استبقت حركة النهضة مسار المشاورات السياسية المتعلقة بتشكيل الحكومة الجديدة بقرار اتخذه مجلس شوراها يترجم خياراتها السياسية في الدورة النيابية القادمة التي تتعارض مع الأحزاب السياسية المعنية بتكوين الائتلاف الحاكم . واختار مجلس شورى النهضة، الذي يضم ممثلي قواعد الحركة في الجهات والقطاعات ويضم حوالي 250 عضوا، الإجابة عن شروط حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب بإعلانه التمسك بتعيين شخصية من صفوف الحركة على رأس الحكومة الجديدة دون تخوف من إمكانية إجراء انتخابات تشريعية مبكرة في حال الفشل في تشكيل الفريق الحكومي الضامن لأغلبية برلمانية تمنحه الثقة. ويتعارض قرار النهضة وخيارها المدعوم من قواعدها الانتخابية مع توجهات الأحزاب السياسية، التيار الديمقراطي وحركة الشعب، اللذان دعيا إلى تعيين شخصية مستقلة على رأس الحكومة أو تعيين شخصية أخرى من خارج النهضة قائدا للتشكيلة الحكومية التي ستفرزها المشاورات. ووجدت القيادة المركزية لحركة النهضة نفسها مجبرة على اتخاذ قرار سياسي يتلاءم وخيارات أنصارها التي تدفع إلى ترأس الحكم وقيادته والكف عن تمشي التخفي في السلطة والحكم من الصفوف الثانية، رغم أن البعض من "زعمائها" يدعمون فكرة التفاوض مع الأحزاب المعنية بالمشاورات دون طرح شروط مسبقة نظرا لعدم قدرتها على توفير أغلبية برلمانية تمنح الثقة لحكومتها. ويتمسك حزب التيار الديمقراطي بموقفه الرافض لترأس حركة النهضة الحكومة القادمة وباختيار شخصية مستقلة عن الأحزاب السياسية لاختيار أعضاء الفريق الحكومي. بدورها تعتبر حركة الشعب أن قيادات حركة النهضة غير مؤهلة لقيادة الحكومة في الفترة النيابية مبررة موقفها بتراكم تجارب الفشل لدى وزراء وأعضاء الحكومة المنتمين للنهضة والذين تقلدوا مناصب في الحكم طيلة الثمان سنوات التي أعقبت الثورة. وأمام تمسك النهضة بموقفها، جددت حركة الشعب مقترح تفويض اختيار رئيس حكومة إلى رئيس الجمهورية المنتخب، قيس سعيد، للخروج من المأزق السياسي وباعتباره متحصلا على تفويض شعبي كبير. في المقابل رحب ائتلاف الكرامة المحافظ بمشاركة النهضة في الحكم دون أي شروط ومفاوضات وتقرب من الحركة بهدف منح أعضائه حقائب وزارية في الائتلاف الحاكم الجديد. ويبدو أن الخلافات والتباعد في المواقف والأراء بين الأحزاب المعنية بمفاوضات تشكيل الحكومة سيعيق تشكيل الحكومة خاصة وأن النهضة باتت مجبرة على تكريس القرار الذي اتخذه مجلس شوراها حفاظا على خزانها الانتخابي. وسيجد زعيم الحركة ، راشد الغنوشي، نفسه بين مطرقة أنصار النهضة وسندان الأحزاب المشمولة بالمشاركة في الحكم وتوفير الأغلبية البرلمانية لحصول الفريق الحكومي الجديد على ثقة البرلمان. وربما تلجأ النهضة، بعد طول مشاورات، الى التخلي عن قرارها بتعيين قيادي من أبناءها رئيسا للحكومة توجسا من انتخابات برلمانية سابقة لأوانها قد تزيد من ذوبان خزانها الانتخابي. ويفرض الدستور على حركة النهضة تشكيل حكومة في ظرف شهر من تاريخ الاعلان النهائي عن النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية بتكليف من رئيس الجمهورية لرئيس الحركة راشد الغنوشي.