اليوم 20 مارس يكشف في باريس عن نصب تذكاري للحبيب بورقيبة سيزين الساحة المسماة باسمه منذ افريل2004. قبل هذا التاريخ بأيام علمنا انه في مدينة رفراف من ولاية بنزرت وقع استبدال شارع كان بإسم الزعيم الراحل باسم القاضي محمد رضا الشيخ وهو احد مناضلي حركة النهضة الذي توفي في 2005 و قد تم ذلك بحضور الوالي ووزير حقوق الانسان و العدالة الانتقالية، سمير ديلو أصيل تلك المدينة. و ان كنا لا نشكك في نضالية القاضي فاننا لا نفهم محاولات حزب النهضة طمس ذاكرة زعيم كان له الفضل في تحرير البلاد من الإستعمار وبناء الدولة الحديثة. لماذا هذا الاصرار على تغييب الرجل من المخيال الشعبي؟ هل يمكن محو التاريخ و استبداله بأخر لمجرد تغير الحاكم؟ أو لا يعتبر حاكمونا الحاليون بتجربة سابقيهم عندما حاول بن علي بكل قواه ان ينسي التونسيين نضال بورقيبة و كل ما فعله ليجعل من هذا البلد الصغير بلدا له قيمته و اشعاعه بين كل الدول. لم ينجح بن علي و عاد حضور الزعيم بورقيبة بأكثر قوة لان التاريخ يتكون من تراكمات للتجارب الإنسانية و لا يبنى بمحو الماضي حتى و إن كان أليما. الحبيب يورقيبة قبل ان يكون زعيما هو ابن هذه الارض الطيبة خدمها و ضحى من اجلها بكل ما لديه و كان من بين القلائل الذين لم بنهبوها. اصاب في اشياء و اخطأ في اخرى : حرر المراة ونشر التعليم ووضع اسس اقتصاد حديث لكنه لم يبني قواعد الديمقراطية و التداول على سلطة. قبل الاسلاميين اكتوى بنار سطوة بورقيبة اليساريين ولكنهم لم يتنكروا ابدا لنضالية الرجل و كفاحه. لماذا تريد النهضة اليوم ان تنقلب على اكثر من خمسين سنة وضعها بورقيبة في خدمة تونس و جعل منها دولة حديثة يجني ثمارها من وصلوا اليوم الى الحكم؟ إن تاريخ تونس الذي يتجاوز الثلاثة الاف سنة لم يبدأ اليوم و لا يمكن مسحه بمجرد الوصول إلى السلطة وحتى و لو غيروا كل اسماء الانهج و هدموا كل النصب التذكارية فان الحبيب بورقيبة سيبقى موجودا في ذاكرة كل تونسي وتونسية. كلنا ابناء بورقيبة وان ثار ضده من ثار وخالفه من خالفه وعان العديدون من تسلطه. بورقيبة كان أب الجميع و لا خير فيمن يتنكر لأصوله و تاريخه ورموز البلاد التي نشأ بها . ان التونسيين الذين استبشروا خيرا بثورة 14 جانفي كانوا ينتظرون ان يتمكنوا من تجاوز الصدع الذي خلقته داخلهم الدكتاتورية السابقة وما صاحبها من عمليات نهب مستمرة لخيرات البلاد. كان التونسيون يريدون تجاوز انقساماتهم و ألامهم ويأملون في غد جديد يبنى بقوى كل هذا الشعب و ان يكون لهم وطن يتسع للجميع و يسعد فيه الكل بعد ان انهكهم الفساد و التسلط و البطالة والفقر و غياب العدالة الاجتماعية. لماذا يزج بالتونسيين بعد اكثر قرن من الاستقلال في صراعات تفرقهم و تستنزف قواهم؟ لماذا يقع تحريف ذاكراتهم و يعمل البعض على زعزعة قناعاتهم الدينية واعادة تشكيلها برؤى غريبة عن تقاليد البلاد ؟ لماذا يقع اعادة اجترار اساليب الماضي السلطوية الفاشلة ؟ لماذا تسكن حكامنا الرغبة دوما في تدمير ما سبق؟ ألم يفهم هؤلاء ان التاريخ يبنى على التراكمات و ليس على الهدم؟! رجاءا رفقا بهذا البلد و بهذا الشعب وبتاريخه ودماء شهدائه.
______________________________________________________________________ **حنان زبيس رئيس تحرير القسم الثقافي من مجلة ريالتي الناطقة بالفرنسية