نحو إحداث مرصد وطني لإزالة الكربون الصناعي    منظمات تونسية تدعو سلطات الشرق الليبي إلى إطلاق سراح الموقوفين من عناصر "قافلة صمود"    حالة الطقس هذه الليلة    من تطاوين: وزير التربية يشرف على انطلاق مناظرة الدخول إلى المدارس الإعدادية النموذجية    "سيطرنا على سماء طهران".. نتنياهو يدعو سكان العاصمة الإيرانية للإخلاء    حماية حلمها النووي ..إيران قد تلجأ إلى النووي التجاري ؟    إيران.. اعتقال 4 عملاء واكتشاف ورش لتصنيع المسيرات والمتفجرات    تعيين التونسية مها الزاوي مديرة عامة للاتحاد الافريقي للرقبي    جندوبة: اجلاء نحو 30 ألف قنطار من الحبوب منذ انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ ارتفاع حصيلة القتلى الاسرائيليين بالضربات الصاروخية الايرانية    وزير الصحة: مراكز تونسية تنطلق في علاج الإدمان من ''الأفيونات''    الشيوخ الباكستاني يصادق على "دعم إيران في مواجهة الاعتداءات الإسرائيلية"    عاجل/ إضراب جديد ب3 أيام في قطاع النقل    جندوبة: الادارة الجهوية للحماية المدنية تطلق برنامج العطلة الآمنة    "مذكّرات تُسهم في التعريف بتاريخ تونس منذ سنة 1684": إصدار جديد لمجمع بيت الحكمة    الدورة الأولى من مهرجان الأصالة والإبداع بالقلال من 18 الى 20 جوان    في قضية ارتشاء وتدليس: تأجيل محاكمة الطيب راشد    عاجل/ هذا موقف وزارة العدل من مقترح توثيق الطلاق الرضائي لدى عدول الإشهاد..    منوبة: الاحتفاظ بمربيّي نحل بشبهة إضرام النار عمدا بغابة جبلية    إجمالي رقم اعمال قطاع الاتصالات تراجع الى 325 مليون دينار في افريل 2025    الكأس الذهبية: المنتخب السعودي يتغلب على نظيره الهايتي    كيف نختار الماء المعدني المناسب؟ خبيرة تونسية تكشف التفاصيل    عاجل/ هذه حصيلة قتلى الكيان الصهيوني جراء القصف الايراني..    منذ بداية السنة: تسجيل 187 حالة تسمّم غذائي جماعي في تونس    القيروان: 2619 مترشحا ومترشحة يشرعون في اجتياز مناظرة "السيزيام" ب 15 مركزا    كهل يحول وجهة طفلة 13 سنة ويغتصبها..وهذه التفاصيل..    الكاف: فتح مركزين فرعيين بساقية سيدي يوسف وقلعة سنان لتجميع صابة الحبوب    كأس العالم للأندية: تشكيلة الترجي الرياضي في مواجهة فلامنغو البرازيلي    ابن أحمد السقا يتعرض لأزمة صحية مفاجئة    عاجل : عطلة رأس السنة الهجرية 2025 رسميًا للتونسيين (الموعد والتفاصيل)    تأجيل محاكمة المحامية سنية الدهماني    الحماية المدنية: 536 تدخلا منها 189 لإطفاء حرائق خلال ال 24 ساعة الماضية    دورة المنستير للتنس: معز الشرقي يفوز على عزيز دوقاز ويحر اللقب    كأس العالم للأندية: برنامج مواجهات اليوم الإثنين 16 جوان    وفد من وزارة التربية العُمانية في تونس لانتداب مدرسين ومشرفين    خبر سارّ: تراجع حرارة الطقس مع عودة الامطار في هذا الموعد    10 سنوات سجناً لمروّجي مخدرات تورّطا في استهداف الوسط المدرسي بحلق الوادي    تعاون تونسي إيطالي لدعم جراحة قلب الأطفال    كأس المغرب 2023-2024: معين الشعباني يقود نهضة بركان الى الدور نصف النهائي    باريس سان جيرمان يقسو على أتليتيكو مدريد برباعية في كأس العالم للأندية    النادي الصفاقسي: الهيئة التسييرية تواصل المشوار .. والإدارة تعول على الجماهير    صفاقس : الهيئة الجديدة ل"جمعية حرفيون بلا حدود تعتزم كسب رهان الحرف، وتثمين الحرف الجديدة والمعاصرة (رئيس الجمعية)    بعد ترميمه فيلم "كاميرا عربية" لفريد بوغدير يُعرض عالميا لأوّل مرّة في مهرجان "السينما المستعادة" ببولونيا    لطيفة العرفاوي تردّ على الشائعات بشأن ملابسات وفاة شقيقها    زفاف الحلم: إطلالات شيرين بيوتي تخطف الأنظار وتثير الجدل    الإعلامية ريهام بن علية عبر ستوري على إنستغرام:''خوفي من الموت موش على خاطري على خاطر ولدي''    قابس: الاعلان عن جملة من الاجراءات لحماية الأبقار من مرض الجلد العقدي المعدي    إطلاق خط جوي مباشر جديد بين مولدافيا وتونس    باجة: سفرة تجارية ثانية تربط تونس بباجة بداية من الاثنين القادم    هل يمكن أكل المثلجات والملونات الصناعية يوميًا؟    موسم واعد في الشمال الغربي: مؤشرات إيجابية ونمو ملحوظ في عدد الزوار    تحذير خطير: لماذا قد يكون الأرز المعاد تسخينه قاتلًا لصحتك؟    من قلب إنجلترا: نحلة تقتل مليارديرًا هنديًا وسط دهشة الحاضرين    المدير العام لمنظمة الصحة العالمية يؤكد دعم المنظمة لمقاربة الصحة الواحدة    قافلة الصمود فعل رمزي أربك الاحتلال وكشف هشاشة الأنظمة    خطبة الجمعة .. رأس الحكمة مخافة الله    ملف الأسبوع .. أحبُّ الناس إلى الله أنفعُهم للناس    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تقرير: تونس تتحول إلى منصة انطلاق للمهاجرين نحو صقلية
نشر في حقائق أون لاين يوم 17 - 10 - 2017


أطفأ قارب لقوات الحرس البحري الكاشف...
أطفأ قارب لقوات الحرس البحري الكاشف الضوئي مختبئا وراء جزيرة صخرية صغيرة قبالة السواحل التونسية في ما يبدو أنه كمين للإيقاع بمراكب مهاجرين باتجاه السواحل الإيطالية.
بعد وقت قصير، قام قائد قارب خفر السواحل الكابتن حسان الرابحي بتشغيل المحرك عندما التقط رادار القارب حركة سريعة لزروق مطاطي صغير لا يتجاوز طوله مترين تكدس به 14 مهاجرا غير شرعي، وهو واحد من عشرات القوارب التي أصبحت تبحر خلسة كل ليلة وتقطع قرابة 150 كيلومترا من تونس باتجاه جزيرة صقلية الإيطالية عبر البحر المتوسط.
”لقد أصبحت تونس نقطة انطلاق رئيسية باتجاه ايطاليا مؤخرا“ قالها الرابحي بينما كان رجاله المسلحون يأمرون الشبان الخائفين بإطفاء محرك الزورق الصغير والصعود إلى قارب قوات خفر السواحل وبدأ الحرس بسرعة في رمي الحبال لهم.
تحولت تونس في الأشهر الأخيرة إلى منصة رئيسية لدى المهربين لانطلاق قوارب المهاجرين باتجاه السواحل الإيطالية مع توصل السلطات الإيطالية إلى اتفاق مع خفر السواحل الليبية بدعم مجموعة ليبية مسلحة مما أدى إلى تراجع كبير ومفاجئ في أعداد المهاجرين من هناك.
وفي حين تراجعت عمليات انطلاق زوارق المهربين من ليبيا وهبطت أعداد المهاجرين المتجهين إلى إيطاليا من هناك بشكل كبير، تضاعفت أعداد المهاجرين المغادرين من تونس الذين تم اعتقالهم إلى أربعة أمثالها في سبتمبر أيلول وحده ليصل العدد إلى 900 مهاجر مقارنة بالشهر الذي سبقه.
وفقا لبيانات رسمية فإن قوات البحرية وقوات خفر السواحل اعتقلت منذ بداية العام الحالي أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر كانوا يحاولون الوصول إلى السواحل الإيطالية.
ويقول حرس السواحل إن المهربين في تونس فتحوا أيضا ممرا جديدا لمهاجرين كانت السواحل الليبية نقطة انطلاقهم الرئيسية باتجاه إيطاليا.
وحتى الآن الطريق متاح بشكل أكبر للتونسيين الذين يبحثون عن فرص العمل ولكن أعداد المهاجرين الأجانب في تزايد أيضا مستغلين قرب تونس من صقلية ورحلات بحرية أكثر أمانا في أغلب الأوقات.
ويقول الرابحي الذي يحوز تجربة سنوات طويلة من العمل في البحرية ‬”صقلية تبدو أقل حراسة من لمبيدوزا لذلك أصبحت هدفا رئيسيا للقوارب التي تنطلق من تونس“.
وعززت القوات البحرية التونسية مراقبتها للسواحل ولكن وصول البعض لأوروبا وبث فيديوهات على موقع فيسبوك وهم يرقصون ويغنون ويدعون أصدقاءهم للالتحاق بهم شجع الكثير من الشبان الآخرين على خوض مغامرة الإبحار خلسة للهروب من الفقر.
ويوم الاثنين أصبح كثير من الشبان المهاجرين ويعرفون في تونس باسم ”الحراقة“ يستعملون هواتفهم لتصوير رحلاتهم إلى صقلية.
وتظهر مقاطع فيديو نساء ورجالا يصحبهم أطفالهم يلوحون بعلامة النصر. وفي فيديو يظهر شابان تونسيان على متن مركب وهما يقولان ”نحن تركنا لكم تونس يا سبسي... أبقى فيها أنت لوحدك“ في إشارة للرئيس الباجي قائد السبسي.
ويقول أنور وهو شاب عمره 28 بينما كان يرتعش من البرد بعد أن قضى ثماني ساعات على متن الزورق المطاطي وسط البحر قبل أن توقفه قوات خفر السواحل ”شاركت في هذه الرحلة لأني كنت أرى أن الرحلات أصبحت سهلة وشاهدت كثيرا من الفيديوهات لشبان يصلون لهناك وحتى طريقهم لم تكن تبدو صعبة“.
الصور التي تنشر يوميا على تويتر وفيسبوك تظهر رحلات الهجرة وكأنها رحلات ترفيهية إلى مناطق سياحية.
في كثير من الأحيان تخرج عدة مراكب من نفس المكان في وقت واحد وتصل في وضح النهار إلى جزيرة صقلية حيث يفلت كثير من ‬‬‬‬‬‬المهاجرين التونسيين من المراقبة الأمنية ويصلون إلى داخل إيطاليا بعد ذلك بعيدا عن أعين الشرطة.
ويضيف المهاجر المعتقل أنور متحدثا لفريق من رويترز على متن قارب خفر السواحل بعد دقائق من إيقافه ”أنا عاطل عن العمل ولا أمل في تونس يجعلك تبقى لتنتظر حظك..انتظرنا سبع سنوات بعد الثورة ولكن شيئا لم يتغير... بل بالعكس الإحباط أصبح أكبر“.
* قرقنة-صقلية: طريق بديل
جزيرة قرقنة الساحرة بجمالها الطبيعي لم تعد قبلة للسياح المحليين فقط مثلما كانت عليه منذ سنوات بل تحولت هذا الصيف إلى قبلة لأفواج المهاجرين الذين يفدون إليها من مناطق كثيرة حيث يتجمعون في بيوت هناك لبضعة أيام قبل تسيير رحلاتهم.
قرقنة الجزيرة الهادئة أصبحت نقطة انطلاق رئيسية لقوارب مكتظة بالمهاجرين باتجاه جزيرة صقلية التي تبعد عنها حوالي 160 كيلومترا.
وكشفت مصادر لرويترز أن أكثر من 50 بالمائة من الرحلات السرية باتجاه جزيرة صقلية انطلقت هذا الصيف من جزيرة قرقنة التي تقع على بعد 270 كيلومترا جنوبي العاصمة تونس.
وتمتد جزيرة قرقنة على مساحة 150 كيلومترا مربعا ولا يتجاوز عدد سكانها 15 ألف نسمة. ويعيش كثير من أبنائها خارج الجزيرة.
ويفسر مهاجرون ومصادر أمنية ومهربون لرويترز بأن قرقنة أصبحت منصة انطلاق رئيسية لأغلب المهاجرين الذين يستغلون عزلة المنطقة الواقعة على بعد 30 كيلومترا من سواحل صفاقس ونقص الحضور الأمني هناك مع تشديد الرقابة على السواحل التقليدية الأخرى.
وعمليات إنقاذ المهاجرين وإيقافهم قبالة سواحل قرقنة أصبحت أخبارا شبه يومية.
وفي نهاية العام الماضي أحرق محتجون مقرات أمنية وعربات للشرطة أثناء احتجاجات عنيفة للمطالبة بالتنمية في جزيرة قرقنة تسببت آنذاك في فراغ أمني استمر أسابيع قبل أن يعود الأمن بشكل تدريجي للجزيرة.
ولا يبدو من السهل على السلطات التونسية إيقاف نزيف هذه الموجة الكبيرة من الهجرة.
وهذه الموجة هي الأكبر منذ موجة هجرة كبيرة في 2011 عقب انتفاضة أطاحت بالرئيس الأسبق زين العابدين بن علي وتلتها فوضى ووضع أمني هش استغله الآلاف للوصول إلى أوروبا.
ووفقا لأرقام جمعتها رويترز من مصادر أمنية وعائلات في عدة مدن تونسية فإن نحو ستة آلاف تونسي ركبوا قوارب الهجرة نحو الحلم الأوروبي في الأشهر الثلاثة الماضية.
وعلى عكس ما يجري في ليبيا حيث يترك المهربون المهاجرين يواجهون مصيرهم في البحر، فإن تجارة تهريب المهاجرين في تونس يهيمن عليها في أغلب الأوقات صيادون عادة ما يسعون لتوفير رحلات آمنة لمهاجرين يعرفونهم جيدا في كثير من الأحيان.
ولكن الأسبوع الماضي انتشلت القوات البحرية ثماني جثث بينما مازال عشرات آخرون مفقودين بعد أن اصطدمت سفينة تابعة للبحرية التونسية بمركب مكتظ بنحو 80 مهاجرا أغلبهم من التونسيين.
لكن بخلاف ذلك وصل كثير من التونسيين دون أي أن يلحقهم أي أذى في البحر إلى صقلية ودون أن ينتبه إليهم أحد خلال الأسابيع الماضية.
ويختلف هذا الأمر تماما عما يجري في ليبيا حيث غالبا ما يتم إنقاذ المهاجرين من قبل سفن أو البحرية الإيطالية التي تعالجهم ويجري إيصالهم إلى جزيرة لامبيدوزا الصغيرة مما يجعل من الصعب أن يواصل المهاجرون طريقهم إلى داخل المدن الإيطالية أو الأوروبية. وغالبا ما يتم إيقافهم في مركز للاحتجاز بتلك الجزيرة وترحيلهم بعد ذلك.
لم تتغير فقط نقطة الانطلاق الرئيسية إلى قرقنة، بل تغيرت أيضا نقطة الوصول وأصبحت جزيرة صقلية نقطة الوصول الرئيسية لأغلب قوارب المهاجرين التونسيين.
ويفسر مسؤول كبير بالحرس الوطني لرويترز أن اعتماد المهربين هذا الطريق الجديد يستهدف على الأرجح الالتفاف على قوات خفر السواحل الإيطالية التي تركز رقابتها على جزيرة لمبيدوزا بشكل خاص إضافة إلى صقلية وهي واحدة من أكبر الجزر في البحر المتوسط مما يتيح للمهاجرين الهروب من رقابة خفر السواحل هناك حين وصول مراكبهم في كثير من الأوقات.
* إحباط متنام وموجة هجرة كبرى
مع تدهور أوضاع الاقتصاد في تونس خصوصا بعد هجمات متشددين استهدفت صناعة السياحة، فإن أعداد الحالمين في الهجرة إلى أوروبا زادت بشكل ملحوظ بعد تتالي الصعوبات واصطدام أحلام الكثير منهم بسراب الواقع المرير الذي تغيب فيه فرص العمل والكرامة لمئات الآلاف من العاطلين عن العمل.
وحول موضوع الهجرة غير الشرعية الذي أصبح يثير جدلا واسعا في تونس قال رئيس الحكومة يوسف الشاهد هذا الشهر في مقابلة مع تلفزيون الحوار التونسي المحلي ”لماذا يغادر أبناؤنا ويختارون الحرقة؟ لأنهم ببساطة لا يرون عدالة...نحن نريد عدالة اجتماعية حقيقية نحن نسعى لتركيز دولة عادلة“.
وقال الناطق باسم الحرس الوطني العميد خليفة الشيباني إن قوات الحرس تمكنت من إحباط كثير من المحاولات التي زادت بشكل واضح مع تحسن الأحوال الجوية وترويج بعض المهربين من تونس لما يسمى برحلات غير شرعية أكثر أمناً“.
وأضاف لرويترز ”الظاهرة الجديدة أصبحت تتعلق بمشاركة كثير من النساء والأطفال وحتى عائلات بأكملها في رحلات الهجرة غير الشرعية.. ويتعلق الأمر أيضا بشبكات تهريب للمهاجرين وللسلع من بينها السجائر بين تونس وإيطاليا“.
وفي موقف يشير إلى صعوبة المعركة التي تواجه السلطات التونسية لإيقاف نزيف الهجرة غير الشرعية، يصر كل الشبان الذين أوقفتهم قوات خفر السواحل قبالة سواحل بنزرت على أنهم سيعيدون المغامرة وسيمتطون قوارب أخرى للوصول إلى حلمهم متحدين الخطر الذي واجههم في رحلتهم الأولى بعد أن توقف محرك زورقهم المطاطي ثماني مرات طيلة مسافة 40 كيلومترا من نقطة الانطلاق.
وعندما أوقفت قوات خفر السواحل زورقهم الصغير، سمعنا في الظلام صوت شاب يصرخ ”اتركونا رجاء! اتركونا نواصل الرحلة!“.. صرخة كانت تخفي ألما كبيرا للشاب حسان شوشان الذي يصر على أن يصل للضفة الأخرى وعدم الرجوع لبلده مهما كان خطر الرحلة على زورق متهالك.
يقول شوشان وهو في حالة رثة وقد ابتلت كل ملابسه مع تسرب مياه البحر إلى الزورق الصغير ”سأعود مرة أخرى في رحلة أخرى.. أنا اختار الموت في البحر على البقاء في تونس بلا كرامة.. المغامرة الحقيقية هي أن تبقى في تونس وليس أن تركب زورقا بحثا عن حياة أخرى“.
ويضيف قائلا والحسرة بادية على وجهه ”عندما أوقفنا خفر السواحل أحسست بأنه حطم حلمي في مغادرة الفقر والبؤس والإحباط الذي عشته في تونس“.
ويمضي حسان الذي فقد عمله كمرشد سياحي وظل عاطلا عن العمل عدة سنوات قائلا ”هاجرت بشكل غير شرعي أربع مرات لإيطاليا.. أعادتني السلطات الإيطالية مرة واعتقلني خفر السواحل التونسي ثلاث مرات أخرى.. لكني سأعيد المغامرة بلا شك مهما كلفني ذلك“.
وحظي الانتقال الديمقراطي في تونس بإشادة واسعة ولكن كل الحكومات المتعاقبة بعد انتفاضة 2011 فشلت في تحقيق انتعاش اقتصادي وتوفير فرص لمئات الآلاف الشبان العاطلين مما يدفع بعضهم إلى الهجرة غير الشرعية لأوروبا بحثا عن عمل.
ويكشف مسؤولو حرس السواحل أن نحو 80 في المئة من المهاجرين الذين يتدفقون من تونس إلى صقلية هم من التونسيين، ولكن مؤخرا انضم ليبيون ومغاربة وأفارقة من جنوب الصحراء إلى المهاجرين مع توسع شبكات التهريب في تونس.
وفككت قوات الحرس الوطني كثيرا من هذه الشبكات بالفعل واعتقلت كثيرا من المهربين، لكن التحدي يبدو كبيرا في ظل إصرار كثير من الشبان حتى بدفع من عائلاتهم على المشاركة في هذه الرحلات.
والأسبوع الماضي وصلت الفرقاطة ألبينو التابعة للبحرية الإيطالية إلى ميناء حلق الوادي للمشاركة في تدريب مشترك مع جيش البحر التونسي لضبط المهاجرين وإجراء عمليات البحث والإنقاذ في البحر مع تزايد تهريب المهاجرين بشكل حاد من تونس.
ويقول المنتدى التونسي للحقوق الاجتماعية والاقتصادية إن حوالي خمسة آلاف مهاجر شاركوا في رحلات هجرة غير شرعية في الأشهر الثلاثة الأخيرة وصل منهم 2000 على الأقل إلى ايطاليا.
ولا تزال ليبيا أول نقطة انطلاق باتجاه السواحل الإيطالية حيث تشير أرقام المنظمة العالمية للهجرة إلى أن عدد المهاجرين الذين انطلقوا من ليبيا منذ بداية 2017 حتى الآن بلغ حوالي 108 آلاف مهاجر.
لكن مع ذلك فمن الواضح أن حركة الهجرة غير الشرعية تراجعت بشكل واضح في الأشهر الماضية حيث هبطت أعداد المهاجرين بنسبة 75 بالمئة في صيف 2017 مقارنة بصيف 2016 وفقا لما ذكره انريكو كريدنينو قائد عملية صوفيا البحرية الأوروبية المكلفة بمكافحة الهجرة غير الشرعية.ومع تشديد الرقابة على نقاط الانطلاق الرئيسية من ليبيا، أصبحت تونس منصة بديلة لكثير من الشبان التونسيين الذين كان بعضهم يسافر إلى ليبيا للمشاركة في رحلات من هناك.
وقالت عائلات وشهود من قرية أولاد عامر الصغيرة، والواقعة قرب منتجع سوسة السياحي الذي تعرض لهجوم متشددين قبل عامين، إن نحو 300 شاب من مجموع سكان القرية البالغ عددها 4000 نسمة هاجروا في قوارب إلى إيطاليا عبر جزيرة صقلية في الأسابيع الماضية.
وكشفت مصادر أمنية وعائلات أن نحو 600 شخص من محافظة تطاوين غادروا أيضا في رحلات سرية. وغادر أكثر من 1500 شخص آخرين من بينهم أطفال ونساء من المنستير وصفاقس وهرقلة وبنزرت وقليبية والشابة وقبلي وسيدي بوزيد.
واليوم في تونس يناقش الشباب في المقاهي والموانئ علنا خططا للقيام برحلة على متن قوارب يدفعهم الشعور بالإحباط في العثور وظيفة ذات أجر لائق في بلدهم.
وفي ميناء المنستير وعلى متن مركب صيد تحدث فريق رويترز لمجموعة من الشبان كانوا يخططون للمشاركة في رحلة إلى إيطاليا.
كان الشبان لا يبالون بشيء ولا يخشون سوى عيون الحرس الوطني التي تراقب المكان من حين لآخر وهم يرددون أغاني شعبية عن الهجرة وعن روما.
يتحدث مروان سلام وعمره 25 عاما لرويترز في ميناء المنستير قائلا ”أشعر بإحباط وبؤس كبيرين... لطالما رددت الحكومة أنه ليس هناك فرص عمل في الوظيفة العمومية وأنها تشجع على المشاريع الخاصة ولكن حينما تقدمت بطلب للحصول على قرض لشراء قارب صيد صغير رفضوا طلبي وتركوني أواجه مصيرا مجهولا“.
فريق رويترز التقى مروان مع مجموعة من أصدقائه وكان من بينهم صياد يعمل بتهريب المهاجرين. ولكن بعد أيام قليلة وصل أغلب هؤلاء بالفعل إلى إيطاليا بعد رحلة انطلقت من المنستير باتجاه صقلية.
هؤلاء أوضحوا أنهم لا يخشون الاعتقال. ويٌقدم المهاجرون عند اعتقالهم للمحاكمة ولكنهم عادة ما يفلتون من العقوبة التي لا تتجاوز مدتها بضعة أيام أو غرامة مالية.
أحد المهربين الذين أوصلوا الشبان من المنستير إلى صقلية تحدث لرويترز قائلا ”لست أخشى من شيء... الأمر سيكون اعتقالا لأيام فقط على الأرجح إذا تم إيقافنا.. ثم أنا لا أقود إلا مراكب آمنة وجيدة في رحلات مريحة لا يتجاوز العدد فيها 40 أو 50 شخصا ووصولنا للضفة الأخرى مضمون“.
*الجنة الأوروبية: حقيقة أم وهم وسراب
عند الوصول إلى إيطاليا يتم ترحيل كثير من المهاجرين بينما يفلت آخرون ويواصلون طريقهم إلى داخل أوروبا.
فرحات منصور شاب عمره 26 عاما كان واحدا من عشرات من أبناء قرية أولاد عامر ممن ركبوا قوارب الموت ليصلوا إلى إيطاليا بعد رحلة مثيرة.
يروي فرحات لرويترز رحلته عبر الهاتف من ميلانو قائلا ”خرجت من قرقنة رفقة عشرات من أصدقائي من نفس المدينة..وصلنا إلى صقلية بعد عدة أيام بعد أن تاه مركبنا قبالة السواحل الإيطالية وبقينا نصارع مصيرا مجهولا قبل أن ينقذنا مركب آخر..دفعت ثلاثة آلاف دينار لمنظم الرحلة..غادرنا فجرا في مركب كبير وكان معنا فتيات“.
ويمضي قائلا ”تم احتجازنا في معتقل إيطالي لمدة سبعة أيام حين وصولنا إلى هناك. وجدنا هناك المئات من التونسيين. الشرطة الإيطالية اختارت بعض العشرات ممن تشتبه في أنهم متشددون ورحلتهم فورا بينما أنا كنت من عشرات آخرين حصلوا على بطاقة مرور وقتية صالحة لأسبوع وهو ما سمح لي بالوصول إلى ميلانو والابتعاد عن أعين الشرطة“.
طريق فرحات لم يكن مفروشا بالورود بل تلقى ما قال أنها ”صدمة وخيبة أمل قوية“ حين وطأت قدماه مدينة ميلانو التي كانت حلمه منذ سنوات. لم يجد فرحات ما كان يحلم به ولا ما كان يتوقعه حتى في أسوأ كوابيسه.
فرحات هذا الشاب التونسي الذي كان متحمسا جدا للوصول إلى الحلم الأوروبي مع كثير من أصدقائه بات الآن من المشردين هناك. فلا بيت يؤويهم حيث ينامون تحت الجسور أحيانا وفي بيوت مهجورة أحيانا أخرى ولا شغل متوفر حتى الآن.
رغم كل ذلك يصر هذا الشاب أنه سيبقى هناك ولن يعود لتونس إلا عندما يجمع ثروة ويحصل على إقامة رسمية في إيطاليا.
ويواصل فرحات حديثه قائلا ”نبحث عن عمل ولكن بلا جدوى منذ أسابيع. صحيح هنا الفرص قليلة فعلا ولكن في تونس الفرص منعدمة تماما. هنا يكفي أن تشتغل لمدة عام لتجمع مالا لا يمكنك أن تجمعه بعد عشر سنوات من العمل في تونس. اليورو الآن يساوي ثلاثة دنانير تونسية وهذا يلخص كل شيء“.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.