تواصل مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات .... تواصل مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات نشاطها المتعدد(عقد الندوات الدولية،إصدار 3 دوريات أكاديمية بانتظام و نشر 252 كتابا بعدة لغات)والمتميز في مجال تاريخ تونس بمختلف حقبه وقضاياه وحقوله، منذ ثماني وعشرين سنة رغم إمكانياتها المحدودة،وتعتبر سمينارات الذاكرة الوطنية التي تعقدها المؤسسة أسبوعيا منذ عقدين من الزمن من ابرز نشاطات المؤسسة وأهمها شكلا ومحتوى.. ويمثل تقديم الفاعلين المباشرين،أو بغيابهم بسبب الوفاة، لشهاداتهم بحضور عدد من المؤرخين والمهتمين "مكافحة لأقوال أصحاب الشهادات ومساهمتهم ولأدوارهم" نقاشات واسعة و تعديلا لبعض المعطيات التاريخية وسير الأحداث ودور الفاعلين....و لتساهم في "تنقية تاريخ الذاكرة الوطنية من التعتيم والظلم الذي أصابها منذ أكثر من ستة عقود اليوم"كما بين الدكتور التميمي. ولا تنفرد المؤسسة بعقد مثل هذه السمينارت وحسب بل ما يميزها هو حرصها على نشر وإصدار تلك الشهادات والحوارات التي دارت بين الحاضرين...ما يمثل إضافة مهمة للمؤرخين وطلبة الاختصاص وغيرهم من المهتمين بتاريخ تونس المعاصر والراهن..ويندرج كتاب من ملفات الذاكرة الوطنية الجريحة:اغتيال الشاذلي القسطلي(ماي1953)الذي اصدرته المؤسسة في شهر مارس 2017 في هذا الإطار، وهو من إشراف وتقديم الأستاذ الدكتور عبد الجليل التميمي،منشورات مؤسسة التميمي للبحث العلمي والمعلومات،تونس مارس 2017، 170صفحة وراجعه د.عبد اللطيف الحناشي،أستاذ التاريخ السياسي المعاصر والراهن جامعة منوبة. واحتوى الكتاب على مقدمة بقلم الدكتور عبد الجليل التميمي تحت عنوان "لماذا اهتممنا بملف اغتيال الشاذلي القسطلي؟" ومقالتين (تدخلات) كما تضمن الكتاب الحوار الذي دار بين الحاضرين.كما تضمن كشفا للأسماء والأعلام والمجموعات والأماكن الجغرافية ومجموعة من الصور(14 صورة)للفقيد بالإضافة إلى 16 وثيقة باللغتين العربية والفرنسية منها بعض التقارير الأمنية حول الصحفي القسطلي و مقالات للفقيد نشرت في جريدة النهضة حول المسالة الديمقراطية وغيابها داخل الحزب الحر الدستوري ،الديوان السياسي،بالإضافة الى صفحة مذكرات السيد الباجي قائد السبسي(Le bon grain et L'ivraie p47 ) أين أشار لوجوده صدفة في اليوم ومكان حادثة اغتيال المرحوم الشاذلي واشارة أيضا لمذكرات السيد احمد المستيري أين ذكر في النسخة الفرنسية ص 64-65 لوجود مجموعات مستقلة عن الحزب بين سنة 1952-1954 ربما قامت إحداها بعملية اغتيال المرحوم.. والكتاب، في الأصل، نقل لوقائع السمينار الذي نظمته المؤسسة يوم 19 مارس 2017 بمقر المؤسسة، بمشاركة الأستاذ الهادي جلاب، مدير الأرشيف الوطني و السيدة راضية القسطلي وحفيدته الآنسة مريم و الباحث عبد الحكيم القفصي واحمد النملاغي والمختار باي... وأشار المقال الأول للدكتور التميمي الذي كان تحت عنوان :"من ملفات الذاكرة الوطنية الجريحة:اغتيال الشاذلي القسطلي نموذجا(1953)"(ص 09-12) للتغييب الكلي او الجزئي لإبراز دور بعض الشخصيات انطلاقا من إنشاء المجلس الأعلى للمقاومة مشيرا للخلاف بين توجهين داخل الديوان السياسي بين من يرفض اغتيال الشخصيات السياسية (الهادي نويرة) وتوجه أخر يتبنى ذاك الأسلوب (بشير زرق العيون ...) ويمارسه يرى ان في اغتيال القسطلي انتصارا للتوجه الثاني .. ويؤكد الأستاذ التميمي ان عملية الاغتيال كانت ردّ فعل على كتابات القسطلي الحادة تجاه الحزب الحر الدستوري التونسي،الديوان السياسي، و ترشحه على راس قائمة الانتخابات البلدية بالعاصمة سنة 1953 معارضا بذلك قرار الحزب مقاطعة الانتخابات البلدية ثانيا واعتبر الأستاذ التميمي أن عملية الاغتيال التي تعرض لها الشاذلي القسطلي وغيره من الشخصيات كانت خطأ استراتيجيا ارتكبته قيادات الحزب الجديد مؤكدا،في خاتمة تدخله،الهدف من هذا السمينار هو "إجلاء وقول الحقيقة التاريخية التي هي فوق كل الاعتبارات..". المقال الثاني:للدكتور عبد الحكيم القفصي سلامة وعرّف من خلاله بشخصية الشاذلي القسطلي(ولد في 10 جوان 1882- 2 ماي 1953 ) وبين ان العائلة هي من اصل موريسكي استوطنت بتونس بعد ان تم طردها من منطقة قشتيلية باسبانيا سنة 1609 وتولى أفراد من العائلة مسؤولية دار السكة(دار الضرب = النقد) وأمناء بسوق البركة ما ساعدها على تكوين ثروة..أما بخصوص الشاذلي القسطلي فكان أول العاملين في إحداث وتأسيس الجمعية الخيرية الإسلامية التونسية، وساهم في تأسيس النادي التونسي و أول جمعية مسرحية عربية "بجمعية الآداب"، والمساهمة في لجنة إغاثة المهاجرين الطرابلسيين عام 1911 .كما أنشا مطبعة النهضة سنة 1923 لنشر جريدته التي تحمل نفس الاسم والتي استمرت الى ماي 1953 والى جانب نشاطه الصحفي كان للشاذلي نشاط سياسي متنوع فكان من مؤسسي الحزب الإصلاحي 1921 الذي انشق عن الحزب الحر الدستوري التونسي(1920) ونشط خلال الثلاثينيات من القرن الماضي ضد السياسة الفرنسية بتونس. وعارضها(قانون التجنيس، مساندة ثورة الريف في المغرب الأقصى ومعارضة المؤتمر الافخارستي والمشاركة في عدة نشاطات منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية كما شارك في مؤتمر الاستقلال 1946) . وكان من ابرز المعارضين للحزب الدستوري الجديد(الديوان السياسي)وسلوكه السياسي و اتهامه باعتماد سياسة مرتجلة تعتمد المغالطة والتعصب وتشجيع الفتن وإتباع سياسة الترهيب والترغيب والعنف تجاه معارضي سياسته...ولم يكتف بذلك بل اتهم ، القسطلي ، الحزب الدستوري الديوان السياسي (الجديد) ب "اقتباس طرائق عمله من مبادئ النازية والفاشية والبلشفية وإفساد الاجتماعات التي تعقدها الهيئات الوطنية الأخرى أو لاقتحام أبواب نواديها أو تحطيمها.."(مقال نشر في جريدة النهضة عدد مؤرخ في 24 اوت 1951). وقدّم بعض من أفراد عائلة القسطلي(راضية القسطلي وحفيدته الآنسة مريم )و بعض الحاضرين معطيات إضافية حول تلك الشخصية ومختلف اهتماماته وما يحتوي الأرشيف الوطني والفرنسي من معلومات حوله...ومنها وثيقة أمنية من أرشيف نانت تعرف بهذه الشخصية(ملحق عدد 3 ص48-50) تحدثت عن حملة صحف الحزب الحر الدستوري الجديد التي نالت من شخصية الشاذلي القسطلي ما دفعه بتهديد هؤلاء بالكشف عن بعض الحقائق ومنها"الظروف الحقيقية التي رجع فيها بورقيبة الى تونس ومصدر ثروة صالح بن يوسف.." ما قد يشير الا ان عملية الاغتيال لم تكن بسبب معاكسة الفقيد لقرارات الحزب والترشح للانتخابات بل بسبب نقده المتواصل للسلوك السياسي للزعيم الحبيب بورقيبه وحزبه... وما يمكن ملاحظته ايضا هو ان آليات معالجة الاختلاف بين الأطراف الوطنية التونسية كانت سلمية غير عنيفة رغم حدتها. كان ذلك بين الشباب التونسي ومعارضيهم(1907-1912)وبين معارضي الحزب الحر الدستوري التونسي والمنشقين عنه(خلال العشرينيات من القرن الماضي)وبين هذا الحزب وجامعة عموم العملة التونسية(1924-1925)غير ان الأسلوب العنيف،اللفظي والمادي، في التعامل مع الخصوم السياسيين انطلق بعد تأسيس الحزب الحر الدستوري الجديد(الديوان السياسي) إذ يرى الزعيم الحبيب بورقيبة،وبعض مريديه من القيادات، أن المرحلة تستدعي تكتل كل الشخصيات و المنظمات الوطنية في مواجهة المشروع الاستعماري وعدم الخروج عن الخط الوطني وهي رؤية سليمة دون شك غير ان غير السليم هو اعتبار ان من لا يستجيب لخيارات الحزب وقراراته هو خائن بالضرورة ويجب مواجهته او التعامل ليس بالحوار والنقاش بل باستخدام وسائل الإكراه المختلفة ومنها العنف الممنهج.امر تجسّد في الاعتداء على الشيخ عبد العزيز الثعالبي وعلى بعض مناصريه(أسلوب اعتمد أيضا بتفاوت من قبل جماعة الثعالبي في تل الفترة من الصراع) لمنعه من عقد اجتماعات عامة مع الدستوريين مما أدى إلى سقوط بعض الجرحى من مناصري الشيخ عبد العزيز الثعالبي.كما استخدم العنف ضد القيادة النقابية الشرعية لجامعة عموم العملة التونسية الثانية جامعة عموم العملة التونسية الثانية و اقتحام قاعة المؤتمر بالقوة في 29-1-1938 وتواصل هذا السلوك خلال الأربعينيات من ذلك تعرض شمس الدين العجيمي زعيم حركة"الاتحاد والترقي" إلى محاولة اغتيال في يوم 21 افريل 1949 على يد أحد الدستوريين وذلك بعد اتهامه من قبل الحزب بأنه من دعاة سياسة المراحل، في الوقت الذي كان الحزب نفسه، يعتمد التكتيك نفسه.كما قاد أعضاء من الحزب الدستوري الاعتداء الذي تعرض له مؤسس ومدير جريدة "إفريقيا لشمالية" و"الحزب القومي التونسي" المكي بن محمد كمال بن عزوز ( ) من قبل ثلاثة أشخاص واستمر هذا النهج ضد بعض خصوم الحزب السياسيين خاصة بمناسبة الانتخابات البلدية التي جرت بين أيام 3 و10 ماي 1953 والتي عارضها الحزب الدستوري الجديد وشاركت فيها بعض الشخصيات التونسية المستقلة أو المحسوبة على إدارة الحماية إذ قام الحزب بعمليات اغتيال استهدفت مجموعة من الشخصيات السياسية نذكر منهم الطيب غشام(شقيق وزير الصحة)و والدكتور بن الرايس( وزير التجارة) ومحمود التارزي (كاهية منزل تميم وقايد نابل بالنيابة)وعيسى نوار مفتش الشرطة وعز الدين باي الأمحال....وصولا لاغتيال الزعيم صالح بن يوسف(12 اوت 1961 في فرانكفورت بألمانيا.) ورغم ان الغموض سيظل يكتنف هذه القضية،كغالب عمليات الاغتيال السياسي، التي عرفها التاريخ فان المزيد من البحث و تقديم الشهادات من المعاصرين قد تمثل إضافة مهمة للباحثين امر طالب به الدكتور التميمي الاستاذ الأستاذ الباجي قائد السبسي باعتبار انه كان محاميا للشخص الذي قام بعملية الاغتيال وامتلاكه أرشيف ملف القسطلي. ومهما كان الأمر فإننا نعتقد أن ما ميز هذا السمينار عن غيره من السمينارات تناوله لثلاث قضايا ذات اهمية معرفية و سياسية: • تتمثل الأولى في الاهتمام بشخصية وطنية مخضرمة،تم تغييبها كليا من تاريخ تونس المعاصر برغم مساهمتها في تشكيل الرأي العام التونسي وذلك من خلال إصداره جريدة النهضة (1923)والحرص على كتابة مقالات رأي فيها بشكل منتظم منذ تأسيسها إلى اغتياله بالإضافة الى دوره الوطني العام. • وتبرز الأهمية الثانية لهذا السمينار في تناوله لقضية على درجة كبيرة من الأهمية وتتمثل في كيفية إدارة الاختلاف او الصراع بين القوى الوطنية في مرحلة التحرر الوطني.. • أما المسالة الثالثة فتتمثل في إصرار بعض الوطنيين،ومنهم الشاذلي القسطلي، في نشر الثقافة الديمقراطية والدعوة لاعتمادها بين مختلف القوى الوطنية التونسية...باعتبارها تحرر الإنسان وتمثل الطريق الانجع للتقدم والتطور ..