من المؤكد أنّ لحظة الذهول والصدمة الجمعية ... من المؤكد أنّ لحظة الذهول والصدمة الجمعية التى لازلنا نعيش على وقع ارتداداتها اثر اغتيال المهندس الباحث "محمد الزوارى" حجبت عنا محاولة اغتيال أخرى لا تقلّ خطورة استهدفت إحدى أهرامات المعرفة والبحث فى تونس : "معهد باستور". دون الغوص فى تفاصيل عناصر التوجيه والتوظيف والبروبكندا السوداء المضمنة بفيلم " هل يصنع القتلة الدواء ؟ " والتي تكفلت إدارة معهد باستور بالكشف عنها، أصبح من الحريّ اليوم تناول المسالة بطريقة مختلفة بعيدا عن مناطق السجال العقيمة الذي يهدف الفيلم لدفعنا إليها دفعا... فالانقضاض الاعلامى المسعور على "معهد باستور" فى لحظة فارقة من تاريخنا الحديث - 17 ديسمبر - وبالتزامن مع اغتيال المهندس الباحث "محمد الزوارى" يؤشر إلى بداية مرحلة جديدة شديدة القتامة تستهدف مؤسساتنا البحثية الرائدة وباحثينا سواء بالتصفية الجسدية أو الرمزية على غرار ما وقع بالعراق قبل سقوط بغداد... لماذا معهد باستور بالتحديد ؟ - ألم يمنح "معهد باستور" بلادنا شرف نيل جائزة نوبل للطب سنة 1928 فى شخص الطبيب شارل نيكول ؟ - ألا يعتبر "معهد باستور" المركز العصبي الحقيقى لمنظومة أمننا القومي الصحّي والعلمي وذلك بالنظر لحجم وتعدّد المهام التى يؤديها منذ أكثر من 120 سنة من إنتاج اللقاح والأمصال العلاجية vaccins et serums thérapeutiques وإجراء البحوث فى مجالات الأمراض الجرثومية والفيروسية والطفيلية وتكوين وتأطير خيرة نخبنا العلمية ؟ - ألا يعدّ "معهد باستور" بشهادة كبريات المخابر وأبرز المجلات العلمية المتخصصة احد أهم المعاهد البحثية فى العالم وبالخصوص فى مجال مكافحة مرض "الليشمانيا" بأقسامها وأعراضها المختلفة ؟ - كيف يسمح لمركز اقليمى فى حجم "معهد باستور تونس" بإمكانات مادية ولوجستية محدودة من تبوّؤ مكانة مميزة داخل "شبكة معاهد باستور" فى العالم من خلال حصوله على براءات اختراع متتالية بخصوص الكشف عن لقاح مضاد لمرض "الليشمانيا" وتطوير مرهم علاجي فى الغرض إلى جانب عدة لقاحات معتمدة vaccins brevetés فى مجالات مقاومة لسعات العقرب والثعابين وداء الكلب ؟ - ألم يكتشف الفريق العلمي للبروفيسور "الهاشمي لوزير"(أستاذ متخصص فى علوم المناعة بكلية الطب بتونس والمدير العام الحالي لمعهد باستور منذ سنة 2007) سنة 2002 هباءة جديدة molecule دفعت بالبحوث العلمية حول "الليشمانيا" حينها إلى مناطق متقدمة فى رحلة البحث عن علاج نوعى لهذا المرض الذي يتسبب سنويا فى حدود ثلاثة إلى خمس آلاف إصابة ببلادنا ؟ - ألا يشرف المدير العام الحالي للمعهد على "منطقة شمال إفريقيا وإيران"داخل منظومة معاهد باستور فى العالم ؟ مع ضرورة التشديد بالبنط العريض على دولة إيران لما ينطوي عنه ذلك من دلالات وما يتيحه من استنتاجات مفتوحة... - أليس من الواضح أن "معهد باستور" يدفع اليوم ضريبة نجاحه وإشعاعه الاقليمى والدولي ؟ يبدو أن جميع هذه المساحات الاستفهامية وغيرها كافية وزيادة ليكون "معهد باستور" مصدر قلق لعدد من الدوائر ومجموعات الضغط الإقليمية والدولية ومسوغ للعديد من الجهات للنيل من هذه المؤسسة الجديرة بكل الاحترام ... اليوم معهد باستور..وغدا من يدرى من يكون الهدف ؟ ونحن كالعادة نشكك فى بعضنا البعض ونغطّ فى نوم عميق ...