في فترات الحروب والأزمات التي تواجه العديد من الدول والشعوب، يطفو على السطح نوع خاص من البشر، فقدوا ضمائرهم او باعوها بثمن بخس لتحقيق مكاسب مادية خاصة بهم , نظير قيامهم بأعمال وممارسات تجارية غير اخلاقية وغير شرعية او انسانية , تعتمد على استغلال االظروف السيئة التي تواجه الشعوب في أوقات الأزمات . وفي تونس مثلا، تنوعت الظواهر الاجتماعية في فترة تفشي فيروس كورونا المستجد وخلال الحجر الصحي العام وتضاربت بين ماهو أخلاقي وماهو غير انساني قوامه ربح المال، فبالرغم من بروز سلوكات اجتماعية جديدة ايجابية فرضتها اكراهات الحجر الصحي العام، انفجرت جرائم جديدة امتهنها مستكرشي الحروب والأزمات الذين استغلوا أزمة انتشار فيروس كورونا المستجد في البلاد لتنظيم عمليات "حرقة داخلية" بين مختلف ولايات البلاد.
ويقوم ممتهنو "الحرقة بين المدن" بتهريب أشخاص يخرقون اجراءات الحجر الصحي العام ويتسللون من ولايات إلى أخرى، وتكررت هذه الجرائم بصفة كبيرة في المناطق المصنفة بالموبوءة على غرار منطقة ضفاف البحيرة بالعاصمة وجزيرة جربة.
حب المال طغى على عقول سماسرة الحروب والأزمات وشجعهم على ارتكاب جرائم صحية تظاهي خطورتها العمليات الارهابية التي تستهدف المجتمع والأفراد، وبأجرة تصل إلى حدود 300 دينار، يقوم مهربو رافضي إجراءات الحجر الصحي بنقلهم من مدن مصنفة بالموبوءة إلى أخرى غير عابئين بخطورة عدوى الفيروس وانتشاره في مدن أخرى.
الأهم في هذه التجارة اللاأخلاقية، أن مجرمي أزمة كورونا وممتهني عمليات التهريب الداخلي، ودون شك، يتحصنون بتراخيص تنقل أمنية أو أنهم موظفون بالدولة يستقوون بصفة "زميل" على كل الإجراءات الوطنية بما فيها المتعلقة بالوضع الصحي العام.
واستطاع محمد، شاب يبلغ من العمر 37سنة (رفض الافصاح عن هويته)، التسلل من جزيرة جربة إلى ولاية صفاقس خلال فترة الحجر الصحي العام وبعد اعلان الدولة أن جربة منطقة موبوءة ينتشر فيها فيروس كورونا بصفة أفقية.
ويقول محمد لحقائق أون لاين، أنه كان يعمل في نزل بجربة ولم يستطع مغادرتها بعد فرض إجراءات الحجر الصحي العام بكامل البلاد ومنع التنقل بين الولايات، وظل يترصد فرصة العودة إلى أهل بيته مستعينا ببعض معارفه لتأجير سيارة تنقله إلى صفاقس.
وبين محمد أنه غير مصاب بفيروس كورونا، لكن الوحدات الأمنية منعته من الخروج من جربة، مبرزا أنه استعان بعون أمن لنقله إلى مسقط رأسه مقابل أجرة مالية بلغت قيمتها 150 دينارا.
مواطن آخر أصيل ولاية سيدي بوزيد، واسمه هيثم، أكد لحقائق أون لاين أنه عاد إلى مسقط رأسه من ولاية أريانة واستظهر بترخيص تنقل بين المدن مخصص لممرض يعمل بالجهة، مبرزا أنه استغل فرصة عدم وجود صورة صاحب الترخيص على الوثيقة، واكتفى بالقول " أحمد الله أني عدت الى منزل أهلي في فترة يمنع فيها التنقل بين المدن بكلفة مالية لم تتجاوز المائة دينار".
وزير الصحة عبد اللطيف المكي أكد بدوره خلال لقاء تلفزي أن موضوع "التهريب بين المدن" بظلاله على مجلس الوزراء ومثل محورا هاما لفحوى محادثات رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ مع أعضاء حكومته، لكن لم يفصح عن فرض عقوبات صارمة على كل من تورطوا في الضرر بغيرهم.
مؤكد أن أزمة تفشي فيروس كورونا الجديد في كل بلدان العالم سيخلدها التاريخ البشري وخاصة منها الظواهر الاجتماعية بكل سلوكاتها الايجابية والسلبية وسترسم ملامح عالم جديد بكل تمظهراته الجغرافية والانسانية.