لا يختلف اثنان في أهمية القطاع السياحي صلب النسيج الاقتصادي التونسي إذ يمثل المحرك الاساسي له بفضل استئثاره ب 7,5% من الناتج الوطني الخام و توفيره لأكثر من 400 ألف موطن شغل مباشر. وزير السياحة جمال بن قمرة بدا في حوارنا الذي أجريناه معه متفائلا بحاضر و مستقبل السياحة التونسية رغم كل الصعوبات و المطبات التي ما انفكت تعيق المجهودات المبذولة من أجل النهوض بهذا القطاع الحساس الذي شهد تراجعا كبيرا في الحصيلة الموسمية بعيد الثورة بحكم التغيير السياسي الذي تعيش على وقعه البلاد.لكنه في المقابل اعرب عن قلقله من اهتزاز صورتنا في الخارج سيما في الاسواق التقليدية مثل السوق الفرنسية. في هذا الحوار الشامل،عبر بن قمرة عن موقفه بكل وضوح من ظاهرة الخيام الدعوية التي أضحت منتشرة في بعض الاماكن السياحية التي هي في العادة فضاءات لممارسة الحرية،كما أنه انتقد فكرة السياحة الحلال التي تحاول بعض القوى السياسية ذات المرجعية الدينية ترويجها تحت يافطة الأخلاق و المبادئ المجتمعية. و في مايلي نص الحوار الذي اجريناه مع وزير السياحة جمال بن قمرة: أثار تصريحكم الأخير في صحيفة الشرق الأوسط حول حقيقة الأوضاع في جبال الشعانبي استغراب المتابعين للشأن العام.ألا ترون أنكم قد كنتم مجانبين للصواب في تشخيصكم لما حدث في الشعانبي ؟ في الحقيقة تصريحي لم يكن تشخيصا للوضع الأمني في منطقة الشعانبي، بل كان مجرد تحليل نقلته عن خبير مختص في الشؤون العسكرية و الامنية إعتبر فيه أن الآثار التي تم العثور عليها في المكان الذي من المفترض أن الإرهابيين كانوا يقطنون فيه لا تؤشر على أنهم كانوا ينوون التوطين هناك من أجل تحويل المنطقة إلى قاعدة تكون منطلقا لهجمات إرهابية، لذلك انا قلت ان الإرهابيين كانوا يقيمون مايشبه مخيمات الكشافة لانهم لم يقيموا وكرا آمنا ينم على كونهم يفكرون في الإستقرار بجبال الشعانبي. حسب رأيي لا يجب ان ندخل في جدل و مماحكات عقيمة،لان الحكومة بصدد الإشتغال على المسألة الأمنية سيما في منطقة الشعانبي.والمؤكد أن الموضوع تقني صرف،لذلك أحبذ تركه للأمنيين الذين لدينا فيهم ثقة تامة. عمليا ما المطلوب الآن من الحكومة حتى يتسنى لنا تجاوز إشكال الشعانبي الذي قد يؤثر على الموسم السياحي؟ أظن أن قواتنا الأمنية و العسكرية بصدد القيام بدورها على أحسن وجه من أجل تطويق المسألة لمعالجتها بطريقة ناجعة.لذلك لا داعي لإعطاء الموضوع أكثر من حجمه. أحداث العنف المتكررة التي شهدتها بلادنا طوال الفترة الماضية إلى أي حد أثرت على مردودية القطاع السياحي ؟ لقد تأثر القطاع بشكل سلبي من أحداث العنف التي عاشت على وقعها البلاد سيما إبان حادثة الهجوم على السفارة الأمريكية و عملية إغتيال شكري بلعيد.الأرقام حينذاك شهدت إنحدارا كبيرا لذلك نحن نتمنى أن لا تتكرر أحداث من هذا القبيل فمصلحة تونس و التونسيين فوق كل إعتبار..اما بخصوص احداث الشعانبي فإن الإحصائيات الاخيرة لشهر جوان تشير إلى أن القطاع السياحي يعيش نسقا تصاعديا سواء على مستوى الحجوزات أو على مستوى عدد الزائرين لذلك لا أعتقد أنها قد أثرت على بداية الموسم السياحي الحالي. ما صحة الأخبار المتواترة في بعض المواقع الإلكترونية و التي تفيد بإلغاء عديد السياح لحجوزاتهم ؟ هذا غير صحيح فنحن لم نسجل أي إلغاء للحجوزات في الفترة الأخيرة بل على العكس من ذلك فإن الارقام تفيد بأننا سجلنا في بدايات شهر جوان نسق نمو قارب 15%. قمتم في الآونة الأخيرة بعديد الزيارات إلى الخارج فكيف و جدتم صورة تونس هناك ؟ صورة تونس في البلدان التي زرتها تختلف من دولة إلى أخرى.فعلى سبيل الذكر قمت في روسيا بعقد ندوة صحفية حضرها زهاء 30 صحفيا لم يطرحوا أي سؤال عن الشأن الامني في بلادنا فهم غير مهتمين بذلك وهو ما يبرز أن صورتنا في روسيا جيدة للغاية . لهذا من المنتظر أن يزورنا في هذا الموسم حوالي 350 ألف سائح روسي او ربما أكثر. إجمالا الإنطباع العام الذي لاحظته هو أنهم ينظرون إلى تونس على أنها النموذج الأقرب للنجاح في بلدان الربيع العربي. مثلا في بريطانيا كان لي لقاء مع وزير السياحة و مع البرلمانيين الذين حاولوا الإستماع لنا من أجل معرفة حقيقة الظاهرة السلفبة و للتعرف على علاقة الدين بالسياسة في دولتنا و في الاخير قدموا لنا مقاربة إيجابية عكست روحا إيجابية. الإشكال الكبير كان في فرنسا التي تعد سوقا تقليدية فقد لاحظنا أن صورتنا هناك مهتزة نوعا ما بسبب الإعلام . لذلك هم طلبوا منا التواجد بكثافة في المشهد الإعلامي الفرنسي حتى نطمئن السياح الراغبين في القدوم إلى تونس على أن الاوضاع الأمنية ليست كارثية كما يتصورون. برأيك كيف يمكن تحسين صورتنا في الخارج سيما في الاسواق التقليدية التي نحن في أمس الحاجة لها ؟ يجب أن نبرز صورتنا الحقيقية كما هي دون تزويق أو تجميل.لابد من أن نكون على قدر كبير من المصداقية لانهم مطلعون على كل ما يحدث في بلادنا . كما أنه من الضروري التعريف بتونس الثرية و المختلفة التي تتفاعل بشكل إيجابي مع محيطها الخارجي. ما موقفكم من ظاهرة الخيام الدعوية التي تقام من حين لآخر في بعض الأماكن السياحية؟ نحن مع حق كل المواطنين في التعبير عن قناعاتهم و آرائهم طالما هناك احترام للقانون الذي هو خط أحمر لن نسمح لاي كان بأن يتجاوزه. أعتقد أن للخطاب الدعوي أماكن خاصة به لا يمكن الخروج منها دون الحصول على ترخيص من وزارة الداخلية التي ستكون صارمة في تطبيق القانون. كيف تنظرون إلى فكرة "السياحة الحلال" التي تريد بعض الجهات السياسية ذات المرجعية الدينية تجسيدها في تونس؟ في نظري الحلال و الحرام لا دخل لهما في العرض السياحي التونسي.هذه مسألة تخص الشخص في حد ذاته فهو حر في تصرفاته و ممارساته. نحن في الحكومة الحالية نسعى لتطوير النمط الحالي لسياحتنا حتى يستجيب أكثر فأكثر لمتطلبات السوق العالمية.و أعتقد ان تسمية السياحة الحلال موضوعة للتسويق السياسي أكثر من أي شيء آخر. السياحة تمثل اليوم ثالث أهم قطاع إقتصادي في العالم من حيث العائدات المالية وبالتالي لا يمكن لأي بلد أن يتخلى عنها مهما كانت المرجعية الفكرية لحكامه. الدين حسب رأيي لا يمكن أن يكون عائقا إزاء تطوير السياحة التي تمثل رافدا لتلاقح الحضارات و لتواصل الأديان السماوية و للتسامح بين جميع البشر. كيف تقيمون انطلاقة الموسم السياحي الحالي؟ نحن نسير في نفس مستوى النسق التصاعدي الذي توقعناه،فقد سجلنا بارتياح إرتفاع عدد الحجوزات و عدد الزائرين الذي ناهز 2.5 مليون زائر وهو ما يعكس زيادة بنسبة 3% مقارنة بأرقام السنة الماضية التي يمكن ان نتجاوزها بنسب هامة سيكون لها دلالات رمزية. أعتقد انه إذا ما واصلنا على النسق فإننا سنصل إلى تحقيق الهدف الذي نرنو إليه وهو استقطاب 7 ملايين سائح على إمتداد السنة. لكن طبعا كل هذا يتطلب توفر شروط معينة نحن بصدد الاشتغال عليها و هي تتلخص في الإستقرار الأمني و الصيانة و النظافة و الخدمات الجيدة. هل من جديد في ما يخص السياحة الداخلية؟ تعد السياحة الداخلية عنصرا أساسيا في سياق تطوير القطاع السياحي بصفة عامة.و من الملاحظ أن حجم عائداتها الذي يقدر ب 12% مازال دون المأمول.لذلك فهي تحتاج إلى المزيد من الإهتمام و العناية الخاصة. نحن الآن بصدد تشجيع وكالات الاسفار على التخصص في السياحة الداخلية وهو ما من شأنه ان يساعد على تقديم عروض لإقامات سياحية باسعار ملائمة للمقدرة الشرائية للحريف المحلي.كما أننا نسعى لمزيد التعريف إعلاميا بمنتوجنا السياحي حتى نحث المواطن على زيارة جهات أخرى لا يعرفها. على المستوى الإستراتيجي ماهي الآليات الضرورية التي يجب أن نعتمدها للنهوض بالقطاع السياحي؟ لابد من التركيز على ثلاثة محاور استراتيجية وهي تتلخص في هيكلة القطاع من خلال مزيد تدعيم السياحة البديلة سيما الثقافية و الأيكولوجية حتى لا نقتصر فقط على السياحة الشاطئية التي هي موسمية، ثم يجب هيكلة القطاع على المستوى الإداري و التكويني و المهني وهذا سيتم من خلال إصدار مجلة السياحة و سن قانون السياحة البديلة. أيضا من الضروري العمل على تنويع المنتوج عبر وضع خطة واضحة المعالم للتشجيع على الاستثمار في المجال السياحي.علاوة على التوجه نحو مزيد استعمال التكنولوجيا الحديثة في المنظومة السياحية لاسيما في عملية التسويق و الإشهار .