المتابع لخطابات الشيخ راشد الغنوشي طوال الاشهر الاخيرة يلاحظ حتما اقرارا حقيقيا في ثناياها بقوة الواقع ومتطلباته وضغوطاته بالشكل الذي ينتهي فيه المتابع لهذه الكلمات والخطابات الى ان مؤسس الحركة الاسلامية في تونس أصبح مقتنعا أن الدولة الاسلامية الوحيدة الممكنة هي الواقع كما هو . انتهى الغنوشي ربما الى خلاصة فكرية نتمنى ان تكون صحيحة مفادها ان قوة الواقع أقوى من كل أحلام اليوتوبيا. في اخر كلمة له في حي التضامن يوم الخميس الماضي لم يتردد الغنوشي في القول صراحة لاتباعه بان ما تعيشه تونس اليوم في ظل حكم الترويكا التي تقودها حركة النهضة هو تجسيد للدولة الاسلامية بعينها ! كل الاحلام والنظريات تتحطم أمام جدار قُدً من صنع الطبيعة والتاريخ اسمه الواقع . الدولة الاسلامية الجديدة في الصيغة النهضوية هي التي حددها الواقع التونسي . هي دولة تتجاور فيها المساجد والخمارات والعلب الليلية والمقاهي وتتعايش فيها المتنقبات والمحجبات مع غالبية التونسيات اللاتي اخترن نهج الحداثة ومبادئ دولة الاستقلال. لم يعد للحدود ولا لتشريعات الفقهاء القدامى مكان على هذه الارض التي لقحت بافكار التنوير وانجبت فئة مثقفة من أشرس الفئات العربية دفاعا عن الحريات وعالمية حقوق الانسان. اذا تكرر الخطاب الذي سمعناه في حي التضامن بالوتيرة نفسها داخل مونبليزير نحن نتجه بلا شك نحو تونسة النهضة ونهاية المشروع الاخواني في بلادنا. تونسة النهضة تعني تكيف الحركة الاسلامية الأم في البلاد مع خصوصيات الواقع التونسي و اقرارها بكل ميزاته وسماته والتراكمات التي حدثت طوال التاريخ. مصطلح الشريعة الذي لم يستطع ان يتسرب الى الدستور وقف عند نقطة الحدود برأس الجدير في الجنوب. أما الاحلام الشبابية بدولة الخلافة فبقيت كالأحلام الافلاطونية في المدينة الفاضلة التي لم ولن تحققها البشرية. لم يتردد الغنوشي في الاقرار بفشل كل المشاريع الاسلامية التي ارادت تأسيس دولة الاسلام في العصر الحديث. في قلب حي التضامن معقل السلفيين والاخوان على حد السواء خاطب رئيس حركة النهضة مريديه موجها رسالة مضمونة الوصول الى المتشددين قائلا: "اعطونا دولة واحدة نجح فيها المشروع الاسلامي كما يراه هؤلاء ونحن سنقتدي بها ". الدولة الاسلامية الوحيدة الممكنة في ذهن الغنوشي هي دولة الممكن والممكن ما عاد يقبل اي نظام مهما كانت قداسته ومثاليته على الارض بدون ارادة الشعوب. نقطة الى السطر. في تونس نعيش تجربة جديدة غير كل التجارب الاخوانية. فقط لاننا في تونس عليسة وحنبعل وخير الدين والحبيب بورقيبة. رئيس حركة النهضة يعي ذلك جيدا. لم يبق للنهضة من ارتباط بالتنظيم العالمي للاخوان المسلمين الا الرابط التنظيمي الذي لم يعد له معنى. سيقطع بلا شك مع الزمن كحبل الولادة السري. الرؤية الاخوانية التقليدية انتهت في تونس و بات من الواضح ان النهضة ستنتهي للخروج من جلباب الأخونة الى جبة التونسة.