تونس تشارك في معرض ليبيا للإنشاء    غرفة القصابين: معدّل علّوش العيد مليون ونص    نيويورك: الشرطة تقتحم جامعة كولومبيا وتعتقل عشرات المؤيدين لغزة    تونس: الإحتفاظ بعنصر تكفيري مفتّش عنه    علم تونس لن يرفع في الأولمبياد    جبل الجلود تلميذ يعتدي على أستاذته بواسطة كرسي.    مهرجان سيكا جاز: تغيير في برنامج يوم الافتتاح    الفيلم السّوداني المتوّج عالميا 'وداعًا جوليا' في القاعات التّونسية    سامي الطاهري يُجدد المطالبة بضرورة تجريم التطبيع    دعما لمجهودات تلاميذ البكالوريا.. وزارة التربية تدعو إلى تشكيل لجان بيداغوجية جهوية    الطبوبي في غرة ماي 2024 : عيد العمّال هذه السنة جاء مضرّجا بدماء آلاف الفلسطينين    عاجل: وفاة معتمد القصرين    انطلاق فعاليات الاحتفال بعيد الشغل وتدشين دار الاتحاد في حلتها الجديدة    بنزرت: وفاة امرأة في حادث اصطدام بين 3 سيارات    اليوم: طقس بحرارة ربيعية    تونس: 8 قتلى و472 مصاب في حوادث مختلفة    البطولة العربية السادسة لكرة اليد للاواسط : المغرب يتوج باللقب    الهيئة العامة للشغل: جرد شركات المناولة متواصل    اليوم: تونس تحيي عيد الشغل    جولة استكشافية لتلاميذ الاقسام النهائية للمدارس الابتدائية لجبال العترة بتلابت    نتائج صادمة.. امنعوا أطفالكم عن الهواتف قبل 13 عاماً    اليوم.. تونس تحتفل بعيد الشغل    اتفاق لتصدير 150 ألف طن من الاسمدة الى بنغلاديش سنة 2024    الليلة في أبطال أوروبا... هل يُسقط مبابي «الجدار الأصفر»؟    الكرة الطائرة : احتفالية بين المولودية وال»سي. آس. آس»    «سيكام» تستثمر 17,150 مليون دينار لحماية البيئة    أخبار المال والأعمال    وزارة الفلاحة تضبط قيمة الكيلوغرام من التن الأحمر    لبنان: 8 ضحايا في انفجار مطعم بالعاصمة بيروت وقرار عاجل من السلطات    موظفون طردتهم "غوغل": الفصل كان بسبب الاحتجاج على عقد مع حكومة الكيان الصهيوني غير قانوني    غدا الأربعاء انطلاقة مهرجان سيكا الجاز    قرعة كأس تونس للموسم الرياضي 2023-2024    اسقاط قائمتي التلمساني وتقية    تأخير النظر في قضية ما يعرف بملف رجل الأعمال فتحي دمّق ورفض الإفراج عنه    تعزيز أسطول النقل السياحي وإجراءات جديدة أبرز محاور جلسة عمل وزارية    غدا.. الدخول مجاني الى المتاحف والمواقع الاثرية    هذه تأثيرات السجائر الإلكترونية على صحة المراهقين    قفصة: تواصل فعاليات الاحتفال بشهر التراث بالسند    وزيرة النقل في زيارة لميناء حلق الوادي وتسدي هذه التعليمات..    تحذير من برمجية ''خبيثة'' في الحسابات البنكية ...مالقصة ؟    ناجي جلّول: "أنوي الترشّح للانتخابات الرئاسية.. وهذه أولى قراراتي في حال الفوز"    الاستثمارات المصرح بها : زيادة ب 14,9 بالمائة    عاجل/ "أسترازينيكا" تعترف..وفيات وأمراض خطيرة بعد لقاح كورونا..وتعويضات قد تصل للملايين..!    مختص في الأمراض الجلدية: تونس تقدّمت جدّا في علاج مرض ''أطفال القمر''    يوم 18 ماي: مدينة العلوم تنظّم سهرة فلكية حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشّمس    مدينة العلوم بتونس تنظم سهرة فلكية يوم 18 ماي القادم حول وضعية الكواكب في دورانها حول الشمس    إحداث مخبر المترولوجيا لوزارة الدفاع الوطني    أمير لوصيف يُدير كلاسيكو الترجي والنادي الصفاقسي    إصطدام 3 سيارات على مستوى قنطرة المعاريف من معتمدية جندوبة    خبراء من منظمة الصحة العالمية يزورونا تونس...التفاصيل    ربع نهائي بطولة مدريد : من هي منافسة وزيرة السعادة ...متى و أين؟    التوقعات الجوية اليوم الثلاثاء..أمطار منتظرة..    فرنسا تعزز الإجراءات الأمنية أمام أماكن العبادة المسيحية    الخليدية .. أيام ثقافية بالمدارس الريفية    زيادة في أسعار هذه الادوية تصل إلى 2000 ملّيم..    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يتربعون على عرش الاستطلاعات "ترامبات" تونس.. يراهنون على حصان "الشعبوية"

بعض أسابيع تفصلنا عن الاستحقاقات الانتخابية، في حين بدأ المشهد السياسي-ومنذ أشهر-بالتشكل تدريجيا.. أحزاب تظهر وتنصهر وأخرى تتحالف وأخرى تبحث لها عن المرشح الأمثل للرئاسيات. ولكن بالتوازي مع التحركات الحزبية التقليدية، برزت مشاريع وتجارب أخرى أعلن بعضها صراحة مشاركته في الاستحقاقات الانتخابية وينتظر البعض الآخر أن يتحصل على الثقة من الشعب -كما يقول- حتى يُقدم على هذه الخطوة.
ولكن بالرغم من التحركات المكثفة هنا وهناك، تأتي استطلاعات الرأي وآخرها تلك التي أعدتها سيغما كونساي (من غرة جوان إلى الثامن من الشهر الجاري ونشرته جريدة المغرب) لتعطي المراتب الأولى لهذه الشخصيات والمشاريع الجديدة (والقديمة مثل حزب عبير موسي) التي توصف في مجمل الأحيان ب"الشعبوية". والملفت للانتباه أن المراتب الثلاثة الأولى في الرئاسيات تحتلها شخصيات ثلاث-عادة ما يُطلق عليها هذا التوصيف- وهي على التوالي نبيل القروي (المرتبة الأولى) قيس سعيد وعبير موسي الأمينة العامة للحزب الدستوري الحر. أما في التشريعيات فيظهر ما يسمى حزب نبيل القروي في المرتبة الأولى بنسبة 29.8 بالمائة والحزب الدستوري الحر ثالثا بنسبة 11.3 بالمائة ويحتل "عيش تونسي" لألفة تراس المرتبة السادسة في نوايا التصويت ب5.4 بالمائة.
ولكن صعود شخصيات ومشاريع انتخابية توصف ب"الشعبوية"في استطلاعات الرأي لا يعد تجربة منفصلة أو خاصة بتونس. فالملاحظ أن الأحزاب التي توصف بذلك أو الشخصيات السياسية التي تنتهج هذا الخط، أثرت في الساحة السياسية الدولية بشكل واضح في السنوات الأخيرة. انتخاب الرئيس دونالد ترامب في 2016 ومن ثمة صعود أحزاب وشخصيات توصف ب"الشعبوية" في أوروبا مثل الحزب الديمقراطي السويدي اليميني، أو حزب البديل من أجل ألمانيا، أو فوز الممثل الكوميدي فولوديمير زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية بشكل ساحق هذه السنة، قد يجعل البعض يرى أن "الشعبوية" هي الموضة الرائجة هذه الأيام.
ولكنها ليست بالأمر الجديد. فمثل موضة الملابس وتسريحات الشعر، تعود "الشعبوية" من بعيد. فقد ظهر هذا المصطلح لأول مرة في القرن التاسع عشر عندما برز تيار أطلق على نفسه هذه التسمية في الولايات المتحدة وتيار آخر في روسيا. ومن ثمة بدأ استخدام عبارة "الشعبوية" في سياقات مختلفة منذ ذلك الحين، وقد كانت هنالك اختلافات في تعريفها. وبالنسبة إلى من يعتبر أن "الشعبوية" هي إيديولوجية فإنها تقوم على أن "الشعب" كقوة "خير" يقف ضد "النخبة" التي يتم تصويرها على أن فاسدة ولا تهتم إلا بخدمة نفسها وهي بذلك قوة "شر".
وأكاديميا نشر عالم الاجتماع الأمريكي إدوارد شيلز سنة 1954 مقالة عن الشعوبية كمصطلح لوصف الاتجاهات المعادية للنخب في المجتمع الأمريكي على نطاق أوسع. وعادة ما يعتبر المنظرون أن "الشعبوية" تقوم على جملة من العناصر مثل ادعاء التمثيل الحقيقي للشعب ووجود عدو واضح داخلي أو خارجي بصدد التآمر على هذا الشعب وتقديم وعود غير واقعية ولكن من شأنها أن تؤثر في المشاعر وعادة ما يتجه "الشعبوي" إلى نقد كل ما هو قائم وشيطنة المنظومة السياسية التقليدية والنخب وإلقاء اللوم عليهم في كل ما حدث ويحدث.
وعندما برزت هذه التيارات "الشعبوية"مؤخرا في الولايات المتحدة وأوروبا، رأى فيها بعض المحللين أعراضا جانبية طبيعية لممارسة الديمقراطية لعقود عندما يمل الناخب المنظومة التقليدية ووعودها ويبحث عن بديل لها وعن خطاب جديد غير مألوف. ولكننا في تونس نشهد ظهور هذه النوعية من الشخصيات وتقدمها في استطلاعات الرأي حتى بعد بضع سنوات من بداية الانتقال الديمقراطي.
"الصباح الأسبوعي" فتحت هذا الملف وطرحت هذه الأسئلة المرتبطة ب"الشعبوية" وصعودها في تونس على عدد من الباحثين والمختصين في مجالات يمكن لها أن تساعدنا على تفسير أسباب هذا الصعود دفعة واحدة من جهة وعلى تحليل أداء هذه الشخصيات وخطابها وأدواتها التسويقية ومدى قدرتها على تحقيق نتائج فعلية كما تتنبأ استطلاعات الرأي.
كريم بوزويتة ل"الصباح الأسبوعي": "الشعبوية" .. استثمار لغضب الناخب إزاء "التوافق"
●الأحزاب التونسية تستخدم "الشعبوية" بأشكال متفاوتة
●"عيش تونس" الأكثر "شعبوية".. والقروي استغل التلفزيون كما فعل ترامب
يرى دكتور الانثروبولوجيا والمختص في الخطاب السياسي كريم بوزويتة في تصريحه ل"الصباح الأسبوعي" أن من فتح الباب على مصراعيه أمام ظاهرة الشعبوية في تونس هو التوافق الذي تم بعد انتخابات 2014. فقد سوّق الحزبان الكبيران وقتها لنفسيهما على أنهما يقفان على طرفي النقيض وظهر ما يسمى بالتصويت المفيد عندما اعتبر نداء تونس أن كل من لا يصوت له هو يصوت بالضرورة لحركة النهضة. ولكن بعد هذا الصراع الواضح والجلي اتجه الحزبان إلى التوافق والحكم معا وانضمت إليهما أحزاب أخرى.
والتوافق كما يوضح محدثنا أمر غير ديمقراطي يأتي عكس إرادة الناخب الذي لن يقف متفرجا بعد أن خانت هذه الأحزاب ثقته. ورد فعل الناخب الأول هو الغضب وتأتي "الشعبوية" كما يفسر محدثنا كاستثمار لهذا الغضب. فإذا حللنا الحصيلة السياسية بشكل منطقي يمكن أن نجد ما هو إيجابي وما هو سلبي- كما يتابع بوزويتة- ولكن لدى الرأي العام هنالك دائما خلط بين الحكومة وكل الأحزاب والدولة، كلها توضع في خانة واحدة. وفي المخيلة الجمعية دائما ما يكون المسؤول عن الوضع هو من يحكم. ومردودية الأحزاب والصورة السلبية للسياسيين ساهمت أيضا في تمهيد الطريق أمام الشعبوية، كما يفسر محدثنا.
الشعبوية الكلاسيكية
يشير دكتور الانثروبولوجيا إلى أن "الشبعوية" تنقسم إلى "شعبوية" كلاسيكية وشعبوية جديدة neo-populisme. ولكنه يضيف أن مختلف الأحزاب في تونس تعتمد "الشعبوية" وأن الشعبوية موجودة لدى الجميع على الساحة السياسية ولكن كل على طريقته وبمستويات وأساليب مختلفة. فمحدثنا يعتبر مثلا أن حزب التيار الديمقراطي يعتمد "الشعبوية" الكلاسيكية ولكنه ليس حزبا "شعبويا" بشكل مطلق، لأنه يعترف بالدولة والمؤسسات وينخرط في المنظومة السياسية والانتخابية، ولكن التيار يعتمد في خطابه إلقاء اللوم على الفساد والفاسدين ويقوم خطابه على ثنائية "أن الآخرين فاسدون ونحن طاهرون" وهو خطاب نجد أيضا صداه بحسب محدثنا لدى أحزاب أخرى مثل المؤتمر من أجل الجمهورية. عبير موسي تصنف كذلك في خانة "الشعبوية" الكلاسيكية لأنها لا تتحرك خارج قواعد اللعبة السياسية، على حد تعبير محدثنا.
"الشعبويون الجدد"
أما من يعتبر المختص في الخطاب السياسي أنهم يصنفون على أنهم شعبيون جدد، فهم نبيل القروي و"عيش تونسي" إذ أنهم يتحركون خارج قوانين اللعبة وخارج المنظومة السياسية.
وهنا يوضح محدثنا أن نبيل القروي عندما يقول إن عدوه هو الفقر هو بذلك يوجه رسالة بأن المسؤولين عن الفقر هو السياسيون والسلطة السياسية والمعارضة. ويشير بوزويتة إلى أن الشعبوي لا يقدم حلولا ولا يطرح برنامجا، ولكن الناس يتابعونه ويكنون ولاء له ويجمعون عليه. ويشير بوزويتة إلى أن نبيل القروي دخل إلى منازل الناس عبر شاشة خطيرة هي شاشة التلفزيون. وهنا يذكر محدثنا بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وقبل أن يُنتخب رئيسا كان قد قدم برنامجا تلفزيونا لمدة 13 عاما وهكذا ترسخت صورته لدى المواطنون الذين يشعرون أنهم يعرفونه جيدا، بل أنه فرد من العائلة.
"المتحدث باسم الشعب"
وبالرغم من أن نبيل القروي يصنف على أنه من الشعبويين الجدد، إلا أن محدثنا يرى أن التجربة التي يمكن أن تُصنف على أنها شعبوية مائة بالمائة هي " عيش تونس". ف"عيش تونسي" تسوق لنفسها على أنها تستمد شرعتها من الشعب كما أنها تأتي من خارج المنظومة تماما وتعتمد أساليب"شعوبية" متمثلة في أنها تسوق صورة من يبحث على كسب الثقة من الشعب، فالشعب يحدد-وليس غيره- أولويات تونس في المرحلة القادمة والبرنامج الذي يجب تنفيذه ضمن ما يسمى "وثيقة التوانسة" التي تضم 12 نقطة وأن "عيش تونس" اتجهت إلى الشعب وتحدثت معه وأن دورها فقط هو تنفيذ مطالبه. وهم يحاولون إبراز حجم من تم استجوابهم وحجم من وقعوا على الوثيقة حتى يقدموا أنفسهم على أنهم وسيط للشعب وأنهم يعبرون عن الشعب وما يرغب في تحقيقه.
أما بالنسبة إلى قيس سعيد فلا يعتبر محدثنا أنه يمكن أن يُصنف على أنه شعبوي. فهو يعد من داخل المنظومة ولديه مواقف سياسية وفئة من الناخبين الذين هم من ناخبي النهضة والمؤتمر سابقا والناخبين المنضبطين انتخابيا والمحافظين. ويرى أنه يحاول أن يكون "شعبويا" من خلال تقديم خطاب موجه لفئة معينة من الناخبين.
سلوى الشرفي ل"الصباح الأسبوعي": "الشعبويون" يدركون أن وعودهم غير واقعية.. ولن يطبقوها إن انتخبوا
●الخطاب " الشعبوي " يستهدف الفئات غير المسيسة أو الواعية بكيفية تسيير الدولة
●قيس سعيد أخطر المترشحين ولا يمكن إيجاد تصنيف له
تعتبر الأستاذة الدكتورة في معهد الصحافة وعلوم الإخبار سلوى الشرفي في تصريح ل"الصباح الأسبوعي" أن "الشعبوية" يمكن أن تعرّف على أنها أن نقول للناس ما يرغبون في سماعه دون أن تكون هنالك قدرة حقيقية على تحقيق هذا الوعد. فما يقدم لتحصيل تعاطف الناس يكون من المستحيل تطبيقه على أرض الواقع. وتبرز الباحثة المختصة في تحليل الخطاب والاتصال السياسي أن السياسي يخاطب الشعب ليطرح المشاكل والتحديات والحلول المقترحة ولا يتكلم بهدف إرضاء آذان الناس وإسماعهم ما يرغبون في سماعه.
و"الشعبوية" كما تفيد محدثتنا ليست أمرا خاصا في تونس بل تصاعدت في السنوات الأخيرة في بلدان كثيرة من العالم من بينها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث فاز المرشح الجمهوري -الذي كان محل سخرية وتندر- دونالد ترامب بالانتخابات الرئاسية سنة 2016 وسط ذهول لدى الأوساط والنخب الإعلامية والسياسية لا في الولايات المتحدة بل في العالم. وتتصاعد "الشعبوية" كما تفسر الأستاذة الشرفي نظرا إلى أن أغلبية الشعوب ليست "متسيسة" وليست على دراية ومعرفة دقيقة بكيفية تسيير دواليب الدولة. ولذلك نجد أن فئات اجتماعية في تونس لا تهتم بالخطاب السياسي التقليدي، لأنها لا تكون قادرة على فك مفرداته ورموزه ولأنه يكون في غالب الأحيان موجها إلى النخبة فلا يستقطب هذه الفئات غير المسيسة وغير المطلعة والمتابعة للشأن العام.
مخاطبة القوم بما يفهمون
ولكن "الشعبويين" كما تبرز محدثتنا في المقابل يعرفون مفاتيح هذه الفئات ويخاطبونها بلغة بسيطة يفهمونها، بالرغم من أن خطابهم يكون قائما على التناقضات والمغالطات ولكن عادة ما تصدق هذه الفئات هذا الخطاب البراق الذي يستهويها ويؤثر فيها.
وهذا ما يفسر نجاح العريضة الشعبية والهاشمي الحامدي في انتخابات 2011 فقد تأثرت عديد الفئات بالخطاب المقدم حينها والوعود غير الواقعية التي وبطبيعة الحال لم يتحقق منها شيء، على حد تعبير محدثتنا.
وهذا ما نراه اليوم وأكثر مع أربعة نماذج تتصدر نوايا التصويت في حين لا يكون لدى من سيصوت إليهم القدرة على تمحيص أقوالهم ومعرفة أن خطابهم غير واقعي.
"الرئيس لا يوزع إعانات"
وتقدم الشرفي ل"الصباح الأسبوعي" قراءة في الإستراتيجية التي يعتمدها كل مرشح يوصف بالشعبوية. إذ تبرز أن نبيل القروي مثلا لن يكون بإمكانه وهو في منصب الرئيس على سبيل المثال أن يجمع إعانات ويوزعها للناس، فليس هكذا تتم الأمور أو تُسيّر الدولة ولكن هذه هي الصورة التي استثمر في تسويقها فهو يقدم نفسه على أنه يجمع إعانات (وهي في الحقيقة ليست ملكه) ويقوم بتوزيعها على الفقراء والمحتاجين. وكذلك الحال بالنسبة إلى "عيش تونسي" التي تصنفها الشرفي على أنها تجربة تعتمد أساليب مشابهة لنبيل القروي حيث يتم توظيف المال والعمل الجمعياتي الخيري –الشعبوي بطبعه كما تشير محدثتنا- في أغراض وأهداف سياسية و في ذلك غش للمواطن.
"الإيهام بعودة الماضي"
أما عبير موسي فهي تستغل شعور البسطاء ممن يتجهون إلى القيام بمقارنة سطحية وبسيطة بين الوضع اليوم والوضع في ظل النظام السابق. في حين أن هذا الكلام –كما تبرز الشرفي- غير منطقي ولا واقعي ولا يمكن لها، إذا انتخبت أن تعود بنا سنوات إلى الوراء. كما أن خطابها ضد حركة النهضة لا يقوم على المقارعة الفكرية، الحجة بالحجة، بل هي تعد بأنها ستطردهم وتسجنهم، وهذا حقيقة أمر مخيف فكل من يخالفها الرأي ستقوم بزجه في السجن وهذه هي تماما عقلية بن علي، كما ترشح الباحثة والأستاذة الشرفي.
"سعيّد الذي لا يصنف"
أما قيس سعيد فهو بالنسبة إلى الأستاذة الشرفي حالة فريدة لا يمكن وصفها بالشعبوية. فلا تعتبر محدثتنا أنه يمتلك إستراتجية "شعبوية" بل ترى أنه يقول فعلا ما يفكر فيه. فمن يستعمل الخطاب الشعبوي –كما تشرح الأستاذة- هو على دراية ووعي بذلك وعادة ما يقدم هذا الخطاب للوصول إلى أهداف بعينها، ولكنه يدرك في قرارة نفسه أن وعوده "الشعبوية" غير قابلة للتحقيق، وهو سيتخلى عنها ما إن يحقق هدفه. ولكن ما يمثله سعيد لا يدخل ضمن أي تصنيف بحسب محدثتنا إذ يغيب عنه الحد الأدنى من المعقولية والوعي.
والهدف مما يقول قيس سعيد كما توضح الأستاذة في معهد الصحافة هو قول أي شيء جديد يجلب انتباه جمهور المتابعين وفقط. والمفارقة أنه أستاذ قانون دستوري وهو واع بالنصوص القانونية والعمل المؤسساتي، وعندما يتحدث عن إلغاء الانتخابات التشريعية والاتجاه إلى انتخابات قاعدية، فإننا نعود أيضا إلى الأحزاب والحملات الانتخابية فكيف يقول في نفس الوقت أنه سيلغيها ويتخلى عنها. وتعتبر الشرفي أنه بالنسبة إلى قيس سعيد لا بد من إيجاد تصنيف جديد، فيمكن وصف كلامه ب"الشعبوي" ولكن لا يمكن القول إنه يعتمد إستراتيجية "شعبوية" وهنالك من شبهه بمعمر القذافي بخطابه الخارج عن كل ما هو معتاد. وتذهب الشرفي إلى حد القول إن قيس سعيد قد يكون أخطر مرشح على الإطلاق لأن البقية ممن يوصفون ب"الشعبويين" يمارسونها لتحقيق أهداف معينة وهم على دراية بأن الأفكار "الشعبوية" لن تكون قابلة للتحقيق عندما يُنصبون على كرسي الحكم.
محمد الجويلي ل"الصباح الأسبوعي": المنظومة الحالية شبيهة ب"ريال مدريد".. والناخب التونسي يريد تغيير الفريق
●الشخصيات البديلة يمكن أن تحقق نتائج فعلية يوم الاقتراع
●من يؤيدون هذه الشخصيات يرون أن المنظومة الحالية هي "الشعبوية"
قدم الباحث في علم الاجتماع الدكتور محمد الجويلي ل"الصباح الأسبوعي" قراءة في صعود الشخصيات التي توصف ب"الشعبوية" في المشهد السياسي في تونس اليوم واحتلالها مراتب متقدمة في استطلاعات الرأي. نبيل القروي وقيس سعيد وعبير موسي على سبيل المثال هي شخصيات لم تكن بعيدة عن المشهد السياسي طوال السنوات الفارطة ولم تكن شخصيات مغمورة أو غير معروفة ظهرت على الساحة السياسية من فراغ. بل يبرز محدثنا أنها شخصيات تتابع الوضع السياسي وهي فاعلة فيه بشكل أو بآخر.
وهذا ما أتاح لهم فرصة مراقبة العمل السياسي ومتابعة نقاط ضعف المنظومة الحالية، ويحاول كل منهم بذلك أن يراهن على أوراق رابحة كل حسب آرائه وتوجهاته. فنبيل القروي على سبيل المثال يلعب ورقة تعويض الدولة ونصرة الفقراء والمحتاجين. في حين تقدم عبير موسي –كما يتابع محدثنا- ورقة مناهضة وإقصاء حركة النهضة واستعادة مناخ النظام القديم (استعادة مناخ بن علي) وليس بالضرورة النظام في حد ذاته ولكن إعادة تمثيل المناخ بوجوه قديمة أو جديدة. أما قيس سعيد فيقدم صورة الأكاديمي الذي يمكن أن تطمئن إليه فهو يعمل على أن يخلق لدى المتلقي إحساسا بالأمان ويبرز نقاط قوته.
قصور المنظومة الحالية
أما بخصوص الأسباب التي يمكن أن تفسر صعود هذه الشخصيات في المشهد السياسي اليوم فتعود حسب المختص في علم الاجتماع إلى حجم الأخطاء والهنات التي تتسم بها المنظومة الحالية، والساحة السياسية التي يغلب عليها الجدل، هذا إلى جانب الأزمات التي مرت بها الحكومة مثل حوادث العاملات في الفلاحة أو وفاة الرضع وغيرها.. كل ذلك يؤثر سلبا في صورة المنظومة ككل في صورة الحكومة والبرلمان والرئاسة ومختلف مؤسسات الدولة.
ويلاحظ محدثنا أن المشكل لا يتعلق فقط بالوضع الاقتصادي والنتائج التي أفرزتها هذه المنظومة فقط، بل أيضا بالأداء السياسي الذي يغيب عنه الاحترام المتبادل وبذل مجهود حقيقة لتحسين الأوضاع وإنما تسوده المشاحنات والاتهامات المتبادلة والفضائح وزلات اللسان والأخطاء الاتصالية، وحتى مع النتائج الاقتصادية السلبية، كان يمكن أن يقدّر الناخب هذا الأمر ولا يتخلى تماما عن هذه المنظومة مثل تشجيع فريق قدم لا يحقق نتائج ولكنه يقدم أداء جيدا، فتجد أن الجمهور يصفق له حتى بعد النتيجة السلبية. فالمواطن يمكن أن يقدر المجهود المبذول أو المناخ السياسي الجيد حتى مع النتائج الاقتصادية الصعبة ولكن هذا لم يحدث.
الرغبة في التغيير
والمواطن في ظل هذه الظروف يعبر عن رغبته في التغيير، تغيير كل الفريق بأن يأتي بفريق جديد، كما يشر الدكتور المختص في علم الاجتماع لأنه يرى أن الفريق الحالي لم يحقق أي شيء ولم يحاول حتى تحقيق نتيجة ما. وإذا تواصلت الأوضاع على ما هي عليه وبقينا في نفس الأجواء، فإن محدثنا يتوقع أن تنجح هذه الشخصيات البديلة في أن تحقق فعليا النتائج التي تتوقعها عمليات سبر الآراء إلا في حال حدوث معجزة، معتبرا أن النتائج التي أتت بها عمليات سبر الآراء على اختلاف المؤسسات أو الجهات التي تقوم بها تعكس بالفعل توجهات المواطنين.
"المنظومة الحالية شعبوية"
واعتبر محدثنا أن الناس الذين يتابعون هذه الشخصيات لا يرون أنها "شعبوية" بل بالعكس هم يرون أن هذه المنظومة الحالية هي "الشعبوية". كما يشير الدكتور الجويلي إلى أن مختلف الأحزاب تضررت واهترأت بما في ذلك حركة النهضة التي خسرت جزءا من قاعدتها، وهنا يعتبر محدثنا أن المنظومة الحالية شبيهة بفريق ريال مدريد الاسباني فهي وصلت إلى مرحلة ضعف تحتاج فيها إلى هدنة حتى تجدد نفسها وتقدم بديلا حقيقا. (فقد وصل ريال مدريد إلى مرحلة من الضعف جعلته يخرج من منافسات كأس رابطة الأبطال الأوروبية ولا يحقق أي لقب سواء البطولة الاسبانية أو كأس أسبانيا بالرغم من أنه كان فاز بكأس رابطة الأبطال الأوروبية في ثلاث مناسبات متتالية).
اروى الكعلي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.