لئن كانت المرأة في ما مضى مادة ثريّة للشعراء للتغزّل بها ووصف محاسنها لأن المرأة بطبعها تحبّذ الغزل والمدح وإظهار مواطن جمالها لكن اليوم يبدو أن هذا الغرض في الشعر قد تغيّر ليتحوّل الى معاكسات وقذف بأبشع الألفاظ وأحيانا قد تتحوّل المعاكسة الى عنف و«هرسلة» وقد تزيد المعاكسات عن حدّها لتتحوّل الى مضايقات من نوع خاص.. الأسباب عديدة وقد حاولنا تشخيص البعض منها وتفسير مثل هذه السلوكات المرضية في التحقيق التالي لقاؤنا الأول كان مع شادية (29 سنة) عن المعاكسات تقول «عادة ما أرتبك عندما أمرّ بجانب مجموعة من الشباب ممّن لا يتاونون عن معاكسة المرأة وملاحقتها وقد تخوّل لهم ألسنتهم قذفك بشتى العبارات سواء كانت كلاما معسولا أو غيره.. وبصراحة أنا أخاف أن أردّ الفعل لأن العنف اللفظي ومثل هذه المعاكسات قد تتحوّل الى عنف جسدي لأن كل ردود الأفعال تصبح متوقعة في مثل هذه المواقف». ويفسّر الدكتور مصدق جبنون أخصائي نفسي ذلك بالقول بأن غياب الرّدع هو الذي يشجّع البعض على التمادي في مثل هذه التصرّفات ذلك أننا نلاحظ إنتشار مثل هذه السلوكات في الأماكن العمومية ووسائل النقل وفي المحيط المدرسي دون وجود من يتصدى لها حتى أن الضحايا لا يتجرّؤون على الدفاع عن أنفسهم وقد تعاكس امرأة أمام مجموعة من الرجال ولا تجد ولو شخصا واحدا يردّ عنها الظّلم، كما أن المتضرّرة تخاف دوما من عواقب اللجوء الى مراكز الأمن مما يشجّع هؤلاء على تكرار جرائمهم دون خوف وأحيانا تخاف الفتاة أن تصطحب والدها أو أخيها لأنه قد يتفوّه البعض بعدّة ألفاظ فتجد الفتاة نفسها في إحراج والشارع يضمّ كل الأجيال وكلا الجنسين. كائن ضعيف وتمادي في المعاكسات وهنا نتساءل : هل أصبح الذكر ينظر الى الأنثى على أنها مخلوق أدنى منه ويتعامل معها فقط على أنها عنصر مثير للغرائز.. يجزم أغلب من استفسرناهم على أن المرأة تعشق التغزّل بها لكن أن يتمادى البعض في التغزّل بها ويقذفها بعبارات مسيئة فالصمت ساعتها يكون أبلغ من الكلام فالتحقير الذي تلقاه المرأة في الشارع إنتقل من جيل الى آخر ولا يخجل البعض في معاكسة امرأة قد تكون في سنّ أمّه وهو أمر خطير لأن احترام من أكبر منّا سنّا لا يمثل شيئا في مخيّلة الشبان الصغار، كذلك كيفية النظر الى المرأة على أنها كائن ضعيف يمكن للمتغزّل أن يثبت من خلاله رجولته ويظهر بمظهر القوي القادر على إستمالة من يشاء وأمام مرأى الجميع.. وهنا يقول الدكتور مصدق جبنون «ما نلاحظه في مجتمعنا اليوم يعود الى تغير دور المرأة في المجتمع فقد أصبح لها دور فعّال الى جانب الرجل وتمكنت من إعتلاء عدّة مناصب ولم تعد ذلك الكائن الموجود في البيت فقد خرجت للعمل وأصبحت تتمتّع بعدة حقوق وهو ما أدى الى عدّة صراعات نفسية وإجتماعية لأن الرجل لم يعد وحده سيّد البيت وصاحب القرار.. اللباس الفاضح يلعب اللباس دورا هاما في المعاكسة والشيء يفقد قيمته بعد أن يكشف.. هكذا يؤكد علم النفس ولعل هذه القاعدة تنطبق على صورة المرأة في المخيال الإجتماعي.. اذ يقول الأستاذ مصدّق جبنون إن ما يتردّد على مسامعنا من تعابير سوقية تحمل إهانة مباشرة للمرأة ولا يستحي الشاب من التلفّظ بها يؤكد صحة هذه المقولة ذلك أن تعري المرأة وارتداءها الملابس غير المحترمة من شأنه أن يقلّل من احترام الآخر لها ويدفعه لمشاكستها كما أن إنتشار الأفلام الإباحية وتوفرها وعدم مراقبتها من شأنه أن يغيّر نظرة الرجل للمرأة ويجعله يعتبرها مجرّد مثير جنسي ليس إلا.. اذ أن عديد الأعمال المسرحية والسينمائية تتضمّن هذه الألفاظ التي ترمى بها المرأة في الشارع.. فدور المرأة في هذه العلاقة لا يقلّ أهمية اذ يجب عليها أن تعي أن حريتها اكتسبتها بعدة تضحيات ويجب ألا تخسرها بشيء من الإستهتار في لباسها وزينتها فالأمر يفرض عليها أن تهدئ من حدّة الأصوات المتعالية لإتهامها بأنها هي المسؤولة الأولى والأخيرة عن هذه الصورة الجديدة للمرأة في مخيلة الرجال اليوم.. وحتى لا يقع التعامل معها على أنها جسد فقط وتتّهم بأنها تحاول إثارة الجنس الآخر دون خجل وحياء الذي يعد من الصفات المحبّذة في المرأة.. قلق وتراكمات وتقول الأخصائية النفسية كوثر الشرعي ان ما نراه اليوم من معاكسات وتمادي في بعض التصرفات هو نتيجة قلق داخل الشباب فالتغيرات العالمية سواء الإقتصادية أو الإجتماعية أو الثقافية أثّرت على طريقة الكلام والتصرفات والسلوك العام لكل أفراد المجتمع والكل يتحمّل مسؤوليته في هذا السلوك الذي يتوجه به الى المرأة لأنه استنقاص من إنسانيتها ولا ننسى أن الأساس يبدأ من العائلة فإن كانت العائلة لا تحترم في صلبها كل أفرادها كأن يشتم الأب الأم والأم تردّ.. والفتاة لا يُسمع رأيها.. والشاب مستضعف فإن هذا الأخير سيحاول الإستقواء في الشارع وتعويض التصغير الذي يلقاه داخل عائلته.. وتضيف قائلة بأن البرامج التربوية لا تتعرّض الى مثل هذه التفاصيل لذلك قد نجد مثل هذه المعاكسات حتى داخل المؤسسات التربوية وتقريبا في كل فضاءاتنا تتعرض المرأة الى المعاكسات والمضايقات وبالتالي يجب أن تكون العائلة هي الأساس والمنظّم للمشهد العام في الشارع فهي صورة مصغّرة له وكلما كانت العائلة متماسكة وتحتوي على أرضية للحوار وتغيب فيها كل الألفاظ السوقيّة فإن ذلك سينعكس إيجابيّا على الشارع. ويجمع الكل على أن العائلة تبقى المدرسة الأولى لمكوّنات الشارع فهي إما أن تكوّن جيلا إيجابيا يتعامل مع الآخر بكل إنفتاح أو جيلا سلبيّا بدأت بعض بوادره تظهر في مثل هذه التصرفات، لذلك تتكفّل العائلة بهذه المهمّة لتجنّب الكثير من العواقب ولا ننسى أن الإختلاط الذي يحدث في الشارع ساهم بقسط كبير في تفاقم هذه الظاهرة وتمادي عديد الأطراف في المعاكسات التي قد تتّخذ منحى سلبيا يؤثر على كل الأطراف. وتختم الأستاذة كوثر الشرعي بقولها «ان مجتمعنا فضّل دائما الذكر على المرأة وللأسف معظم الأسر تساهم في غرس هذه النظرية الدونية فالعائلة والموروث الثقافي والأعمال التلفزية والسينمائية إتّحدت كلها لتشكّل دوافعا لتحقير المرأة وتعريضها للعنف اللفظي وهو أمر لابدّ من ردعه ولو بصفة جزرية حتى تكون كل الأماكن العمومية والشارع بصفة عامة آمنة