والخيارات الوطنية خصوصا وأن هذا المؤتمر التاريخي خرج بلجنة مركزية تواجد فيها الشباب والمرأة بقوة (حوالي ٪20 من الأعضاء هم دون ال30 سنة وثلث مقاعد اللجنة المركزية للمرأة)، فإنه من المنتظر أن يتواصل نفس التوجه في المرحلة القادمة وخاصة فيما يتعلق بقائمات الحزب للإنتخابات التشريعية القادمة حيث ينتظر أن يسجّل الشباب الى جانب المرأة والكفاءات والنخب والمثقفين حضورهم بقوة في هذه القائمات، كما أن التجمّع الدستوري الديمقراطي سيضبط قائماته مع الحرص على تحقيق مقاييس وتوازنات جهوية على مستوى كل دائرة انتخابية ومقاييس وتوازنات ذات بعد وطني فهو سيسعى الى تمثيل أكبر عدد ممكن من الإختصاصات والقطاعات ومجالات النشاط والفئات والمنظمات والجمعيات.. بما يضمن تمثيل أوسع ما يمكن من شرائح الشعب بإعتبار أن مجلس النواب هو مجلس لنواب الشعب، والحزب الحاكم مطالب بتوخي هذا التوجه بإعتباره الأنجع من أجل قائمات انتخابية أكثر إشعاعا واستجابة لتطلعات جميع التونسيين في الإنتخابات التشريعية القادمة. وستسعى صحيفة �الإعلان� في الأعداد القادمة الى متابعة ورصد كل المستجدات والتطورات التي ستسبق موعد الإستحقاق الإنتخابي المقبل سواء المتعلقة بالحزب الحاكم أو بأحزاب المعارضة على غرار ما قامت به في الأعداد التي سبقت مؤتمر �التحدي� للتجمع الدستوري الديمقراطي المنعقد في الصائفة الماضية..