الواضح أن قيس سعيد ليس ضد حزب سياسي معين كما فهم البعض، بل هو ضد الأحزاب جميعها.. ضد الأحزاب كفكرة لأنها في رأيي تهدد خطه الشعبوي الذي لا يستقيم فيه الحال إذا كان للأحزاب شرعية جماهيرية.. فطريق الشعبوية آخر محطة فيه هي أن يكون هناك إثنان فقط: رئيس قائد ملهم وقطيع من الرعايا.. وهذا ليس مستغربا منه فهو كان أسرّ في حملته الانتخابية بطرحه لنظام انتخابي آخر غير النظام الحالى هو النظام المجالسي.. ولذلك يميل قيس سعيد في كل مرة يعود فيها المقود إليه إلى الذهاب إلى فرض مركزية القرار له في تشكيل الحكومة واستبعاد الأحزاب.. وهذا طبيعي فالأحزاب والتنظيمات عموما هي دائما منظور لها كضِرار لهواة الحكم الفرداني.. سعيد يتصرف وكأننا فعلا في حكم رئاسي مطلق.. ويبدو في صورة المستفيد من غياب المحكمة الدستورية. وهذه الحكومة التي بصدد تشكيلها المشيشي ليست مشكلتها أن أعضاءها سياسيون أم تكنوقراط ، المشكلة أنها في الحقيقة ليست حكومة المشيشي وإنما هي حكومة الرئيس سعيد ورئيسها الفعلي هو سعيد والمشيشي لن يكون سوى رئيس وزاراء فيها حتى ولو أعلن أنه رئيس حكومة.. ما الفرق بينها وحكومات الدكتاتور بن علي حين كان بن علي هو كل شيء فيها؟ مهما اختلفت مع الأحزاب لا تكن من مساندي إمكانية العودة إلى النظام الرئاسى المطلق الذي عانت منه تونس الويلات.. وحين نرى إيماءات أو إشارات توحي بإمكانية العودة إليه فإننا نرفع الحناجر رافضين.. فشعبنا ليس قطيعا ولا هناك قائد ملهم من السماء..