عاجل/ قضية وديع الجرئ..تطورات جديدة وهذا ما تقرر في حقه..    إتفاقية تعاون بين وزارة التشغيل والتكوين المهني وبرامج ابتكار الأعمال النرويجي    الرائد الرسمي : اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية بنسبة 100 بالمائة    بطولة مدريد للماسترز: أنس جابر تواجه السلوفاكية آنا كارولينا شميدلوفا في الدور الثاني    القبض على مقترفي عملية سرقة مؤسسة سياحية بقليبية واسترجاع المسروق..    الإطاحة بثلاثة مروجي مخدرات أحدهم محل 12 منشور تفتيش وهذا ما تم حجزه..    الحماية المدنية: 21 حالة وفاة خلال ال24 ساعة الأخيرة    بنزرت: تفكيك شبكة مختصة في تنظيم عمليات الإبحار خلسة    باجة: وفاة كهل في حادث مرور    المنستير : حريق بسيارة '' تاكسي فردي''    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    الليغ 2: علي العابدي يرفع عداده .. ويساهم في إنتصار فريقه    تونس تعمل على جمع شمل أمّ تونسية بطفلها الفلسطيني    عاجل/ هجوم جديد للحوثيين في البحر الأحمر..    لطفي الرياحي: "الحل الغاء شراء أضاحي العيد.."    أمطار غزيرة: 13 توصية لمستعملي الطريق    بطولة كرة السلة: برنامج مواجهات اليوم من الجولة الأخيرة لمرحلة البلاي أوف    كأس إيطاليا: يوفنتوس يتأهل إلى النهائي رغم خسارته امام لاتسيو    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    يهم التونسيين : اليوم.. لحوم الأبقار الموردة موجودة في هذه الاماكن    عاجل : منع بث حلقة للحقائق الاربعة ''فيقوا يا أولياء    جندوبة : تطور أشغال جسر التواصل بين هذه الولايات    مبعوث ليبي ينقل رسالة خطية إلى الملك محمد السادس    حزب الله يعلن استهداف موقع إسرائيلي بعشرات الصواريخ..#خبر_عاجل    نموذج أوروبي: الأمطار متواصلة في تونس الى غاية الأسبوع القادم    فاطمة المسدي: 'إزالة مخيّمات المهاجرين الأفارقة ليست حلًّا للمشكل الحقيقي'    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    بورصة تونس: بورصة تونس تبدأ الأسبوع على ارتفاع مؤشر «توننداكس»    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    رسالة من شقيقة زعيم كوريا الشمالية إلى العالم الغربي    لن تصدق.. تطبيق يحتوي غضب النساء!    الاقتصاد في العالم    القطاع الصناعي في تونس .. تحديات .. ورهانات    أريانة: إزالة 869 طنا من الفضلات وردم المستنقعات بروّاد    الطقس اليوم: أمطار رعديّة اليوم الأربعاء..    تنبيه: تسجيل اضطراب في توزيع مياه الشرب بعدد من مناطق هذه الولاية..    مشاركة تونس في اجتماعات صندوق النقد والبنك الدولي .. تأكيد دولي على دعم تونس في عديد المجالات    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    جربة: جمعية لينا بن مهني تطالب بفتح تحقيق في الحريق الذي نشب بحافلة المكتبة    رئيس مولدية بوسالم ل"وات": سندافع عن لقبنا الافريقي رغم صعوبة المهمة    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    وزارة المرأة تنظم ندوة علميّة حول دور الكتاب في فك العزلة عن المسن    الاتحاد الجزائري يصدر بيانا رسميا بشأن مباراة نهضة بركان    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    الألعاب الأولمبية في باريس: برنامج ترويجي للسياحة بمناسبة المشاركة التونسية    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    فيروسات ، جوع وتصحّر .. كيف سنواجه بيئتنا «المريضة»؟    توزر.. يوم مفتوح احتفاء باليوم العالمي للكتاب    إكتشاف مُرعب.. بكتيريا جديدة قادرة على محو البشرية جمعاء!    يراكم السموم ويؤثر على القلب: تحذيرات من الباراسيتامول    جندوبة: السيطرة على إصابات بمرض الجرب في صفوف تلاميذ    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    ردا على الاشاعات : حمدي المدب يقود رحلة الترجي إلى جنوب إفريقيا    بطولة ايطاليا : بولونيا يفوز على روما 3-1    وزارة الخارجية تنظم رحلة ترويجية لمنطقة الشمال الغربي لفائدة رؤساء بعثات دبلوماسية بتونس..    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



"روّح".. مونودراما تعريك وتلبسك أردية بألوان الحياة
نشر في حقائق أون لاين يوم 19 - 01 - 2020

العتمة توشّح قاعة العرض بفضاء التياترو، وصوت متدفّق من العمق يملأ أخاديد الصمت ويلقي بعضا من النور في التجاويف، ومن المجرّة إلى كوكب الأرض إلى إفريقيا فشمالها فتونس وسيدي بوزيد والرقاب ثم قرية الرضّاع، يتبدّل النور ويتغيّر ولكنّه لا يذوي.
رحلة من المجرّة إلى قرية الرضّاع، تعيشها وأنت جالس في المقعد ذاته، رحلة هي فاتحة رحلات كثيرة تحملك إليها الممثلة فاطمة الفالحي في مونودراما "روّح"، رحلات تقحمك فيها دون إيذان منذ أن تسللت بين الجمهور لتعتلي الركح إلى أن عانقت السماء في نهاية العرض.
من السماء إلى الأرض كان المسار في البدء ومن الأرض إلى السماء كان المسار في الختام وسط مراوحة عميقة بين الواقعي والمتخيّل وبين الذاتي والموضوعي وبين الموجود والمنشود، وبين الأرض والسماء امتدت خطوط كثيرة بين المسارين ولكل خطّ معنى يتشكّل على نسق المسار.
والخطوط ليست إلا طرقات تحملك عبرها فاطمة الفالحي إلى عوالم تسير فيها حافيا عاريا إلا من إنسانيتك، وعلى وقع سكناتها وحركاتها تواجه الحياة بسوادها وبياضها وبكل ألوانها المبهجة منها والباعثة على الحزن، وتداعب الندوب التي خلفتها في جسدك وروحك وتكسر باب الذاكرة وتحرر الذكريات الحلوة منها والمرة.
مثل الخطوط التي تزيّن كفّك وأناملك والعروق والشرايين التي تكتب حكايا الدم على جسدك تتفرّع القصص التي ترويها فاطمة الفالحي على الركح بصورتها وجسدها وتعابير وجهها وضحكاتها وألق الدمع في عينيها، خطوط تتشابك وتتفرّع عن بعضها البعض تتدانى وتتباعد لتشكّل في كل مرّة معنى جديد.
وعند بداية كل خطّ طريق جديدة تأخذك إلى الآخر أحيانا وتعود منها إليك كل حين، ويحدث أن تتعثّر في ثقوب تزّين ملامح الحياة، ثقوب قد تكون صرختك في وجه مسار لا يشبهك أو في وجه الرتابة القاتلة، فقد يحدث أن تنسف خطّا كاملا في الطريق إليك.
وفي الطريق إليها، إلى تلك الفنانة المتمرّدة الثائرة التي لا تشبه إلا إحساسها وعفويتها، تعانق فاطمة الفالحي تفاصيل الخشبة بعد غياب، تنزع عنها كل الأردية إلا رداء الفن والإنسانية وتعرّي الواقع كل الواقع وكل الشخوص من حولها وتنسج من حكاياتها أردية بألوان الحياة.
المسرح دينها وديدنها، تبث فيه من روحها وأنفاسها وترسم به سبيلا إلى دواخلها، هذا ما تقرؤه من "صولاتها" على الخشبة، وهي التي خاضت تجارب فنية وحسّية على أركاح كثيرة منذ بداية الطريق مع الراحل عز الدين قنون، ومن "أوراق ميتة" إلى نواصي" وغيرها من التجارب المسرحية، تينع الأوراق وتقف فاطمة الفالخي على ناصية الحلم وتقاتل.
من قصص الآخرين بشخصيات حفظت خشبات المسرح تفاصيلها تروي لنا قصصها بتفاصيل تتلبّس فيها الانفعلات فلا تدر إن كانت تستدر الدمعة أو البسمة ولكنّك تعيشها كما صوّرتها بتلك البساطة التي ينتفي أمامها معنى العمق، إنّه بوح يرشح صدقا وعفوية وإن كان لا يخلو من المتخيّل.
وعلى إيقاع البوح تشكّلت ملامح مونودراما بسيطة تشدّك إلى تفاصيلها ولكّنها أيضا معقّدة جدّا إذ تتصارع فيها قراءات العقل والعاطفة، وبعيدا عن المباشرتية بدت لغة المونودراما مكتوبة بحبر من الصدق جعلها تبدو شبيهة بالجميع على اختلافهم.
وحيدة على خشبة المسرح، بفستانها الأسود كتلك الشعرات التي تزيّن البياض المزهر في رأسها، تحارب فاطمة الفالحي كل السلط الذكورية بل وتأخذ منها روحها في كل مرة وتحييها إن أبى الحبل السري أن ينقطع، ومن الدولة إلى المجتمع إلى العائلة فالأب فالآخر أيا كان تعدّدت تجلّيات "السجن" الذي حفرت فيه منافذ بأظافرها وأسنانها.
الروابط العائلية، وتعليم الإناث، والحريات الفردية، والمساواة في الميراث وغيرها من المواضيع الراهنة أثارتها فاطمة الفالحي على الركح عبر نص كتبته ثلاثي نسائي خولة الهادف وفاطمة الفالحي ويسر القلعي، نص تتخذ فيه الحالة الدرامية أنساقا مختلفة.
وبلغة واضحة عرّى النص قضايا كثيرة دون تسطيح أو ابتذال من خلال شخصية تماهت مع اللغة المسرحية حتّى صارت بعضا منها، وترجمت بها تجاربها الذاتية ومنها صاغت أسئلة عن الكينونة وعن المصير والوجود، في زمن درامي تماهى في الماضي والحاضر والمستقبل وانتفت بينهم الحدود.
على الركح تتهاوى الأفكار وتتشكّل ملامحها على بقايا الذكريات وتتجّلى معالم الأمكنة التي تصوّرها كلماتها ونظراتها وابتسامات ليست كالابتسامات، وترتسم ملامح شخصيات أوجدها النص لكسر "سطوة" الشخصية الواحدة، شخصيات تتصارع من خلالها فاطمة الفالحي مع المصير والأقدار.
كلمات وإيماءات وإشارت تأرجحت بينها الشخصية على المسرح، وخلقت منها المخرجة خولة الهادف مشهدية بصرية شدّت إليها الجمهور، إذ وظّفت الأدوات الإخراجية لتنويع حركة الممثلة الواحد على الركح بشكل يقطع مع الملل الذي قد يتسرّب من بين ثنايا النص السردي.
صراعات بألوان شتّى تواجهها الشخصية على الركح، تبكيك وتضحكك ولكنّك لا ترى دموعك ولا تفرج عن أسنانك، وتنصهر ملامحها مع السردية الفردانية للمونودراما وتحتل الفضاء وتقتل الوقت حتّى أنّ لا تعلم كم لبثت على الركح تعري الجراح وتضع عليها أصابعها.
وبين أداء فاطمة الفالحي الذي يرشح صدقا وعفوية والنص الملغّم بالمعاني والرسائل والرؤية الإخراجية التي راوحت بين البساطة والعمق، تبدو مونودراما " روّح" متفرّدة متمرّدة وهي التي تلتقي فيها حكايا الوطن بحكايا الإنسان على ناصية الحلم بغد آخر.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.